منذ إدانة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب هذا الأسبوع والنقاشات الدستورية تُثار في الولايات المتحدة حول إمكانية أن يحكم المرشح الجمهوري بلاده من السجن، في حال فوزه بالانتخابات الرئاسية المقبلة.
وبالنسبة إلى الخبراء الدستوريين الأميركيين، لم يعُد نقاش هذه المسألة تمريناً قانونياً أو افتراضاً شاذاً في ضوء احتمال سجن ترمب، خصوصاً أن الدستور لا يمنع المتهمين بجرائم جنائية أو المدانين بها من الترشح للرئاسة.
وشروط الترشح للرئاسة تقتصر على أن يكون المرشح مولوداً في الولايات المتحدة وألا يقل عمره عن 35 سنة ويقيم في أميركا لمدة 14 عاماً.
وستكون حسابات ترمب الانتخابية معقدة، فمن جانب يمكنه الترشح، لكن مساعيه لجذب الناخبين قد تتأثر في حال دخوله السجن لأنه سيصبح غير قادر على مواصلة تجمعاته الانتخابية والإسقاط من خلالها على منافسه الرئيس جو بايدن.
وفي حال غيابه الإعلامي، من المحتمل أن يكتنف الغموض أجندة رئاسته على صعيد السياسات الداخلية والخارجية، خصوصاً أن ترمب يتجنب خلال الفترة الأخيرة الردود المباشرة والصريحة حول موقفه من قضايا مثل الإجهاض، وأدلى كذلك بتصريحات متضاربة حول الحرب في غزة وشكل سياسته المقبلة تجاه حكومة بنيامين نتنياهو.
وفي هذا التقرير نستعرض أبرز التساؤلات التي أثارتها إدانة ترمب، ما احتمال حبسه وما هي شروط الترشح للانتخابات الرئاسية، ومتى يتم النطق بالحكم ومن هو القاضي، وما البروتوكولات التي يمكن أن تتبع في حال إيداعه السجن؟.
متى النطق بالحكم؟
قررت هيئة المحلفين الأسبوع الماضي إدانة ترمب بـ34 تهمة جنائية متعلقة بتزوير سجلات تجارية للتغطية على علاقة جنسية يتهم بأنه كان طرفاً فيها قبيل الانتخابات الرئاسية لعام 2016.
وتعتبر هذه التهم جنايات من الدرجة “إي” في نيويورك، وهي أدنى مستوى من التهم الجنائية في الولاية وتصل عقوبة كل منها إلى 4 سنوات كحد أقصى.
وعلى رغم أن رأي المحلفين يجعل ترمب أول رئيس يدان جنائياً، إلا أن القرار الحاسم سيكون بيد القاضي خوان ميرشان الذي من المقرر أن ينطق بالحكم في الـ 11 من يوليو (تموز) المقبل.
ويملك ميرشان الذي يحمل مطرقة القضاء منذ 17 عاماً سلطة تقديرية بالحكم على ترمب بعقوبة السجن أو الاكتفاء بالغرامة. والمتابع لتصريحات ترمب يعرف أنه متوجس من هذا القاضي الذي يصفه بأنه “كاره رسمي” له، في حين يصفه أخرون بأنه “صارم وجاد وعادل” في آن.
ومن غير المستبعد أن يحكم القاضي بعقوبات مخففة، نظراً إلى عمر ترمب وخلو سجله من أي إدانات سابقة. وتتمثل هذه العقوبات في دفع غرامة والخضوع لنوع من أنواع الرقابة وربما تقديم تقارير منتظمة إلى إدارة المراقبة في الولاية. وبموجب هذه العقوبة، يمكن أن يُسجن على الفور لارتكابه أي جرائم أخرى، وفق مجلة “تايم”.
ويعود تاريخ هذا القاضي مع ترمب لعام 2022 عندما تولى محاكمة الاحتيال الضريبي التي أدت إلى إدانة المدير المالي لمنظمة ترمب ألين فايسلبرغ، وسينظر ميرشان كذلك في قضية الاحتيال وغسل الأموال المرفوعة ضد حليف ترمب ستيف بانون في محاكمة ستبدأ في سبتمبر (أيلول) المقبل.
وبدأ القاضي ميرشان مسيرته القانونية عام 1994 بعد تخرجه في كلية القانون بجامعة هوفسترا، وعمل كمدّعٍ عام أولاً في مكتب المدعي العام لمقاطعة نيويورك، ثم كمساعد المدعي العام في كل من مقاطعتي ناسو وسوفولك. وفي 2006، عُيّن في محكمة الأسرة حتى عام 2009، عندما بدأ ترؤس المسائل الجنائية في المحكمة العليا لمقاطعة نيويورك.
وتصف التقارير بأنه صاحب طبيعة متحفظة وهادئة ومع ذلك فإن قراراته لم تمر مرور الكرام لدى الرئيس السابق الذي عارض أمر منعه من النشر أو التحدث عن الشهود والمحلفين وغيرهم من المشاركين في القضية، وفرض القاضي غرامة قدرها 1000 دولار على ترمب بسبب 10 انتهاكات مزعومة.
وأقر القاضي بأن تأثير الغرامات محدود نظراً إلى ثروة ترمب، لكنه حذر من أنه سيفكر بسجن المتهم لارتكابه مزيداً من المخالفات “كحل أخير”، وخاطب ترمب في المحكمة، قائلاً له “من المهم أن تفهم أن آخر شيء أريد القيام به هو حبسك… أنت الرئيس السابق للولايات المتحدة وربما الرئيس المقبل أيضاً”.
ماذا لو كانت العقوبة الحبس؟
وإذا عاقبه القاضي بالحبس لمدة تقل عن عام، فمن المحتمل نقله إلى سجن جزيرة ريكرز في نيويورك، حيث يقضي فايسلبيرغ حالياً عقوبته بتهمة جرائم تتعلق بعمله لمصلحة الرئيس السابق، وعادة ما تنفّذ الأحكام التي تتجاوز العام في أحد سجون ولاية نيويورك البالغ عددها 44.
من المؤكد أن ترتيبات كثيرة ستؤخذ بالحسبان في حال حبس ترمب، ويمكن أن نحصل على لمحة عن هذه الاعتبارات من خلال العودة لبروتوكولات تسليم ترمب نفسه في مقاطعة فولتون بولاية جورجيا، وترتيبات حضوره المحاكمة في نيويورك التي واكبها استنفار أمني كثيف.
في سجن جورجيا أمضى ترمب نحو 20 دقيقة فقط لالتقاط الصورة الجنائية وأخذ بصماته قبل إطلاق سراحه بكفالة بقيمة 200 ألف دولار. وهذه التجربة عموماً مختلفة عما يمر به المدانون والمتهمون الآخرون في قضايا جنائية الذين يقبعون في السجن نفسه لأسابيع أو أشهر أو حتى سنوات في انتظار المحاكمة.
ولا يمانع ترمب قضاء عقوبة السجن في حال صدر حكم قضائي بها وفق مقابلته مع شبكة “فوكس نيوز”، لكنه حذر من غضب أنصاره، وقال “أعتقد بأنه سيكون من الصعب على العامة أن يتقبلوا الأمر”.
وإذا حكم القاضي بسجن ترمب، فمن المحتمل أن يأمر سلطات الولاية بضمان ترتيبات حمايته والعمل مع جهاز الخدمة السرية لتأمين مكان مناسب له ولحراسه الشخصيين.
هل يمكنه الحكم من السجن؟
يرجح كبير مراسلي الشؤون القانونية في مجلة “بوليتيكو” الكاتب جوش غيرستين أن يؤدي حكم حبس ترمب في حال إعادة انتخابه إلى تصادم غير مسبوق بين المصالح الدستورية، ما بين مصلحة ولاية نيويورك في إنفاذ قوانينها ومطالبة المجرمين المدانين بقضاء عقوباتهم بصورة كاملة وسريعة وبين مصلحة البلاد في أن يتمكن الرئيس المنتخب من أداء واجباته.
وقال المدعي الفيدرالي السابق راندال إلياسون “لا أستطيع أن أتخيل بأي شكل من الأشكال أن نيويورك ستسمح لها بسجنه إذا تم انتخابه”، مضيفاً أنه “عندما يكون هناك صراع، فإن القانون الفيدرالي هو الذي يفوز أو يسود، ولا يمكنك السماح للدولة بالتدخل في بعض الوظائف الفيدرالية فائقة الأهمية”.
وإذا حاولت محاكم نيويورك تنفيذ قوانين الولاية، فمن المرجح أن تتدخل المحاكم الفيدرالية وتحكم بتعليق العقوبة طوال مدة الرئاسة، مما يعني مغادرة ترمب البيت الأبيض عام 2029 وإحالته إلى السجن.
ويرى غيرستين أن عقوبة السجن ستقود إلى مشكلات لوجستية إذا فاز ترمب بالانتخابات في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل في ما يتعلق بقيام الرئيس بمسؤولياته من إدارة اجتماعات مجلس الوزراء وتلقي الإحاطات الاستخباراتية، إلى الاجتماع مع زعماء العالم، إذ إن هذه الأمور غير ممكنة داخل خلية سجن.
وحتى العقوبات المخففة يمكن أن تتعارض مع واجبات المنصب، فعلى سبيل المثال غالباً ما تكون لدى الأشخاص الخاضعين للمراقبة قواعد صارمة في شأن قدرتهم على السفر.
ماذا تقول المحكمة العليا؟
على رغم أن الدستور لا يتضمن نصاً صريحاً يعفي الرئيس من عواقب الملاحقة الجنائية، إلا أن المحكمة العليا أكدت مراراً أن الرئاسة تتمتع بحماية خاصة من أنواع مختلفة من تدخل النظام القضائي.
وكتبت المحكمة العليا في قضية عام 1982 التي رفضت دعوى مدنية ضد الرئيس الراحل ريتشارد نيكسون أن “الرئيس يحتل موقعاً فريداً في المخطط الدستوري”.
وتوقع علماء القانون أن تُمنع نيويورك من وضع ترمب في السجن أثناء رئاسته، نظراً إلى أن الدستور ينص على أن القانون الفيدرالي له السيادة على حقوق الولايات في إنفاذ قوانينها في معظم المجالات.
ويرى أستاذ القانون في جامعة فيرجينيا سايكريشنا براكاش أنه “من الممكن أن يلجأ (ترمب) إلى المحكمة الفيدرالية ويطلب إصدار أمر قضائي ضد إجراءات محكمة الولاية”، وهكذا سيتعين على المحكمة أن تقرر ما إذا كانت الولاية تستطيع تنفيذ حكم محكمة الولاية بسجن الرئيس.
هل يستطيع العفو عن نفسه؟
لن يتمكن ترمب من العفو عن نفسه في هذه التهم إذا أعيد انتخابه رئيساً لأن تزوير السجلات التجارية جريمة يحاسب عليها على مستوى الولاية ولا يمكن أن يعفو عنه أحد إلا حاكمة نيويورك الديمقراطية وذلك مستبعد، وحتى في ما يخص العفو عن نفسه في القضايا الفيدرالية، فإن ذلك مسألة خلافية في القانون الأميركي.
وينص الدستور على أن الرئيس يتمتع بسلطة منح العفو عن الجرائم المرتكبة ضد الولايات المتحدة، باستثناء حالات العزل. وصحيح أن هذا النص لا يستبعد صراحة إمكان العفو عن النفس، لكن العفو الذاتي من شأنه أن يتعارض مع مبدأ قانوني أساسي في الولايات المتحدة، لا يجوز لأحد أن يكون قاضياً في قضيته.
ومع ذلك، فهناك ثغرات يمكن أن تستغل إذا أعلن الرئيس، بموجب التعديل الـ25، أنه غير قادر موقتاً على أداء واجبات منصبه، فسيصبح نائب الرئيس قائماً بأعمال الرئيس، وبذلك يمكنه العفو عن الرئيس، ومن ثم يمكن للرئيس إما الاستقالة أو استئناف مهمات منصبه.
اندبندنت عربية