ملفات فلسطينية

تأجيل حوارات الفصائل الفلسطينية.. فرصة أخرى ضائعة 

يجب على الفصائل الفلسطينية تجاوز خلافاتها وتوحيد الجهود لترجمة هذا الصمود إلى نتائج ملموسة. فاستراتيجية شاملة تعزز الصمود الشعبي والجهود الدبلوماسية.

في خطوة تعكس تعقيدات المشهد السياسي الفلسطيني، تم الإعلان عن تأجيل اجتماع الفصائل الفلسطينية، الذي كان من المقرر عقده في بكين في 24 حزيران/يونيو 2024، إلى أجل غير مسمى. ويعزى السبب الرئيسي لهذا التأجيل إلى الخلافات المستمرة بين حركتي “فتح” و”حماس” حول الشراكة السياسية داخل منظمة التحرير الفلسطينية وتشكيل حكومة وفاق وطني تدير الضفة الغربية وقطاع غزة.

تطالب حركة “فتح” بأن تعترف “حماس” ببرنامج منظمة التحرير الفلسطينية وقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بفلسطين قبل انضمامها للمنظمة، وبالمقابل، ترى “حماس” أن الاعتراف بهذه القرارات يتضمن اعترافاً بدولة إسرائيل، وهو ما ترفضه الحركة قبل أن تعترف إسرائيل بدولة فلسطينية تشمل كامل الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، مع الاعتراف بحقوق اللاجئين في العودة إلى ديارهم. كما تطالب “حماس” بتشكيل حكومة وفاق وطني تكون مرجعيتها الفصائل الفلسطينية، وهو ما ترفضه “فتح”، مؤكدةً أن منظمة التحرير هي المرجعية الوحيدة للحكومات الفلسطينية.

يُذكر أن الحركتين قد أكدتا، في ختام جلسة الحوار الوطني، التي عُقدت في العاصمة الصينية بكين نهاية نيسان/أبريل 2024، على “ضرورة الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام ضمن إطار منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، بانضمام كافة القوى والفصائل الفلسطينية فيها وفي مؤسساتها”.

يمثل تأجيل هذه الاجتماعات خيبة أمل كبيرة للفلسطينيين الذين يتطلعون إلى توافق وطني لمواجهة التحديات الكبرى التي تعترض طريقهم، مثل إعادة إعمار قطاع غزة بعد الحرب الإسرائيلية، وتلبية الاحتياجات الأساسية للسكان من غذاء ودواء وكهرباء، وتقديم الرعاية للأطفال الذين فقدوا أسرهم خلال الحرب، بالإضافة إلى إعادة بناء المدارس والجامعات، فاستمرار الانقسام يعمق معاناة الفلسطينيين ويضعف قدرتهم على مواجهة الضغوط الإسرائيلية والدولية. ومع غياب التوافق الداخلي، تصبح جهود المقاومة الشعبية والجماهيرية أقل فعالية؛ ما يقلل من القدرة على تحقيق التأثير المطلوب والدفاع عن الحقوق الوطنية.

أبدت الصين وروسيا اهتماماً كبيراً بلعب دور في تحقيق المصالحة الفلسطينية، حيث دعتا وفوداً من “فتح” و”حماس” إلى بكين في نهاية نيسان/أبريل، تلتها دعوة لعقد حوار وطني شامل في حزيران/يونيو، ويأتي هذا التحرك بعد سلسلة لقاءات مشابهة في موسكو لم تُسفر عن أي تقدم ملموس. يشير هذا إلى رغبة روسيا والصين في تعزيز دورهما كوسطاء دوليين في النزاعات الإقليمية واستغلال نفوذهما المتزايد في المنطقة لتعزيز مصالحهما الجيوسياسية، لكن التأجيل يعكس صعوبة المهمة، نظراً لتعقيدات الملف الفلسطيني والخلافات العميقة بين الفصائل.

يقول القائد المفكر الراحل خالد الحسن (أبو السعيد): “في لقاح الأفكار تولد الأفكار الجديدة”، ولعل هذا ما ينطبق على الحالة الفلسطينية التي تتطلب نقاشاً وطنياً مسؤولاً تقدّم فيه جميع الفصائل الفلسطينية، من اليمين إلى اليسار، أوراقها وأفكارها ورؤاها بشكل علني فوق الطاولة وليس تحتها، لإيجاد صيغة توافقية يتم تطويرها للوصول إلى تبني منهج وبرنامج نضالي وطني شامل تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وصاحبة القرار الأول والأخير في السلم والحرب.

اليوم، تتجلّى أمام الجميع مسؤولية قطف ثمار الصمود الوطني والإرادة الشعبية في وجه العدوان الإسرائيلي الغاشم، والانتصار لقيم الإنسانية ضد النفعية والمادية، خاصةً في ظل هذه الأوقات الحرجة التي تتطلب توحيد الصف الفلسطيني والعمل بجدية لتحقيق الأهداف الوطنية وحماية حقوق الشعب الفلسطيني وسط التحديات الداخلية والخارجية المتزايدة.

الصمود الوطني الفلسطيني ليس مجرد شعار يُرفع في المناسبات، بل هو نهج حياة يتبنّاه الشعب الفلسطيني منذ عقود في مواجهة الظلم والاحتلال، يتجلّى في المقاومة اليومية للحفاظ على الأرض والحقوق، وفي الصمود أمام محاولات الاحتلال لتهجير الفلسطينيين والاستيلاء على أراضيهم. وفي هذا السياق، تُعد هذه الاجتماعات فرصة لتعزيز هذا الصمود وترجمته إلى نتائج ملموسة تخدم القضية الفلسطينية.

يتعيّن على الفصائل الفلسطينية تجاوز خلافاتها والعمل على توحيد جهودها لتحقيق الأهداف المشتركة، فالاجتماعات في موسكو وبكين ليست مجرد فرصة لتبادل الآراء، بل هي منصة لتوحيد الصفوف ووضع استراتيجيات عملية لمواجهة التحديات المستقبلية.

في غزة، يذبح الخوف ما تبقّى من طهورنا، ويعيش أهلنا تحت وطأة حرب إبادة جماعية وحصار غذائي ومائي خانق وأوضاع معيشية كارثية، تترافق مع حصار نفسي يهدف إلى كسر إرادة الفلسطيني والسيطرة عليه، ومع ذلك يستمر سكان غزة في المقاومة والصمود، متمسكين بحقهم في الحياة والكرامة؛ هذه الإرادة الصلبة التي يظهرها أهل غزة في مواجهة هذه التحديات يجب أن تكون مصدر إلهام لجميع الفلسطينيين في نضالهم من أجل الحرية والاستقلال.

تنبع قوة التنظيم من جماهيريته واستمراريته في التواصل والتفاعل مع الجماهير، حيث تعتبر فعالياته المستمرة شاهداً على قوته وحيويته، وهي مفتاحه لتحقيق التأثير والأهداف بفعالية. الفصائل الفلسطينية، بأطيافها المختلفة، مطالبة اليوم  بزيادة تفاعلها مع القواعد الشعبية وتعزيز قنوات الاتصال مع كافة شرائح المجتمع؛ إذ إن الانخراط الجماهيري هو الضمانة لتحقيق الأهداف الوطنية والاستجابة لتطلعات الشعب.

يجب على الفصائل الفلسطينية تجاوز خلافاتها وتوحيد الجهود لترجمة هذا الصمود إلى نتائج ملموسة. فاستراتيجية شاملة تعزز الصمود الشعبي والجهود الدبلوماسية، تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، هي الضمانة لحماية شعبنا من محاولات الاحتلال لتفكيك وحدته والسيطرة عليه.

الحماية والصمود ليست مجرد مفاهيم نظرية، بل هي ممارسات يومية تترجم إلى إجراءات وسياسات تحمي الحقوق وتدعم المسيرة النضالية التحررية، فالبقاء على هذه الأرض كأننا “عشرون مستحيلاً” هو تجسيد لروح المقاومة الفلسطينية، التي لا تعرف اليأس ولا تنكسر أمام التحديات.

في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها القضية الفلسطينية، تظل الإرادة الصلبة والصمود الشعبي أساساً حيوياً للتصدي للاحتلال وسياساته، ويمثل توحيد الفصائل وتعزيز العمل الجماهيري الطريق الأمثل نحو تحقيق الأهداف الوطنية وحماية حقوق الشعب الفلسطيني.

يتطلب الوضع الراهن منا توحيد الجهود والتمسك بحقوقنا الوطنية، والعمل معاً بروح الفريق لتحقيق أهدافنا المشتركة.. فلنسمُ على خلافاتنا ونستمر في النضال، متسلحين بروح المقاومة والإرادة التي لا تعرف اليأس؛ لأن الحرية لا تأتي إلا بالصمود والعزيمة المتجددة في كل يوم وفي كل مكان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى