ظهر زعيم العصابة الحوثية عبدالملك الحوثي في خطابه الأخير منفعلا وخائفا من أي تحرك عسكري أو مجتمعي ضد جماعته، وضمن خطاب مطول هدد فيه وأرعد وأزبد قائلا بأن العصابة التي يقودها جندت مئات الآلاف من اليمنيين منذ السابع من أكتوبر 2023، وأكد في نهاية خطابة أنهم استطاعوا تدريب أكثر من 600 ألف شخص.
في الوقت ذاته، ظهر المتحدث باسم العصابة عبد السلام فليته في قناة المسيرة متحدثا باللهجة المنفعلة والمتوترة نفسها، قائلا: إنهم قد جندوا أكثر من 200 ألف مقاتل يمني من بعد السابع من أكتوبر فقط.
لقد كان من الواضح جدا هذا التضخيم والتهويل الذي يهدف إلى إخافة الخصوم. وهو أسلوب استخدمه كثيرا حسن نصر الله في خطاباته، وساهم في تصوير حزب الله كقوة لا تقهر لفترة من الزمن، لكن هذا الوهم لم يستمر حتى النهاية، فقد ظهر الحزب ضعيفا للغاية، حيث تم سحق قياداته وآلاف من عناصره خلال أيام قليلة جدا.
لكن السؤال هنا.. هل حقا درب الحوثيون مئات الآلاف من اليمنيين خلال العام الماضي؟!
قبل الإجابة عن هذا السؤال، سبق وقال زعيم الحوثيين نهاية مايو الماضي أنهم نفذوا حوالي 561733 فعالية دعما لفلسطين خلال أشهر، عقب إعلانه عن هذه الأكذوبة تعرض لموجة سخرية واسعة من اليمنيين وغير اليمنيين في مواقع التواصل الاجتماعي. فعدد الفعاليات الذي ذكره غير منطقي، ليتراجع الرقم في خطابه الأخير إلى 14026 بعدما كان أكثر من خمسمائة ألف قبل حوالي نصف عام.
في سبتمبر الماضي بثت قنوات الحوثيين مشاهد لموظفين يعملون في بعض المؤسسات الحكومية الخاضعة لها وهم يزحفون على بطونهم بملابسهم المحلية بطريقة فيها امتهان لكرامة الموظفين، لكنها قدمت هذه المشاهد على أنها جانبا من تدريبات يخضع لها الموظفون في المؤسسات بهدف مواجهة إسرائيل..!
بالتواصل مع العديد من الموظفين الذين شاركوا في هذه المسرحيات الهزلية، أكدوا لي شخصيا بأن الحوثيين أجبروهم على الخروج، وأن من يتخلف سيحرم من بعض الحقوق التي يحصل عليها بين الوقت والآخر. وأن ما يحدث أنهم يزحفون أو يصرخون ويلتقطون الصور ثم يعودون إلى ديارهم.. ليظهر لنا عبدالملك الحوثي ورفيقه فليته في نهاية كل أسبوع لتضليل العرب، ويقولوا إنهم جندوا ودربوا أكثر من نصف مليون يمني على القتال..!
مطلع الشهر الحالي، احتفت وسائل الإعلام الحوثية بعرض ميداني لمن تم وصفهم بـ “خريجو دورات طوفان الأقصى” بمشاركة 2500 طالب من منتسبي جميع كليات جامعة صنعاء، وتحدثت بأن العرض “العسكري” تكون من 23 سرية، وقد أعلن المشاركون فيها “النفير العام لمساندة القضية الفلسطينية”.
لكن الحقيقة أن الأمر مجرد استعراض دعائي تم الإعداد له على عجل لتضليل اليمنيين والفلسطينيين خصوصا والمتابع العربي عموما.
اقرأ أيضا| الأجندة الخفية بين إسرائيل وأبو جبريل
بحسب تعميم حوثي – نشره موقع يمن ديلي نيوز- فإن ما يسمى بـ”ملتقى الطالب الجامعي” المعين من جماعة الحوثي، دعا الطلاب للمشاركة فيما أسماه “العرض العسكري الشعبي لمنتسبي جامعة صنعاء”، وحدد الكيان الحوثي يوم الثلاثاء 4 ديسمبر موعدا لهذا العرض، وأن الطالب الذي سيشارك فيه سيمنح 20 درجة. أي لم يحدث وأن خضع الطلاب لدورات تدريبية عسكرية، وإنما شاركوا في مسيرة طلابية على شكل طوابير رفعوا فيها لافتات أعدت لهم مسبقا مقابل منحهم درجات في نهاية الفصل الدراسي بحسب الوثيقة التي نشرها موقع يمن ديلي نيوز الإخباري..!
المصادر الطلابية أكدت للموقع المذكور أن عرض الحوثيين كان مغريا للطلاب، وبموجبه سيحصل المشاركون على نجاح سهل ودون عناء، الأمر الذي أسال لعاب كثير من الطلاب الذين شاركوا. وهذا يعني أنهم لم يخرجوا من دورات طوفان الأقصى، ولم يتلقوا أي تدريبات، وإنما كانت مشاركتهم من أجل الحصول على النجاح السهل. وسبق وأكد الطلاب أن جماعة الحوثي _عبر ما يسمى “ملتقى الطالب الجامعي” _ تنظم فعاليات يشاركون فيها مقابل منح الدرجات لهم نهاية العام الدراسي. وبهذا الشكل يعمل الحوثيون على تضليل اليمنيين والمتابع العربي بالقول إنهم يخضعون الطلاب لدورات عسكرية من أجل الدفاع عن فلسطين. وفي الحقيقة هي مجرد دعايات توهم الفلسطينيين بأن الحوثيين سيأتون لإنقاذهم.
إضافة إلى أن الحوثيين يعبثون بالتعليم ومستقبل الأجيال اليمنية القادمة، فهم يوهمون الإقليم والعالم بأنهم أقوياء من خلال الصراخ وتضخيم أعداد المقاتلين وإخراج اليمنيين إلى الساحات بعد تجويعهم وإهانتهم وترهيبهم.
ينطبق على هذا الاستعراض المقولة اليمنية المشهورة “الهنجمة نصف القتال”، وفي بعض المناطق يقال “الهرج نصف القتال”. والمعنى هنا أن الحديث عن النفس وإظهار القوة والقدرات أمام العدو وإن كانت غير حقيقية، تعتبر نصف المعركة.. تماما كما تفعل الدجاجة عندما تتعرض هي وصغارها لهجوم من كائن مفترس.
في واقع الأمر، عصابة الحوثي بلا شعبية ولا قبول مجتمعي في اليمن، والغالبية العظمى ممن يخرجون معها في المسيرات والفعاليات يفعلون ذلك مضطرون وليس إيمانا بشعارات العصابة ومشروعها الكهنوتي العنصري. وصنيعهم هذا يتطابق مع صنيع كثير من السوريين فقد كانوا يظهرون في وسائل إعلام نظام الأسد وهم يهتفون باسمه ويرفعون صوره لكنهم ثاروا ضده مع أول فرصة وداسوا على تلك الصور التي كانوا يقبلونها.