أمريكا

ترامب عرف من أين تؤكل الكتف

لقد درس ترامب الشارع الأميركي جيدا، وعرف أيّ طريق سوف يسلكه خلال الشهور التسعة القادمة التي تسبق صندوق الانتخابات، وكأن هنالك إشارة متفقا عليها بينه وبين نتنياهو، هي كسب اللوبي الصهيوني وفي نفس الوقت كسب أصوات الشباب الذين يهددون بمقاطعة بايدن وانتخاب ترامب بكل علاته.

دائما وأبدا فلسفة الانتخابات هي معركة من أجل الزعامة وبلوغ الكرسي. لا توجد انتخابات بلون آخر، أو مختلفة عن غيرها. الهدف واحد، والمغاير هو دفعة الانتماء الزائدة من بلد إلى أخر، حتى في الغرب.

تصريحات دونالد ترامب الأخيرة التي طالب فيها إسرائيل بضرورة وقف الحرب على غزة فوراً، أثارت جدلا واسع النطاق في العالم. هذا التصريح يحتاج إلى التأمل والتفكير بعمق، حيث بدا وكأن هناك تناقضا في مواقفه بين الأمس واليوم، هذا للتذكير والبناء عليه.

لقد قلب ترامب الطاولة رأساً على عقب في فترة حكمه، بنقله سفارة بلاده إلى القدس، وبعدها بشهور قليلة اعترف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، وقزّم القضية الفلسطينية إلى أبعد حد، وخرج بمبادرة تنهي صراعا طويلا بين إسرائيل والفلسطينيين، وكانت تلك المبادرة، والتي رفضت من جميع الفلسطينيين أسوأ مبادرة طرحت لحل القضية الفلسطينية على الإطلاق.

تهور ترامب كثيرا عندما وضع القضية الفلسطينية في الحضيض، غير عابئ بردة الفعل العربية والإسلامية على حد سواء، ولا حتى أصدقاء الشعب الفلسطيني في أنحاء المعمورة. غادر ترامب البيت الأبيض بعدما هزمه الديمقراطي جو بايدن، ولكن آثار زلزاله ما زال صداها موجوداً.

اليوم الوضع مختلف، ترامب يخاطب الشباب المتعطش لهزيمة بايدن، الذي قدّم لإسرائيل دعما غير محدود في حربها على غزة، وقد عرف ترامب من أين تأكل الكتف.

شخصية ترامب غامضة في هذا الجانب بالتحديد، وجوانب أخرى كانت مكشوفة. ولا أحد يستطيع أن يجزم ما هو المراد من تصريحه الأخير الذي خاطب فيه بنيامين نتنياهو بضرورة إيقاف الحرب. لقد كان الأولى به، حتى يكون عادلا، أن يلوّح بإلغاء اعترافه بإسرائيلية الجولان، وأن يتراجع عن نقل سفارة بلاده إلى القدس. هكذا تبدو صورة حسن النية.

لقد درس ترامب الشارع الأميركي جيدا، وعرف أيّ طريق سوف يسلكه خلال الشهور التسعة القادمة التي تسبق صندوق الانتخابات، وكأن هنالك إشارة متفقا عليها بينه وبين نتنياهو، هي كسب اللوبي الصهيوني وفي نفس الوقت كسب أصوات الشباب الذين يهددون بمقاطعة بايدن وانتخاب ترامب بكل علاته.

كل شيء يشير إلى أن بايدن لم يضع قدميه على الطريق حتى هذه اللحظة، في الوقت الذي بدأ منافسه دعايته الانتخابية. بمعنى آخر الرئيس الأميركي الحالي بايدن يريد كل شيء، وفي المقابل لا يقدّم شيئا يكفل فوزه في الانتخابات القادمة. لقد هزأ بايدن بمن يقولون عنه فاقد الذاكرة، وكأنه يخاطب الشعب الأميركي أنني ما زلت بكامل قواي العقلية. المشهد مختلف اليوم لكليهما، أي ترامب وبايدن، فهما لم يعودا محط أنظار الشارع الأميركي، المؤطر وغير المؤطر، حيث طغت حرب غزة على مجريات الانتخابات القادمة. ليس هنالك فرصة أمام بايدن كي يعيد التوازن، وهو في حاجة إلى عصا سحرية تنقذه من وحل غزة. في تقديري الكرة في ملعبه اليوم، ولكن تحقيق ما يريده لحسم المعركة الانتخابية القادمة صعب في ظل المعطيات على الأرض.

هنالك ملفات أيضا ما زالت عالقة منذ أن تولى بايدن رئاسة الولايات المتحدة، وهي العلاقات مع الصين والملف الأوكراني – الروسي الذي قال عنه ترامب “لو كنت موجودا كرئيس للولايات المتحدة لما حدثت الحرب الأوكرانية – الروسية”. أضف إلى ذلك الملف النووي الإيراني، الذي لم يحركه بايدن منذ استلامه الحكم حتى هذه اللحظة. باختصار بايدن لم يقدم أيّ إنجاز يحسب له، بل على العكس تورط في أوكرانيا وغزة.. هذه هي ملامح سياسته وهي لا تبشر بخير، ولن تؤدي لوصوله إلى البيت الأبيض مرة ثانية.

ليست هناك استطلاعات للرأي نتحسس من خلالها من سيفوز في الانتخابات الأميركية القادمة، فهذا سابق لأوانه. لكن يبدو أن الشارع الأميركي اليوم أكثر حرصا على سمعة بلاده في العالم. لا أقول إن هناك قفزة نوعيه في تفكير الأميركي وتوجيه بوصلة بلاده نحو قبولها كدولة محايدة، ولكن ثمة بداية ربما هي الشرارة التي سوف تؤدي في نهاية المطاف للعودة إلى الإرث القديم المتمثل في مبادئ  مونرو، وهي عدم تدخل الولايات المتحدة في الشؤون الداخلية للقوى الأوروبية، أو في أيّ حروب تنشب بينها.

تحقيق هذا المبادئ يحتاج إلى إصرار قوي وعزيمة صادقة، وتبقى حرب غزة هي من حرّك توجه الشباب الأميركيين، والانتخابات الأميركية القادمة هي البرهان.

فتحي أحمد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى