مع بدء العد التنازلي لانتخاب مكتب تنفيذي جديد لاتحاد كرة القدم في تونس بداية مارس المقبل إيذانا بانتهاء حقبة وديع الجريء وحاشيته، يسود تفاؤل بأن الوقت قد حان لاتخاذ قرارات جريئة وجذرية وسريعة وفعالة لحل المشكلات المتراكمة في كواليس هذه الرياضة خصوصا، وباقي الرياضات عموما، والتي أقل ما يقال عنها أنها ميّتة إكلينيكيا.
لن يكون المكتب القادم الذي تتسابق ثلاث قائمات للظفر به وحده من عليه القيام بالإصلاح، وهو شعار لطالما كان سائدا في هكذا مناسبات، فوزارة الرياضة بحد ذاتها تتحمل جزءا من المسؤولية في إنهاء حالة الفوضى بدءا من التسيير والأوضاع المالية للألعاب الجماعية والفردية والأهم هو إعداد رؤية جديدة تتعلق بتحويل الأندية إلى شركات خاصة حتى تتمكن من تمويل نفسها والمساعدة في تطوير البنية التحتية، التي أصبحت مثالا للتخلف، الذي يعيد إلى الأذهان ما كانت عليه دول في قارة أفريقيا قبل عقدين فقط من الآن.
إعادة هيكلة الرياضة وفتح نقاش جاد وشامل ودون أقنعة بين كافة الأطراف الرياضية والاجتماعية والمدنية وحتى السياسية إن لزم الأمر لتشخيص أزمات الرياضة العميقة وخاصة كرة القدم، صارا أمرا أكثر إلحاحا لوضع حلول مناسبة للخروج من هذه الرداءة التي لا تسيء فقط للرياضيين، بل تتجاوز ذلك لتمس من سمعة تونس كبلد كان في وقت ما في مراتب متقدمة عربيا وإقليميا وأفريقيّا.
إن التخبط والارتباك اللذين سادا أركان اتحاد كرة القدم منذ سنوات طويلة بسبب تحكم أخطبوط من الشخصيات “المنبوذة” في الوسط الرياضي، وعجزه عن تقديم ما يُقنع من عمل احترافي ينهض باللعبة ويطورها يجعل الكثيرين يطالبون بوضع حد للمهازل التي يمر بها القطاع المتعطش لمسار تصحيحي يرتقي به دون إغفال مبدأ المساواة في توزيع الأعباء قبل كعكة المكاسب.
من البديهي القول إن الرياضة مبنية على القيم السامية والتضحية من أجل مجتمعات إنسانية مثالية، فالرياضة في الأساس أخلاق أو لا تكون، حيث أن تحقيق تلك الأهداف يتطلب أرضية صلبة ومناخا نظيفا، وهو ما نفتقده بالفعل في تونس ويجعلنا نتأكد أن أمامنا سنوات حتى نستعيد التوازن. ولكن أيضا الرياضة تحولت فعليا إلى عالم من المال والأعمال الذي يجر معه التجارة والسياحة، وهو ما لم يعه المسؤولون على ما يبدو.
تتنامى الحاجة في تونس اليوم إلى تنمية القطاع الرياضي، الذي يمرّ بصعوبات تمويلية لا حصر لها جعلته يغرق في الأزمات بسبب النظرة الضيقة للمسؤولين، وتراخي الدولة في تطوير الفرص في هذا المجال. ورغم محاولات التغيير، التي لا نرى لها أثرا ملموسا لتعزيز دوره، فإن الدولة لا تزال تنظر إلى الرياضة بعقلية تقليدية عكس ما نراه في دول الخليج أو حتى المغرب.
لحد اليوم، هناك ميزانية تصرفها الدولة للأندية سنويا من أجل النهوض بالرياضة، رغم أنها باتت أقلّ عمّا كانت عليه في السابق، ومع ذلك لم يتغيّر أيّ شيء منذ سنوات، بل على العكس فإن الأندية تزداد يوما بعد يوم غرقا في الديون وكثرة المصاريف، بدليل العديد من المخالفات والتنبيهات التي تتلقاها الأندية بسبب عدم تمكنها من إتمام التزاماتها المالية حتى وصل الأمر إلى تفجر الانتقادات من اللاعبين على الشبكات الاجتماعية.
وفي بلد يشهد تعثرا في كل شيء تقريبا، يشتد الخناق كذلك على أغلب الاتحادات الرياضية الأخرى نتيجة تقلّص مواردها المالية أو ربما انعدامها أحيانا. ورغم محاولات المرصد الوطني للرياضة، الذي يضم في عضويته 8 وزارات منها وزارة المالية خلال السنوات الأخيرة لمعالجة المشكلة مع الأندية في جميع الدرجات وبقية الهياكل المتداخلة، إلا أن الوضع ازداد سوءا.
تحركوا أيها المسؤولون واتركوا عنكم سياسة قمع الرياضة، المتنفس الأكثر شعبية للتعبير عن كل شيء، بداعي القوانين، التي وضعت أساسا لكي تخترق تحت وطأة الأزمات التي تمر بها تونس منذ يناير 2011، فإن مظاهر غياب الصيانة عن المنشآت القائمة بسبب شح السيولة النقدية، أصبحت أمرا مألوفا، كما لا توجد برامج فعلية لتعزيزها، ولعلّ إسناد استكمال تأهيل الملعب الأولمبي في المنزه في الضاحية الشمالية للعاصمة لشركة صينية بعد سحبه من المقاول التونسي بسبب عدم الالتزام بشروط العقد دليل على ذلك. وهو الأمر ذاته بالنسبة إلى ملعب سوسة الذي بدت عليه علامات الفساد لعدم مطابقته للمعايير، كما أن ملعب رادس “درة المتوسط” صار متآكلا ويحتاج إلى صيانة بالكامل وليس عملية ترقيع.
لكي تتطور الرياضة فإن على من هم في كراسي القيادة العمل من الآن على الاستثمار في الطاقة البشرية الهائلة، وتغيير كل القوانين وإسقاط ورقة أن الجمعيات بمسماها المحلي (الأندية) لا يمكنها تأسيس أعمال تجارية تمول من خلالها نفسها بنفسها، وتقدم رواتب مجزية للاعبين حتى يتحمسوا ويبدعوا ويتفننوا.
ثم لماذا ملاعب كرة القدم لا يحضرها إلا عدد محدود من الجماهير حتى الآن؟ إن قوانين تنظيم اللعبة وحدها لا تكفي للحد من الأخطار إذا لم تكن مقرونة بسلسلة من القرارات الرادعة لاسيما مع تزايد مكانة الأندية في توعية الجماهير التي تعتبر مرآة عاكسة لما يحصل فوق الميدان.
تحركوا أيها المسؤولون واتركوا عنكم سياسة قمع الرياضة، المتنفس الأكثر شعبية للتعبير عن كل شيء، بداعي القوانين، التي وضعت أساسا لكي تخترق.