لا تزال الجمهورية العربية السورية غارقة في أزمة إنسانية معقدة “حيث لا يزال يجري قتل المدنيين وإصابتهم خلال الأعمال العدائية، وتمارس الجهات الفاعلة التابعة للدولة وتلك غير التابعة للدولة السلطة بشكل تعسفي وترتكب الانتهاكات مع الإفلات من العقاب، ولا تزال ستة جيوش أجنبية متورطة”.
ويستمر الوضع الاقتصادي والإنساني في التدهور، “في ظل الفساد، والجريمة المنظمة والتدابير القسرية الأحادية الجانب، والعزلة الاقتصادية”، ما أثر بصورة غالبة على السوريين العاديين وليس على النخبة.
جاء ذلك في تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية، خلال الفترة الممتدة من 1 يناير إلى 30 يونيو 2024، حيث كانت الاحتياجات الإنسانية في أعلى مستوى لها منذ بداية النزاع، وقد قتل وجرح مدنيون في الأعمال العدائية المستمرة، بما في ذلك شن هجمات ترقى إلى مستوى جرائم الحرب في العديد من جبهات القتال.
وبحسب التقرير المقدم لمجلس حقوق الإنسان في دورته الـ57 التي انطلقت 9 سبتمبر وتتواصل حتى 9 أكتوبر الجاري، واطلع “جسور بوست” على نسخة منه، استمرت التقارير التي تتحدث عن تهريب المخدرات، والاتجار بالبشر، ومحدودية الخدمات الحكومية، وتزايد انعدام القانون في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.
واستخدمت قوات الأمن والفصائل العديد من أشكال العنف والاحتجاز والتهديدات لابتزاز أموال المدنيين، بدلا من ضمان حمايتهم وضمان سيادة القانون.
احتجاز تعسفي وتعذيب
واستمرت عمليات الاحتجاز التعسفي والتعذيب والاختفاء القسري وحالات الوفاة أثناء الاحتجاز في سوريا، بحسب التقرير..
وقد أوضحت حالات القتل التي وقعت في درعا في 7 أبريل كيف أن المناطق التي استعادتها الحكومة لا تزال تتسم بالعنف المستمر.
اقرأ أيضا.. صراع الشرق الأوسط.. وخطورة العواقب الاقتصادية
وازدادت هجمات داعش بدرجة ملحوظة، وأدى ازدياد حدة التوترات الإقليمية نتيجة للصراع في غزة إلى اشتداد العمليات العسكرية، فقد ازدادت الضربات الجوية الإسرائيلية التي تستهدف المسؤولين الإيرانيين ووكلائهم في جميع أنحاء الجمهورية العربية السورية، كما ازدادت هجمات الجماعات التابعة لإيران على قواعد الولايات المتحدة الأمريكية، ما أثار الخوف من حدوث المزيد من التصعيد الإقليمي.
وينظر إلى جهود إعادة هيكلة قطاع الأمن على أنها محاولة لزيادة مركزية السلطة وتأكيد سيطرة الحكومة على المؤسسات الأمنية الرئيسية، أما الانتخابات البرلمانية التي أجريت في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في يوليو الماضي، فلم يكن من المتوقع أن تؤدي إلى تغيير المسار السياسي أو العسكري للبلد.
وقف إطلاق النار
وعلى الصعيد الدولي، واصل المبعوث الخاص للأمين العام إلى سوريا الضغط من أجل القيام على سبيل الاستعجال بوقف التصعيد وبوقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلد، وإعادة انعقاد اللجنة الدستورية، واتخاذ تدابير لبناء الثقة خطوة بخطوة من أجل المضي قدماً، بيد أن الجهود الرامية إلى تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 (2015) قد ظلت متوقفة.
وتضاءل التمويل الإنساني في خضم الأزمات الإقليمية والعالمية المتنافسة، حيث لم يوفر بحلول شهر يوليو 2024 تمويل إلا بنسبة 20 في المئة من خطة الاستجابة الإنسانية لعام 2024،
وقد حدث ذلك على الرغم من أن زهاء 13 مليون شخص يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد وأكثر من 650 ألف طفل تظهر عليهم علامات التقزم بسبب سوء التغذية الحاد، بينما يعيش تسعة من كل عشرة سوريين تحت خط الفقر.
وأفادت التقارير بأن قوافل المساعدات الداخلة عبر خطوط التماس قد منعت على نحو متكرر في جميع أنحاء البلد، ما حرم المجتمعات المحلية من المساعدات المنقذة للحياة، بما في ذلك في مخيم الركبان.
إيصال المساعدات الإنسانية
وفي 8 يوليو 2024، مددت الحكومة موافقتها على إيصال المساعدات الإنسانية العابرة لخطوط التماس عن طريق معبر باب الهوى وذلك حتى 13 يناير 2025، على الرغم من إغلاق تركيا له لفترة وجيزة في أعقاب المظاهرات التي اندلعت في شمال الجمهورية العربية السورية في أوائل يوليو 2024.
ووصفت اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) في تقرير صدر مؤخرا كيف أدت التدابير القسرية الأحادية الجانب إلى أن تواجه المنظمات الإنسانية زيادة في تكاليف مشترياتها وتأخيرات في تسليم السلع وفي المعاملات المالية بسبب تقييمات الامتثال المعقدة المتعلقة بالتدابير القسرية الأحادية الجانب.
وأوصت اللجنة باتخاذ إجراءات ملموسة للحد من الإفراط في الامتثال لهذه التدابير ومن آثارها المثبطة ولتمكين المنظمات الإنسانية من إجراء معاملات مالية مبسطة.
خسائر في صفوف المدنيين
وتسبب القتال بين الجماعات المسلحة الموالية للحكومة والجماعات المسلحة المناهضة لها في وقوع خسائر في صفوف المدنيين على طول خط الجبهة في إدلب، وإن كان ذلك على نطاق أقل مما كان عليه الحال خلال أعمال التصعيد في فترة التقرير السابق،
وفي الوقت نفسه، أفادت التقارير بأن الهجمات التي يشنها تنظيم داعش قد ازدادت، ومن المتوقع أن تتضاعف في العراق وسوريا في عام 2024.
وأوضح التقرير أنه رغم أن الجمهورية العربية السورية قد ظلت منذ فترة طويلة ساحة قتال بالوكالة لصراعات إقليمية أكبر، إلا أن هذه الفترة شهدت أيضاً زيادة في الهجمات المبلغ عنها التي شاركت فيها جهات تابعة للدولة وجهات أفيد بأنها تعمل بالوكالة على الأراضي السورية وانطلاقا منها.