أمريكا

ترامب – هاريس..مناظرة التوك شو!

ستشهد هذه الانتخابات في الولايات المتحدة استقطابًا حادًا ومفاجآت قد تكون من طراز خطير وغير متوقع، بالقياس إلى كل الخروقات التي قام بها ترامب أثناء ولايته الأولى، كما سيشهد الشعب الأمريكي اختبارًا عسيرًا في تمحيص هويته الديمقراطية!.

من تابع المناظرة الانتخابية الأولى، بين كل من الرئيس السابق والمرشح لرئاسة أمريكا 2024 عن الحزب الجمهوري دونالد ترامب، ونائبة الرئيس الأمريكي، الديمقراطية كمالا هاريس، لا تكاد تغيب عنه سمة هي في تقديرنا من أبرز السمات الخادعة للحياة الرقمية السائلة، أي تلك الصفة التي تدل في صميمها على إرادة لهوية في التسطيح بدت كأهم السمات المصاحبة لعصر السوشيال ميديا، وبالتالي يمكن القول إن ذلك التسطيح الذي يرهن التركيز على ظواهر الأمور وهوامشها، وينشغل بقشور الأشياء فيما يغفل عن لبها؛ سيراكم عادات بالغة السوء في طرائق وعي الأمور، وسيمر وقت حتى تصبح هذه الطرائق بذاتها أساسًا لترسيخ قواعد اللعبة.

ذلك حين يقتصر إدراك المتناظرين على جوانب استعراضية لمحتوى مسطح، مع حرص واضح في التركيز على الأمور الشخصية بحثًا عن إثارة لحصد الإعجاب اللحظي من الجماهير، وانهماكًا فيما هو ذاتي وخاص -تماما كما يفعل نجوم الكوميديا- في الوقت الذي يغفل المرشحان عن تبيين موضوعات وبرامج شأن عام سياسي خطير (كشأن رئاسة أعظم دولة في العالم) يتوجب عند ذلك؛ تبيين فداحة الأمر وخطورته؛ فالأمر هنا لا يتصل بمزاج مواكبة موجة السرعة في عصر السوشيال ميديا – كما قد يبرر البعض – بل يؤشر على ملامح انحدار متسارع لقيم الجدية والرصانة وما يتصل بها من معاني والتزامات، وتشويش في نظم إدراك ضرورية لمسؤولية القيام بالحدود الدنيا من المهام التي لا مفر من وجوبها بحسب ما تقتضيه قوانين الأسباب!

وسيكون من الواضح كذلك، إن التعبير في ذلك الانهماك المسطح خلال المناظرة لا يخلو عندئذ أن يكون قرينًا لكل ما هو خال من البصمة الشخصية ولمسة الإبداع الخاصة في كل من المتناظرين، على نحو يكشف بوضوح؛ الأثرَ الخطير لذلك الانحدار بمرور الزمن.

لقد كان حرص المتناظرين الواضح في النيل من بعضهما على نحو تجريحي، أكبر بكثير من قدرة كل منهما على شرح عميق لمحتوى برنامجه السياسي المحدد ووفق وضوح بحد أدنى يدفع الجمهور للاصطفاف الانتخابي لجانبه بحسب البرنامج في المناظرة.

هكذا لم يكن مفاجئًا لأعضاء قمة مجموعة الثمانية الكبار إثر أول لقاء مهم بالرئيس الأمريكي المنتخب لتوه آنذاك العام 2016 دونالد ترامب أن يطلب من قادة مجموعة الثمانية تلخيصًا لأوراق الاجتماع عوضًا عن قراءتها كلها مفصلة، نظرًا لعدم صبره على قراءة الأوراق المطولة التي تقتضيها طبيعة الأمور في مثل ذلك الاجتماع.

ووسط دهشة الجميع تم تلخيص تلك الأوراق في صفحات موجزة ليطلع عليها سيد البيت الأبيض الجديد على عجل!

إقرأ أيضا  : تركيا في “بريكس”: موسم الهجرة إلى جنوب

عندها، كم بدا متناسبًا لإمبراطور العقارات ذاك (دونالد ترامب) الداخل إلى حقل السياسية من خلفية عالم المال والأعمال؛ أن يجرجر عاداته الكسولة إلى عالم السياسة الخطير دون التأمل في مفارقة الاختلاف!

هكذا، كما لم تكن تلك البداية الرئاسية الغريبة للرئيس الأمريكي السابق والمرشح الحالي لانتخابات الرئاسة الأمريكية دونالد ترامب في أول لقاء له مع رؤساء مجموعة الثمانية الكبار بداية ولايته، لم تكن مفاجئةً كذلك؛ تلك الحادثة الخطيرة في أواخر عهد ولايته حين أوعز لأتباعه بمهاجمة مبنى الكابيتول فيما سمي بأحداث 6 يناير 2020 احتجاجًا على النتائج الديمقراطية لانتخابات العام 2020 في سابقة خطيرة من نوعها.

ولقد صاحبت ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب تغييرات غير مسبوقة في نسبة قضاة المحكمة العليا التي كانت عنوانًا لميزان قيم العدالة في اتجاهات المجتمع الأمريكي وممثليه بين المحافظة والانفتاح في شخوص قضاتها من قبل، لكن ترامب عمل على تسييس تلك المحكمة عبر تعيينه لقضاة محافظين بنسبة أكثر، وهو ما تجلى واضحًا بعد ذلك حين أحالت المحكمة ما رفع إليها من تهم خطيرة للقضاء ضد لترامب فأحالتها إلى محكمة طرفية في إشارة كاشفة لتواطؤها مع الأخير.

كما لم يكن غريبًا اليوم أن يتوعد ترامب في تصريحات أطلقها مؤخرًا خلال حملته الانتخابية متوعدًا بحمام دم في أمريكا إذا لم يفز هو في انتخابات نوفمبر المقبل؟!

ستشهد هذه الانتخابات في الولايات المتحدة استقطابًا حادًا ومفاجآت قد تكون من طراز خطير وغير متوقع، بالقياس إلى كل الخروقات التي قام بها ترامب أثناء ولايته الأولى، كما سيشهد الشعب الأمريكي اختبارًا عسيرًا في تمحيص هويته الديمقراطية!.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى