ما يتحرك من خلاله المفاوض الإسرائيلى فإن المفاوض فى حركة حماس لا يمثل فعليا سوى المكتب السياسى فى الخارج.
تتباين الرؤى والمقاربات بشأن كيفية التفاوض الإسرائيلى فى مفاوضات الهدنة والتى ستتوقف بعد العملية الإجرامية الأخيرة التى استهدفت كلا من محمد ضيف ورافع سلامة، والتعامل مع التطورات الجارية فى قطاع غزة، والانتقال من التفاوض السياسى إلى الأمنى والعكس.
والواضح جليا أن المفاوض الأمنى يختلف بطبيعة الحال عن المفاوض السياسى حيث تتشكل فرق التفاوض من ممثلى الأجهزة الأمنية وخاصة شاباك والموساد والجيش، وتعمل فرق الأجهزة الأمنية تحت إشراف رئيس الوزراء الإسرائيلى ما يؤكد على أنه لا توجد خلافات أو تجاذبات على عكس ما يعلن خاصة، وأن التفاوض يتم عبر آلية مشتركة بين مكتب نتنياهو شخصيا، وبين قيادات الأجهزة الذين يباشرون التفاوض مع الأطراف المعنية.
وبالتالى لا تتباين الرؤى ما بين داخل كل قطاع فى أجهزة المعلومات أو تتوقف لحسابات من أى طرف ولا يمنح المفاوض الإسرائيلى تفويضا مفتوحا بل تفويض يتم من خلال إجراءات وتصويت كان يتم ما بين مجلس الحرب الذى تم حله، و الكابينت المصغر فى إشارة إلى أن التصويت فقط هو الذى يحسم تمثيل ومساحات التحرك لكل مفاوض من كل قطاع مشارك، يذهب بعض ممثلى الأجهزة، أو مبعوث من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو ، ولا يمنح أى تفويض أو اختصاص ما يؤكد أن مركزية صنع القرار فى إسرائيل تدفع بأن يكون رئيس الوزراء الإسرائيلى هو من يدير، ويتحكم وليبقى القرار الإسرائيلى فى كل مستوياته منضبط ومحكم .
فى هذا السياق، قد يكون من المستحيل تمرير أى اتفاق بدون موافقة رئيس الوزراء وممثلى الحكومة المصغرة التى تضم وزراء ليكود بالأساس إضافة لمكونات الائتلاف الرئيسى، والتى تتعامل مع الموقف انطلاقا من مواقف سياسية مدعومة بالتقييمات الاستراتيجية التى تصدرها أجهزة المعلومات على مختلف درجاتها، وتشرح طبيعة الموقف الراهن ومدى ما يمكن أن تفضى إليه الأمور، ومن ثم فإن القرار بشأن قبول أو رفض ما يجرى من مقترحات للتهدئة تحكمها رؤى متعددة بالفعل، ولا تتوقف عند حد معين فى ظل ما يقترح من أفكار يبادر بها الوسطاء المشاركون ، وعلى رأسهم الولايات المتحدة ومصر وقطر.
فى هذا السياق، يمكن تفهم ما الذى سيجرى فى المدى القصير، ويتعلق باستئناف الاتصالات بشأن التفاوض بين إسرائيل من جانب وحماس والوسطاء من جانب آخر خاصة أن الحديث عن وجود خلافات بشأن تمرير الهدنة فى المراحل الأولى مرتبط بما مطروح من قبل حركة حماس خاصة أن الطرفين يعملان على إعادة تدوير الخيارات والرؤى ومحاولة إعادة صياغة النقاط التى تم التفاوض مسبقا بشأنها.
وفى مقابل ما يتحرك من خلاله المفاوض الإسرائيلى فإن المفاوض فى حركة حماس لا يمثل فعليا سوى المكتب السياسى فى الخارج والموجود فى الدوحة، ومرجعياتها الرئيسة فى الأقاليم والداخل، ويتلقى الردود على الرد الإسرائيلى وينقلها، ويتعامل معها وفق مرجعية محددة ولا يمكن أن يخرج من خلالها الإطار المرسوم حيث يركز المفاوض فى حركة حماس على توزيع الأدوار، ويظهر رئيس الوفد إسماعيل هنية فى الواجهة مع إخفاء متقطع لبعض الأسماء ،وأغلبهم مقيم فى تركيا أو قطر، وليس لهم اتصالات مباشرة بالجناح العسكرى فى الداخل، وربما انتظر الوفد المفاوض عدة أيام للتواصل الذى يتم بطرق متعددة، وعبر أطراف وسيطة غير معلومة .
ومن المؤكد، أن هذا الأمر يتم داخل مراكز تجمع قادة حماس فى الخارج خاصة أن هذا الأمر سيتم بصورة استخباراتية أو بأخرى ما قد يقر بواقع ما يجرى خاصة وأن تعدد مراكز صنع القرار لدى حماس قد يؤخر بالفعل التوصل لقرار سياسي، أو اتخاذ موقف محدد ويفسر فى إطار الاطلاع على ما يجرى، ويرتبط فى المقام الأول بمرجعيات خارجية والاستعانة بعناصر متخصصة من دول مثل إيران، ومن دوائر قريبة فى حزب الله موجودين فى لبنان ما يؤكد على أن المفاوض فى حركة حماس لا يعمل بمفرده، أو أنه يتحرك من واقع خبراته فقط بل من خلال دوائر متشابكة ومعقدة للغاية.
يمكن التأكيد إذا على آن آليات التفاوض داخل الحكومة الإسرائيلية، وداخل حركة حماس متشابكة ومتفاعلة من حيث تعدد مصادر المشاركة فى اتخاذ القرار، وأن القرار داخل الحكومة الإسرائيلية يتسم بالمركزية البالغة والانضباط، وعدم وجود مساحات كبيرة من المناورة داخل الوفد الإسرائيلي.
وفى المقابل، فإن مفاوض حماس ليس فقط مخولا بالحسم بل بتفسير المرجعيات والعودة للأصول مع عدم القدرة على تحريك المفاوضات بصورة تدريجية ما يؤكد على أن فريق التفاوض أقرب إلى ناقل للمواقف خاصة أن تلقيه المطالب من الجناح العسكرى يتم فى إطار ضيق ويحتاج إلى تفاصيل تتعلق بالكثير من الأوضاع مثل وضع الأسرى فى السجون وحالتهم أو تمرير الأعداد الخاصة بالنازحين، أو المرحلين فى داخل القطاع وغيرها من النقاط.
إن التوصل إلى اتفاق بشأن الهدنة المقترحة فى الوقت الراهن يتطلب دراسة كل هذه التباينات ، وليست فقط التوافقات لدى الجانبين فى الحكومة الإسرائيلية ولدى مفاوض حركة حماس الذى يخضع واقعيا للكثير من المدخلات التى لا تجعله يتجاوز صلاحياتها أو مواقفه التى يطرحها ويعمل بها خاصة، وأن الوسطاء المتفاعلين مع الطرفين يقيسون مساحات التعامل مع ما يطرح انطلاقا من خبرات متراكمة ورؤية عن قرب وقياس رد الفعل من الجانبين .