أعاد قرار صادر عن إحدى محاكم الاستئناف الفيدرالية يوم الجمعة التأكيد على أن احتمال حظر “تيك توك” في الولايات المتحدة أصبح يتجاوز احتمال استمراره.
ينبغي أن يمثل ذلك إنذاراً للملايين من مستخدمي هذا التطبيق، وخاصة أولئك الذين رتبوا أوضاعهم المهنية عليه. فحتى الآن، يحافظ هؤلاء على هدوئهم ويستمرون في العمل، في حالة إنكار جماعي لأن يأتي يوم لا يتمكنون فيه من تسجيل الدخول للتطبيق. لقد تحدد ذلك اليوم بتاريخ 19 يناير، وهو اليوم السابق على موعد تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترمب لولاية ثانية.
وفقاً لمركز أبحاث “بيو” (Pew)، انخفض تأييد حظر برنامج “تيك توك” انخفاضاً كبيراً منذ عرض ذلك لأول مرة في عام 2023. وربما يتضح عدم شعبية ذلك بشكل خاص بين كتلة الناخبين من جيل “زد”، الذين يُنسب إليهم مساعدة ترمب في العودة إلى البيت الأبيض. وقد يتسبب لهذا الجيل في خيبة أمل بقرار من أوائل قراراته المهمة.
تخطط “تيك توك” للاستئناف أمام المحكمة العليا وقالت في بيان يوم الجمعة إنها على ثقة من أن القضاة سيتبعون “سجلهم التاريخي الراسخ في حماية حق الأميركيين في حرية التعبير”.
يختلف بعض المراقبين القانونيين مع ذلك، ويعتقدون أن المحكمة العليا التي تميل إلى النزعة المحافظة –إذا قبلت القضية من الأساس– ستوافق على الحكم الصادر بالإجماع من محكمة الاستئناف في واشنطن، التي قالت إن مخاوف الأمن القومي، وإن كانت افتراضية، تفوق في أهميتها قضية حرية التعبير.
خلصت المحكمة إلى أن خيار سحب استثمارات الصين من الشركة يتيح أمام “تيك توك” فرصة للاستمرار. (تحتج “تيك توك” بأن التخارج مستحيل. وتقول المحكمة إن اللوم في ذلك يقع على الصين التي تمنع تصدير خوارزمية “تيك توك” الشهيرة).
موقف ترمب من تيك توك
ومع ذلك، قد تتمكن “تيك توك” على الأقل من تجميد الموقف مؤقتاً. إذ من المتوقع أن تسعى للحصول على أمر قضائي من المحكمة العليا لتأجيل الموعد النهائي في يناير، مما يدفع بالقضية إلى إدارة ترمب.
قال لي البروفيسور جيمس غريميلمان من كلية الحقوق بجامعة كورنيل إن هناك سيناريو آخر قد يؤدي إلى إبطاء الإجراءات هو أن يمدد الكونغرس الموعد النهائي.
من المقرر أن يؤدي الكونغرس رقم 119 اليمين في 3 يناير –قبل الرئيس وقبل دخول حظر “تيك توك” حيز التنفيذ. ويقول غريميلمان: “من المحتمل جداً أن يحصل ترمب على التزامات من الجمهوريين، الذين سيسيطرون على المجلسين، بمنحه تمديداً لمدة شهرين حتى يتمكن من اتخاذ القرار عند توليه المنصب”.
ثم ماذا بعد؟ إن الورقة الرابحة هي ترمب نفسه، الذي اتسمت آراؤه حول “تيك توك” بعدم الاتساق. وموقفه الحالي بشأن الحظر غير واضح. وما أعرفه جيداً أنه من الحماقة أن تتخذ موقفاً استناداً إلى كلماته الأخيرة.
في البداية، كانت معارضته لـ”تيك توك” شديدة. ففي أغسطس 2020، وقع أمراً تنفيذياً يفرض على “تيك توك” تخارج الاستثمارات الصينية خلال 45 يوماً، مع ظهور شركتي “مايكروسوفت” و”أوراكل” كمشترين محتملين.
كان من المتوقع أن تنبع معارضته للتطبيق جزئياً من اكتشافه أن مستخدميه كانوا يسخرون منه وينسبون لأنفسهم الفضل في عرقلة تجمعاته الانتخابية. وفي النهاية، أوقف أمر قضائي أولي أي تغييرات قسرية.
بحلول عام 2024، وبينما كان الكونغرس الأميركي يناقش مرة أخرى حظر “تيك توك”، غير ترمب موقفه بشكل مفاجئ. وقال لتلفزيون “سي إن بي سي”: “هناك الكثير من الجوانب الجيدة وأخرى سيئة في تيك توك، لكن ما لا أحبه هو أنه بدون تيك توك، ستجعلون فيسبوك أكبر، وأنا أعتبر فيسبوك عدواً للشعب، إلى جانب الكثير من وسائل الإعلام”.
لماذا تغير موقف الرئيس
ما الذي تغير؟ من الصعب تحديد عامل واحد. قد تتذكرون أن فيسبوك حظر ترمب عقب اقتحام الكابيتول في 6 يناير، وكذلك فعل تويتر. وربما لاحظ ترمب أيضاً أن دعم بايدن لحظر تيك توك يلاقي رفضاً شديداً وسط الناخبين من الشباب، مع إشارة البعض إلى ذلك بوصفه من أسباب عدم التصويت لصالحه.
بالإضافة إلى ذلك، أظهرت البيانات التحليلية أن المنشورات الداعمة لترمب على تيك توك كانت تتفوق بشكل واضح على تلك التي تدعم بايدن (أغلقت كامالا هاريس لاحقاً تلك الفجوة).
سلط آخرون الضوء على أن الملياردير جيف ياس، وهو من أبرز المتبرعين للحزب الجمهوري، من كبار المساهمين أيضاً في شركة “بايت دانس” (ByteDance) المالكة لتيك توك. وكذلك، عارض إيلون ماسك، الذي أنفق 277 مليون دولار لانتخاب ترمب وأصبح أحد مستشاريه الأقوياء، حظر تيك توك قائلاً إنه يتعارض مع حرية التعبير.
إقرأ أيضا : هل ينجح سيناريو استبدال الجولاني بالأسد؟
ومع ذلك، قد يتبين أن معارضة ترمب لحظر تيك توك عندما يتولى مهام منصبه أكثر تعقيداً بكثير من مجرد انتقاده والتهجم عليه في الحملة الانتخابية. فسوف يضعه ذلك فوراً في مواجهة جهاز الأمن القومي، الذي يؤكد بقوة أن التطبيق يمثل خطراً واضحاً ومباشراً على الولايات المتحدة. إن تفويت فرصة تكبيل أكبر قصة نجاح للتكنولوجيا الاستهلاكية الصينية قد يقوض وعده بأن يكون “صارماً” مع بكين.
لا يزال الحظر يحظى بدعم أعضاء مهمين بالحزب الجمهوري، ومن بينهم تيد كروز وماركو روبيو، الذي يريد ترمب أن يعينه وزيراً للخارجية. وقال تشاك غراسلي، الذي سيعود رئيساً للجنة القضائية المؤثرة في مجلس الشيوخ في يناير، إنه يتوقع أن يترك ترمب الأمر للمحاكم.
هل سيتدخل ترمب لصالح تيك توك؟
يبدو أن ترمب خفف أيضاً من موقفه تجاه مارك زوكربيرغ، أو “عدو الشعب” الذي تناول العشاء في منتجع مار-إيه-لاغو الشهر الماضي. أعرب زوكربيرغ عن رغبته في المساعدة في السياسة التكنولوجية ووعد بتخفيف تدخله في إدارة المحتوى. ستكون شركة “ميتا بلاتفورمز”، ومنتجها إنستغرام ريلز، المستفيد الأكثر وضوحاً من حظر تيك توك، فطالما حذر زوكربيرغ من تغلغل الصين في نشاط الأميركيين على الإنترنت.
وبالطبع، يمتلك ترمب نفسه شبكة تواصل اجتماعي، هي “تروث سوشال”، وينفي أن يكون لديه خطط للتخارج منها (على الرغم من أنني لا أتخيل أن الكثير من مراهقي جيل “زد” سيتوافدون على هذه الشبكة).
عندما سألت يوم الجمعة، لم يرغب الفريق القانوني لـ”تيك توك” في الإسهاب فيما يعتقد أنه تفكير ترمب الحالي. وأعتقد أنه من الواضح أن “تيك توك” ومستخدميها البالغ عددهم 170 مليون مستخدم لا ينبغي أن يعولوا على أي تدخل من جانبه.
لا يحقق وجود هذا التطبيق فائدة شخصية تُذكر لترمب في الوقت الحالي، لا سيما أنه لم يعد يسعى إلى حشد الأصوات. وما كان أصلاً يدعمه أثناء الحملة الانتخابية سيعود على الأرجح إلى ما كان عليه خلال ولايته الأولى، بأن يصبح مرتعاً لانتشار واتساع المعارضة له ولقراراته الرئاسية، وتهديداً محتملاً آخر للأمن القومي في نفس الوقت.
خاص ب Bloomberg Media