ترمب يتحرر وحملة بايدن تنقسم
يعتقد المراقبون أن الجناح الذي يعارض استمرار بايدن يقوده الرئيس السابق باراك أوباما ومعه بعض اليساريين التقليديين، وهم بحسب المصادر تقدموا بخطة تقضي بأن يعلن الرئيس بايدن نفسه أنه لأسباب معينة لن يترشح ويقوم بإعلان "مرشحي أوباما".
تأخذ مجريات الأمور في السياسات الأميركية، وبخاصة الانتخابية، مجرى غير اعتيادي وسريع التقلب، بينما العالم يتفرج وينتظر عودة أميركا إلى دورها المعهود في حماية الاستقرار الإقليمي والدولي. لكن المواجهة التي يخوضها المرشحان الأساسيان دونالد ترمب وجو بايدن قبل المؤتمرات الحزبية هذا الصيف قد تقرر معركة نوفمبر (تشرين الثاني) الانتخابية الكبرى.
بخلاصة شديدة، ترمب يحاول التخلص من تحديات قانونية متعبة، ويبدو أنه بدأ يخرج تدريجاً من الدوامة، بينما بايدن منذ المناظرة الأخيرة يبدو أنه بدأ يدخل في دوامة سياسية داخل حزبه قد تؤثر في مستقبل حملته. والمحكمة العليا يبدو أنها ستدافع عن حق ترمب في الترشح والتبارز مع بايدن في مناظرات. وهذا ما حدث منذ أسبوع، لكن نتائج المناظرة لم تأت لمصلحة بايدن مما صعق جزءاً كبيراً من الديمقراطيين الذين بدأوا بالتشكيك فيه، فتفجرت “حرب أهلية” داخل معسكر بايدن سنحاول تفصيلها.
معسكر بايدن – أوباما منذ 2020 اعتمد على حرب تشريعية قضائية هدفها منع ترمب من التقدم إلى الانتخابات أساساً، وأملت بأن يخرج من اللعبة بسرعة مما يؤمن النصر لبايدن. لكن ترمب نجا من معظم الضربات القانونية لسنوات وحتى مساندة المحكمة العليا لمبدأ ترشحه للرئاسة أخيراً. وكان معسكر بايدن يأمل بأن يذهب ترمب إلى السجن أو أن يتراجع عن الترشيح عبر صفقة ما. ربما أمل بعض أخصامه بأن يخسر بعض حقوقه المدنية فيتم منعه من الانخراط في الملف الانتخابي.
لكن الرأي العام الأميركي بشكل عام لا يحب أن يرى الشخصيات القومية العليا تمنع من ممارسة حقوقها، لا سيما الترشح والتصويت، سواء كان ذلك من اليسار أو من اليمين. والأهم أن المحكمة العليا رفضت مبدأ التجريد من الحقوق المدنية لأنه لا الكونغرس ولا المحاكم أثبتوا نية حاسمة للخيانة أو العمالة للعدو، فوفر ذلك نوعاً من الحماية القانونية.
فسر بعض المجتهدين ذلك بأن المحكمة العليا، بصرف النظر عن التركيبة السياسية الحالية، تضع الخطوط الحمر في ما يتعلق بتهديد الأمن القومي للبلاد ومستقبلها السياسي. وقد اتخذت قرارات مماثلة عام 2020 عندما طلب الرئيس ترمب في الأيام الأخيره لإدارته من المحكمة نفسها أن توقف الانتخابات وتعطيه حقاً بأن يجريها من جديد بسبب زعمه أن أخصامه زوروا النتائج. ورفضت المحكمة الطلب لأنها لم تر أدلة كافية لوجود تزوير، وغضب ترمب منها. وبعد أربع سنوات عندما رفعت ملفات عدة للمحكمة العليا من قبل الفريق اليساري لإيقاف ترمب رفضت المحكمة، معتبرة أن هذا أمر سياسي، وإن كانت هناك قضايا قانونية فإنه تجب العودة إليها بعد الانتخابات. أي أن هناك جواً أميركياً تاريخياً ومؤسسات لا تقبل أن يدخل مرشح أساس إلى السجن إبان الانتخابات بصرف النظر عن القضايا.
هذا يعني أن ترمب يواجه حملة قضائية قوية، ولكنه الآن يعتمد على اجتهاد المحكمة العليا التي ستحمي استمرار ترشيحه حتى وصوله إلى صناديق الاقتراع، ولكنها بالطبع لن تتدخل بالاختيارات.
بالمقابل، ماذا يجري في معسكر بايدن؟
بعد المناظرة الشهيرة التي كشفت للرأي العام الأميركي أن رئيسه غير قادر ذهنياً أو جسدياً في الأقل على الاضطلاع بمهام المنصب تفجرت أزمة داخلية في الحزب، فقد بدأ الصحافيون في الحزب الديمقراطي بانتقاده بشدة، والمعروف أن هؤلاء كانوا مساعدين سابقين لأوباما، ويشكلون جناحاً متشدداً يدعم فكرة ترشيح شخصية أخرى مكان بايدن لأنه سيسقط في الامتحان.
يعتقد المراقبون أن الجناح الذي يعارض استمرار بايدن يقوده الرئيس السابق باراك أوباما ومعه بعض اليساريين التقليديين، وهم بحسب المصادر تقدموا بخطة تقضي بأن يعلن الرئيس بايدن نفسه أنه لأسباب معينة لن يترشح ويقوم بإعلان “مرشحي أوباما”. وكتبت الصحافة الأميركية كثيراً أن من بين الأسماء المطروحة حاكم ولاية كاليفورنيا غافن نوسم، والسيدة الأولى السابقة ميشيل أوباما. وهذه الأسماء بالطبع لها ثقل كبير في المواجهة مع ترمب، فهي تمثل استمراراً لنفود أوباما من ناحية، ويعتبر حاكم ولاية كاليفورنيا صورة متألقة لليسار الليبرالي الكاليفورني.
لكن هناك بعض المشكلات، أولها أن من الممكن أن تعارض عائلة بايدن استبداله، لما في ذلك من مصالح تتعلق بالاتفاق النووي الإيراني ودعم أوكرانيا. وتخشى العائلة من أنه إذا نجح نوسم أو ميشيل فقد يقدما ضحية للرأي العام الأميركي هي ابن بايدن الذي تجري محاكمته حالياً. لذا فإن المعسكر الديمقراطي يواجه حرباً أهلية جزء منها علني، وآخر سري بين فريقي بايدن وأوباما.
هذا الأمر إذا لم يحسم بسرعة فقد يؤدي إلى حرب داخل الحزب الديمقراطي، مما يعطي فريق ترمب قوة إضافية. وآخرون يقولون إن الحرب داخل المعسكرين قد تؤدي إلى ضعف الطرفين. ترمب الذي يواجه القضايا العدلية من ناحية، وبايدن الذي يواجه شبه انقلاب قد يؤدي إلى فرص ربما تستفيد منها أطراف ثالثة.
إن هذا الصيف حامٍ بشكل عالٍ جداً على الصعيد السياسي، وكل يوم فيه يعتبر تقريباً بمثابة سنة من الأحداث، فإما أن يتفلت ترمب من القضايا العدلية ويصل إلى بداية نوفمبر سالماً ويقود المعركة وقد يحسمها. أو ستحسم الجبهة الأوبامية معركتها مع بايدن وتعين مرشحها، وسيكون أمامهم وقت كاف ليديروا المواجهة ضد ترمب.
في المرحلة الحالية لا مقياس قادراً على الاستنباط، ولن يبقى لنا الآن وحتى انتهاء مؤتمرات الحزبين إلا مراقبة الأحداث ومحاولات رصد التطورات ومواكبتها.