تقرير أمام مجلس حقوق الإنسان: الفقر يلتهم حياة 670 مليون شخص حول العالم
أكد المقرر الخاص المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان، أوليفييه دي شوتر، أن النهج السائد المتبع في مكافحة الفقر يعتمد على مسعى زيادة الناتج الكلي للاقتصاد الذي يقاس بالناتج المحلي الإجمالي، إلى جانب إعادة التوزيع التي تعقب مرحلة السوق من خلال الضرائب والتحويلات غير أن التركيز الحالي على زيادة الناتج المحلي الإجمالي هو تركيز مضلل؛ فزيادة الناتج المحلي الإجمالي ليست شرطا مسبقا لإعمال حقوق الإنسان أو لمكافحة الفقر وعدم المساواة.
وقال المقرر الخاص في تقريره الذي اطلع “جسور بوست” على نسخة منه، والمقرر مناقشته ضمن البند الثالث من جدول أعمال مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في دورته الـ56، إنه ينبغي ألا تصبح أيديولوجية هيمنة النمو أداة للإلهاء عن الحاجة الملحة لتوفير المزيد من السلع والخدمات التي تعزز الرفاه وتصب في الحد من إنتاج سلع غير ضرورية إن لم تكن ضارة.
وأضاف دي شوتر، أنه ما دام الاقتصاد مدفوعا أساسا بالبحث عن أقصى قدر من الربح، فهو سيلبي الطلب الذي تعبر عنه أغنى فئات المجتمع، ما يؤدي إلى أشكال استخراجية من الإنتاج تزيد من حدة الاستبعاد الاجتماعي باسم خلق المزيد من الثروة، وسيفشل في إعمال حقوق الفقراء. لافتا إلى أن الانتقال من اقتصاد مدفوع بالبحث عن أقصى قدر من الربح إلى اقتصاد قائم على حقوق الإنسان أمر ممكن وضروري لمراعاة حدود موارد كوكب الأرض.
ويبرر التركيز على النمو الاقتصادي بالحاجة إلى زيادة إيرادات الدولة، ما يسمح لها بتوفير الخدمات العامة والحماية الاجتماعية.
وينظر إلى النمو أيضا على أنه وسيلة لتوليد فرص العمل، وبالتالي للتعويض عن فقدان الوظائف الناتج عن التغير التكنولوجي، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي.
وظلت العلاقة بين نمو الناتج المحلي الإجمالي ومعدل التوظيف متفاوتة للغاية في السنوات الأخيرة، وأصبح نمو البطالة هو القاعدة بعدما كان الاستثناء.
وكشف التقرير عن أن 670 مليون شخص من سكان العالم يعيشون تحت خط الفقر الدولي المقدر بـ2.15 دولار في اليوم وفق معيار تعادل القوة الشرائية في عام 2017، وأن هذا الرقم سينخفض إلى 575 مليون بحلول عام 2030، وهو أقل بكثير من الهدف.
ويرى المقرر الخاص أنه ينبغي أن تكون مكافحة التفاوتات في الدخل والثروة، أي التفاوتات الرأسية، في مقابل التفاوتات الأفقية بين المجموعات التي ظل قانون حقوق الإنسان يوليها أكبر الاهتمام من منظور تقليدي، في صميم البحث عن نهج لما بعد النمو يمكن اتباعها للقضاء على الفقر.
وينطوي تراكم الثروة في أيدي نخبة ضيقة على تأثيرات كبيرة، لا سيما في ما يتصل بانبعاثات غازات الدفيئة، بسبب الخيارات الاستثمارية للمجموعات الأكثر ثراء.
وتبين أن أغنى 1 في المئة من سكان العالم مسؤولون عن 23 في المئة من الزيادة الإجمالية في الانبعاثات منذ عام 1990 في حين أن أفقر 50 في المئة كانوا مسؤولين عن 16 في المئة فقط من إجمالي نمو الانبعاثات.
وللتفاوت في الدخل والثروة عواقب سياسية؛ فالهيمنة الاقتصادية تتحول بسهولة إلى نفوذ سياسي، ما يسمح لأغنى مجموعات السكان وأقوى الجهات الفاعلة الاقتصادية باستخدام حق النقض ضد أي تغيير قد يتحدى الوضع الراهن الذي تستفيد منه.
وعلاوة على ذلك، في المجتمعات الأكثر تفاوتا تكون المشاركة المدنية أقل بشكل عام، بحسب التقرير.
وشدد المقرر الخاص في تقريره على ضرورة أن يشار صراحة في ميثاق المستقبل، الذي سيعتمد في سبتمبر 2024، إلى الانتقال إلى مسار إنمائي لما بعد النمو، يركز على إعمال حقوق الإنسان بدلا من زيادة المستويات الإجمالية للإنتاج والاستهلاك.
غير أن ذلك لا يمكن تحقيقه دفعة واحدة، كما لا يمكن تحقيقه محلياً أو على المستوى القطري وحده. وسيتطلب الانعتاق من تبعيات النمو استراتيجيات متعددة السنوات وجهداً على مختلف مستويات الحوكمة.