أمريكا

ترمب وهانتر بايدن لن يذهبا إلى السجن إذا أدانتهما المحكمة

بغض النظر عن قرار المحكمة العليا فيما خصّ الحصانة الرئاسية، العامل الأهم في حالة الرجلين هو عدم وجود سجل جنائي لهما

قرار المحكمة العليا الأميركية الذي صدر أخيراً ونص على أن الرؤساء يحظون بالحصانة من الملاحقة الجنائية عن سلوكياتهم المرتبطة بصفتهم الرسمية، سيلقي بثقله على محاكمة الرئيس السابق دونالد ترمب على خلفية أحداث 6 يناير.

لكنه لن ينفعه كثيراً في ما خصّ إدانته في محكمة في مانهاتن، لأن القضية التي أُدين بها والمتعلقة بدفع رشاوى للإسكات، ترتبط بتصرفات لا شأن لها بمنصبه الرئاسي. مع ذلك، أجّل القاضي خوان ميرشان النطق بالحكم حتى 18 سبتمبر لمنح ترمب ما يكفي من الوقت، لتحضير دفاعه.

لكن عندما يحين موعد النطق بالحكم، ما النهج الذي سيتبعه ميرشان؟ وبالحديث عن ذلك، ما الحكم الذي سيصدر بحق هانتر بايدن، نجل الرئيس الحالي، على خلفية إدانته بقضية أخرى؟

المحازبون على الجهتين الذين يتمنّون أن يُسجن أي من الرجلين، سيصابون بخيبة أمل على الأرجح، أمّا السبب فلا علاقة له بالمحكمة العليا، ولا بانتخابات نوفمبر.

الإدانة الأولى

ببساطة، هذه الإدانة الأولى للرجلين، وهما يواجهان تهماً غير عنفية. فعلى الرغم من أن ترمب يحظى حالياً بحماية جزئية ولو لم يتبيّن مداها بعد بموجب قرار المحكمة العليا الذي منح الرؤساء نوعاً من الحصانة في المساءلة الجنائية، إلا أنه كان مستبعداً أصلاً أن يحكم عليه ميرشان بالسجن حتى قبل قرار المحكمة العليا.

يقول قضاة كثر إن إصدار الحكم هو الجزء الأصعب من عملهم، فتقرير العقوبة المناسبة أقرب لأن يكون من قبيل الفن من أن يستند إلى العلم. ونظراً لخلو سجلّي الرجلين الجنائي من الإدانات، سيصدمني أن يُحكم على أي من ترمب أو نجل بايدن بالسجن هذه المرة.

لكن كليهما يواجه محاكمة جنائية أخرى، وفي حالة ترمب ثلاث محاكمات. وإذا أُدينا في تلك القضايا، لن يستطيع الرئيس السابق أو نجل الرئيس الحالي الاستناد إلى عدم وجود سجل جنائي لهما لطلب تخفيف الحكم.

يُطلب من القضاة عادة اتباع ما يُعرف بـ”مبدأ الكبح” بموجب النظام الأساسي الفيدرالي لإصدار الأحكام، بحيث يتعين أن تصدر المحكمة الحكم “الكافي على ألا يتجاوز ما هو ضروري” لتحقيق الغاية منه، بما يشمل السلامة العامة والردع وإعادة التأهيل والعقاب العادل والمساواة بين المدانين والحاجة إلى تعزيز احترام القانون، من بين عدة أمور أخرى. وعلى المحكمة أن تنظر أيضاً إلى طبيعة الجريمة وشخصية المرتكب.

تقاليد قضائية تخفف الأحكام

تحدد التشريعات التي أُدين بموجبها كل من دونالد ترمب وهاتنر بايدن الحد الأقصى للحكم الذي يمكن إصداره بحقهما. فقد أُدين ترمب بـ34 تهمة تزوير سجلات تجارية، وهي جناية من الفئة الخامسة، يعاقب على كل منها بالسجن لأربع سنوات بالحد الأقصى، فيصبح مجموع الحكم 136 سنة.

أمّا بايدن الابن، فأدين بتهمتي كذب عند إعداد طلبات لاقتناء أسلحة، وهي تهمة يعاقب عليها بالسجن 10 سنوات بالحد الأقصى، وتهمة امتلاك سلاح فيما هو مدمن على المخدرات، وتصل عقوبتها إلى السجن خمس سنوات بالحد الأقصى، ما إجماله 25 سنة. ولكن نظراً إلى التقاليد المتبعة في إصدار الأحكام، لن يمضي لا ترمب ولا بايدن أي مدة تصل إلى هذا الحد خلف القضبان.

السبب الأول هو تعدد التهم، فغالباً ما يحكم القضاة بأن تكون فترات السجن عن التهم المتعددة متزامنة. بالتالي، عند إصدار الحكم بحق ترمب في نهاية الصيف، لن يواجه الرئيس السابق على الأرجح  إلا 4 سنوات خلف القضبان، لا 136 سنة. مع ذلك، فإن إدانة ترمب بـ34 تهمة بدل تهمة واحدة قد يؤثّر على قرار القاضي. إلى ذلك، فإن امتناع ترمب عن التعبير عن الندم وانتهاكه المتكرر لأمر الصمت الصادر عن المحكمة قد يتسبب بإصدار حكم مشدّد أكثر بحقه.

سيستشهد المحامون من الطرفين بقضايا مشابهة أيضاً. فقد أحصى نورم إيسن، المحامي المتخصص بالأخلاقيات في البيت الأبيض سابقاً في كتابه “محاكمة ترمب” (Trying Trump)، 457 دعوى اتُّهم فيها أشخاص في نيويورك بتزوير سجلات تجارية منذ 2020، وفي 55 من تلك القضايا، حُكم على المتهمين بالسجن، وكان ثلاثة منهم قد أُدينوا بتهم تتعلق بانتهاكات في تمويل الحملات الانتخابية.

خطر الإدانة الثانية

في حالة بايدن الابن الذي أدانته محكمة فيدرالية، فإن إرشادات إصدار الأحكام في الولايات المتحدة تقترح على المحكمة مجموعة من العقوبات غير الملزمة استناداً إلى بيانات من قضايا سابقة. فانطلاقاً من طبيعة التهمة والتاريخ الجنائي لبايدن الابن، يجب أن يتراوح الحكم بين 15 و21 شهراً خلف القضبان وفق الإرشادات. ولكن حين تصدر القاضية حكمها المتوقع في أكتوبر، يمكنها أن تخالف تلك الإرشادات وتحدّد عقوبة أخف من الموصى به إذا ما وجدت أن سلوكه كان “انحرافاً ملحوظاً في سياق حياته التي يحترم فيها القانون بشكل عام”.

بغض النظر عن قرار المحكمة العليا فيما خصّ الحصانة الرئاسية، العامل الأهم في حالة الرجلين هو عدم وجود سجل جنائي لهما. فيمكن للقضاة أن يحكموا عليهما بالخضوع للمراقبة، أي أنهما لن يقضيا أي مدة خلف القضبان طالما يلتزمان ببعض الشروط، مثل عدم الاختلاط مع مجرمين مدانين أو الخضوع لإعادة التأهيل من المخدرات إن لزم الأمر.

إلا أن عدم وجود سجل جنائي حجة يستفيد منها المتهم مرة واحدة. فبعد الإدانة الأولى، لا يُعد بإمكانه إذا ما واجه قضية أخرى أن يدّعي بأن جريمته كانت مجرد سلوك استثنائي لمواطن شريف.

يواجه ترمب دعاوى أمام محكمة اتحادية في العاصمة واشنطن وفي مقاطعة فولتن في جورجيا على خلفية مساعيه للتدخل في الانتخابات الرئاسية عام 2020، ولكن لم يُحدد موعد تلك المحاكمات بعد. كما يواجه تهماً اتحادية في فلوريدا تتعلق باحتفاظه بشكل غير مشروع بمستندات حساسة تتضمّن معلومات عن الدفاع الوطني. وفي حين يساعد قرار المحكمة العليا في تأجيل النظر ببعض القضايا، وقد يسهم في التخفيف من بعض التهم، إلا أنه لن يشطبها.

حجة صالحة لمرّة واحدة

إذا ما انتُخب ترمب رئيساً في نوفمبر، قد يتمكّن من عرقلة التهم الاتحادية، ولكن ليس القضية المرفوعة ضده في جورجيا. فقد تستمر هذه الدعوى على الأرجح بعد إجراء مزيد من تقصي الحقائق لتبيان إذا كانت الاتصالات التي أجراها بمسؤولين انتخابيين في جورجيا لحثّهم على العثور على 11780 صوتاً انتخابياً إضافياً يمكن اعتبارها من ضمن صلاحبات المنصب.

حتى لو تأجلت المحاكمة إلى ما بعد انتهاء ولاية ترمب الرئاسية الثانية، فإذا ما أُدين في 2029، قد يواجه مدة سجن طويلة. إذ تصل عقوبة السجن بموجب قانون ولاية جورجيا في حال إدانته إلى 20 سنة بالحد الأقصى فيما لا توجد في جورجيا إرشادات لإصدار الأحكام.

من جهته، يواجه هانتر بايدن محاكمة في سبتمبر بتهم تتعلق بالضرائب الاتحادية. ويمكن أن تودي به الإدانة إلى السجن. وفيما إرشادات إصدار الأحكام تحدد العقوبة بين 37 و46 شهراً، وهي مدة أقل بكثير من الحد الأقصى القانوني البالغ 17 سنة، يُستبعد بشدة أن يُحكم عليه بالخضوع للمراقبة فقط في حال الإدانة الثانية.

قد ينجح كل من دونالد ترمب وهانتر بايدن في تجنب السجن هذه المرة، لكن المتهمين، حتى لو كانوا رؤساء سابقين، لا يستفيدون من حجة الإدانة الأولى إلا مرة واحدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى