تكلفة خيالية لإزالة الأنقاض وإعادة الإعمار في غزة
وجود النفايات العسكرية والمشعة والأسبستوس السام والملوثات الأخرى يزيد من تعقيد المعالجة. وبالطبع، قبل أن تبدأ جهود إزالة الحطام أو إعادة تدوير، من الضروري إجراء تقييمات شاملة للمخاطر، بمعنى على الخبراء تحديد وتقييم المخاطر المحتملة المرتبطة بأنواع مختلفة من الحطام.
خلف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة كمية ضخمة من الحطام، بما في ذلك الذخائر غير المنفجرة والمواد الخطرة. ويشكل الحجم الهائل للحطام في مساحة محدودة تحديات لوجستية كبيرة. ووفقا لخبراء بيئة أمميين، يوجد ما يقرب من 39 مليون طن من الأنقاض في المنطقة المكتظة بالسكان (حتى أوائل حزيران)، ما يعادل 107 كيلوغرامات من الأنقاض لكل متر مربع في القطاع.
إزالة هذا الكم الهائل من الأنقاض مهمة معقدة جدا، لكن ليست مستحيلة. وتقدر الأمم المتحدة أن الأمر قد يستغرق حوالي 14 عاما لإزالة جميع الأنقاض والقنابل غير المنفجرة. تتضمن هذه العملية جهودا مكثفة، بما في ذلك استخدام المعدات الثقيلة والعاملين المتخصصين. وما يزيد من تعقيد هذا الجدول الزمني وجود ألآف أطنان الذخائر غير المنفجرة المنتشرة في جميع أنحاء القطاع، والتي يجب إزالتها بأمان قبل البدء في إزالة الحطام.
الأنقاض في القطاع ليست مجرد نفايات بناء عادية، إذ أن الكثير منها يحوي مواد خطرة مثل المخلفات العسكرية والمشعة، ومئات آلاف أطنان الأسبستوس السام وغيرها من الملوثات الخطرة. وقد يحوي الحطام أيضا معادن ثقيلة ومركبات ثنائي الفينيل متعدد الكلور (PCBs) وغيرها من الملوثات العضوية الثابتة.
يعد تحديد هذه المواد والتعامل معها والتخلص منها بشكل صحيح أمرا بالغ الأهمية للتخفيف من المخاطر الصحية والبيئية المحتملة.
هناك حاجة إلى معدات وخبرات متخصصة لفرز الحطام ونقله ومعالجته بأمان. ويشمل ذلك استخدام أجهزة الكشف عن الإشعاع، ومجموعات اختبار الأسبستوس، وآلات التكسير وإعادة التدوير المتقدمة. ومن الضروري أيضا إنشاء مرافق تخزين مؤقتة ومواقع لإزالة التلوث لضمان المعالجة الآمنة للمواد الخطرة.
وما يزيد الأمر تعقيدا وجود آلاف الأطنان من الذخائر غير المنفجرة المنتشرة في جميع أنحاء القطاع، والتي يجب إزالتها بأمان قبل البدء في إزالة الحطام. ويعد تنسيق جهود مختلف أصحاب المصلحة، بما في ذلك السلطات المحلية والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية، أمرا بالغ الأهمية لإدارة الحطام بكفاءة. كما أن وضع بروتوكولات واضحة لجمع الحطام ونقله والتخلص منه يعد أمرا ضروريا لضمان سلامة العمال والمجتمعات المحيطة.
إجمالا، يتكون الحطام من مواد مختلفة، بما في ذلك الأنقاض من المباني المدمرة، والذخائر غير المنفجرة، والنفايات الخطرة. وجود النفايات العسكرية والمشعة والأسبستوس السام والملوثات الأخرى يزيد من تعقيد المعالجة. وبالطبع، قبل أن تبدأ جهود إزالة الحطام أو إعادة تدوير، من الضروري إجراء تقييمات شاملة للمخاطر، بمعنى على الخبراء تحديد وتقييم المخاطر المحتملة المرتبطة بأنواع مختلفة من الحطام. وهنا تأتي أهمية بروتوكولات السلامة لحماية العمال والسكان المحليين.
وفي حين أن بعض مواد الحطام قد تكون مناسبة لإعادة التدوير أو إعادة الاستخدام، فقد يحتاج البعض الآخر إلى التخلص المناسب. على سبيل المثال لا الحصر: يمكن إعادة استخدام الخرسانة المكسرة والطوب لبناء الطرق أو كمواد مجمعة. كما يمكن إعادة تدوير الحطام المعدني، ما يساهم في توفير التكاليف والحفاظ على الموارد. البلاستيك والزجاج والمواد الأخرى من الأنقاض يمكن فصلها وإعادة تدويرها وبالتالي تقليل نفايات المكبات وتعزيز الاستدامة.
أما الأسبستوس السام فيجب التعامل معه بعناية والتخلص منه وفقا للوائح. وفي حال تم الكشف عن مواد مشعة، فيلزم اتخاذ إجراءات متخصصة للتعامل الآمن معها والتخلص منها.
اقرأ أيضا| هل القطاع جزء من الدولة الفلسطينية؟
مهمة التعامل مع الأنقاض في قطاع غزة هائلة، وتتطلب التزاما طويل الأجل، وخبرة تقنية، وموارد مالية. فالجهود المبذولة لإزالة الأنقاض ومعالجة المواد الخطرة وتعزيز الممارسات المستدامة أمر بالغ الأهمية لضمان استعادة مقومات الحياة والبنية البيئية والمستقبل الأكثر أمانا في قطاع غزة.
باختصار، معالجة الحطام تصطدم بتحديات مالية كبيرة، وتكلفة إزالته ومعالجته وإعادة تدويره هائلة. إنشاء مرافق إعادة التدوير وشبكات النقل يتطلب استثمارات كبيرة. المعونة والتعاون الدوليان والعربيان حاسمان لتمويل هذه الجهود ودعمها. وهنا تأتي أهمية تعاون الحكومات والمنظمات غير الحكومية والدولية لمعالجة هذه الأزمة الإنسانية والبيئية.
الأمم المتحدة والدول المانحة والمنظمات غير الحكومية تلعب دورا حاسما في تقديم المساعدة المالية. وينبغي أن يشمل التمويل إزالة الأنقاض، وتدابير السلامة، وإعادة التأهيل على المدى الطويل.
معضلة التمويل تحديدا تكمن في أن مدى استعداد المجتمع الدولي لتقديم المساعدات لقطاع غزة كان تاريخيا غير متسق، وغالبا ما يخضع لاعتبارات واشتراطات سياسية.
وفي كل الأحوال، تنسيق جهود مختلف أصحاب المصلحة، بما في ذلك السلطات المحلية والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية، أمر بالغ الأهمية لإدارة الأنقاض بكفاءة. كما أن وضع بروتوكولات واضحة لجمع الحطام ونقله والتخلص منه يعد أمرا ضروريا لضمان سلامة العمال والمجتمعات المحيطة. ولا بد من لإشارة إلى أن عدم وجود نظام مركزي لإدارة الأنقاض وتجزئة المسؤوليات فيما بين مختلف الوكالات يمكن أن يعوق فعالية جهود التنظيف.
تقييم المخاطر
يتوقع أن يحوي الحطام في بعض المواقع مواد مشعة تشكل خطرا كبيرا على صحة الإنسان والبيئة. ويتطلب الكشف عن النظائر المشعة وتحديد خصائصها معدات وخبرات متخصصة. وبالطبع، تكلفة معالجة النفايات المشعة والتخلص منها كبيرة.
كما أن المواد المحتوية على الأسبستوس شائعة في حطام البناء. ألياف الأسبستوس السامة قد تسبب أمراضا تنفسية خطيرة، بما في ذلك سرطان الرئة. يعد التعامل السليم مع مادة الأسبستوس وإزالتها والتخلص منها أمرا ضروريا لمنع التعرض لمخاطرها.
ونظرا لانتشار ألاف أطنان الذخائر غير المنفجرة في جميع أنحاء القطاع، فإن إزالتها تنطوي على تخطيط دقيق وتقييم للمخاطر وعاملين مدربين، علما أن التكلفة المالية لإزالة الذخائر غير المنفجرة كبيرة.
يمكن للمسوحات الجوية باستخدام الطائرات بدون طيار وصور الأقمار الصناعية تحديد المناطق الخطرة وتقييم توزيع الحطام والتخطيط لاستراتيجيات الإزالة. تقنية نظم المعلومات الجغرافية(GIS) تساعد في رسم خرائط لمواقع الحطام، وتحديد أولويات مناطق التطهير، وتحسين تخصيص الموارد.
أيضا، العمل بالأنظمة الروبوتية من خلال نشر الروبوتات لإزالة الحطام، وبخاصة في المناطق الخطرة، يعزز السلامة والكفاءة.
التضخيم والمبالغة
يعد تأمين التمويل الكافي من المانحين الدوليين ووكالات المعونة أمرا بالغ الأهمية لتمويل جهود إزالة الأنقاض وإعادة الإعمار؛ بما في ذلك تكلفة المعدات المتخصصة ومعدات الحماية الشخصية (PPE) للعمال.
ومع ذلك، فإن إعادة تدوير جزء كبير من الأنقاض يمكن أن توفر حلا فعالا من حيث التكلفة لإعادة بناء غزة، علما أن العديد من المصانع والشركات المحلية في قطاع غزة، في ظل الحصار الإسرائيلي المحكم وإثر الحروب السابقة، تكيفت مع النقص في مواد البناء من خلال إنتاج كتل خرسانية ومواد بناء أخرى من الأنقاض المعاد تدويرها. وهذا لا يقلل من تكلفة إعادة الإعمار فحسب، بل يخلق أيضا فرص عمل للسكان المحليين.
وفي ذات السياق، يؤكد بعض خبراء بلدية مدينة غزة، بأن التقارير الدولية التي تتحدث عن 14 سنة لإزالة الأنقاض من مدينة غزة، بالإضافة لسنوات طويلة أخرى لإعادة الإعمار، لا تراعي جميع العوامل المتعلقة بإزالة الركام، وأهمها عدد العاملين في عمليات الإزالة وعدد ساعات العمل اليومية، ومدى توافر المعدات والآليات الثقيلة اللازمة لإزالة الأنقاض. كما أن تقارير بعض المنظمات الدولية التي تتحدث عن توفير 100 شاحنة للعمل، غير صحيح، لأن مقدارا كهذا من الشاحنات قد تملكه شركة صغيرة؛ فالأرقام يجب أن تكون أكبر بكثير من ذلك.
لذا، بحسب أوساط في بلدية غزة، عمليات إزالة الأنقاض من مدينة غزة وسائر أنحاء القطاع، قد لا تستغرق أكثر من سنة واحدة كحد أقصى؛ وذلك في حال توفرت كل المواد اللازمة والمعدات والآليات الثقيلة والعدد الكبير من العاملين الموجودين فعليا في القطاع.
يضاف إلى ذلك مسألة تمويل إزالة الأنقاض، إذ يتحدث البعض عن أكثر من 600 مليون دولار أميركي، بينما الواقع يؤكد بأن الركام يشكل بحد ذاته مصدر دخل هام، وبالتالي لا حاجة للإنفاق كثيرا عليه. ففي الحروب الإسرائيلية السابقة ضد قطاع غزة كانت عملية إزالة الركام تكلف صاحب المنزل صفر دولارات! لأن العديد من الشركات الخاصة كانت تحصل على الركام مقابل إزالته مجانا، بمعنى يمكن تحويل عمليات الإزالة إلى مشروع مُجْد ماليا ومدر للدخل، أو بالحد الأدنى، تكون تكلفتها أقل بكثير من التقديرات المعلنة، وبالتالي توفير المبالغ الكبيرة لصالح عمليات الإعمار وإعادة البناء وتطوير مدينة غزة، على سبيل المثال، وإعادة تهيئة بنيتها التحتية.
إذن، هنالك تفاصيل فنية وهندسية كثيرة تتعلق بعمليات التخلص الصحي والبيئي السليم من الأنقاض، خلال فترة زمنية لا تتجاوز السنة الواحدة.