بين احتلال إسرائيلي واحتلال إيراني
اليوم تعاني أدوات المحور الإيراني من أزمة حقيقة بعد أن نالت تداعيات الحرب في غزة منها، فحماس أصبح وجود حكمها في غزة على مقصلة اليمين الإسرائيلي بحكم المنتهي
في العام 2016 أعلن المرشد الإيراني علي خامنئي أن إسرائيل لن يكون لها وجود في غضون الـ25 عاما القادمة، شريطة “الكفاح الشامل والموحد” ضدها.
وأضحت جلية محاولات طهران، عبر أدواتها في الشرق الأوسط، الذهاب بعيدا نحو تثبيت أركان أمر واقع وفرضه على شعوب المنطقة مهما تطلب ذلك من نزف دماء أو دمار، فهو ثمن مقبول لدى إيران ونظامها الملالي لتكون بديلا قادما وطبيعيا لانتهاء الاحتلال الإسرائيلي، من خلال مخطط تشكيل طوق من ميليشيات وأنظمة حول هذا الكيان.
في جزئية من تاريخ المنطقة، خلال العقدين الماضيين، تسللت إيران، رويدا رويدا، عبر ميليشياتها إلى المشهد السياسي والاقتصادي في العراق، كواقع بديل عن الاحتلال الأميركي الذي أنهى نظام الرئيس صدام حسين، فتحول العراق إلى شبه دولة أو دويلة تدور في فلك إيران دون أن تمتلك قرارها أو مصالحها، تستغله طهران في علاقتها مع المجتمع الدولي لتمرير مشاريعها النووية.. وأجنداتها السياسية.
حال اليمن ولبنان سوريا لا يختلف عن حال العراق، فإيران مارست بشكل ممنهج عبر جيوشها السياسية والإعلامية ومناصريهم، عملية إحلال متدرجة للسيطرة على هذه العواصم من خلال عدة عوامل لعل أخطرها تكريس ثقافة التخوين والتكفير لكسب شرعية لمشروعها السياسي ونشره في الأوساط الشعبية العربية، فاللبناني المعارض لحزب الله “عميل” لإسرائيل، والعراقي المعارض لإيران عميل للولايات المتحدة، واليمني المعارض للحوثي عميل للنظام السعودي “الخاضع” لقوى الغرب، وأما المعارض لنظام الأسد فهو مع المؤامرة الكونية ضد سوريا.
الحقيقة الراسخة أن إيران لا تختلف عن إسرائيل، فكلتاهما تدمر ما يمر بطريق أهدافها، وكلتاهما تبني مشروعها على جثث الأبرياء في الشرق الأوسط، فالعراقيون والسوريون واليمنيون واللبنانيون لا يختلفون عن الفلسطينيين، فجميعهم أصبحوا وقودا لنار استعمار استوطن دولهم.
استكمالا للمخططات التوسعية الإيرانية، منذ السابع من أكتوبر، تسعى طهران وأدوات محورها- بشكل مكثف – لتكريس ونشر خطاب سياسي وإعلامي منطلق من معادلة: إن لم تكن بوقا لإيران وخادما لأجنداتها فأنت مع الاحتلال الإسرائيلي وعميل للسياسات الأميركية. ومن خلال ممارسة إرهاب فكري مغلف بتوصيفات واتهامات العمالة والتخوين والتكفير، تحاول إيجاد مناطق نفوذ وسيطرة جديدة لها.
وتحت شعارات احتكارية، يطلق على أفعال أدوات المحور الإيراني، مقاومة. ومن هنا يظهر السؤال: هل حماس وحزب والله والحوثيون وميليشيات إيران في سوريا والعراق مقاومة، أم بداية احتلال إيراني لبعض دول المنطقة؟
جواب السؤال يأتي من النطاق السياسي والعسكري لهذه الميليشيات والفصائل، وحصرها في دوائر وفئات مجتمعية مغلقة تسعى للهيمنة على مفاصل الدولة، وخطف قرارها ودمجه بما يتوافق مع سياسات إيران ومصالحها.
في الحرب التي لا تزال دائرة، نرى المد والجزر في السياسة الإيرانية أمام الولايات المتحدة والدول الأوروبية وإسرائيل، في سبيل الحفاظ على مراميها التوسعية المعتمدة على وجود القوة العسكرية لأدواتها في المنطقة، وبالنسق الذي يخدم علاقاتها. وظهر زيف هذه الأجندات التي اعتمدت على ترويج قوة لا تملكها، أمام تكنولوجيا عسكرية فائقة كسرت الصورة الدعائية لأدوات المحور، وعدم صمودها أمام الردود العسكرية الأميركية والبريطانية والإسرائيلية.
اليوم تعاني أدوات المحور الإيراني من أزمة حقيقة بعد أن نالت تداعيات الحرب في غزة منها، فحماس أصبح وجود حكمها في غزة على مقصلة اليمين الإسرائيلي بحكم المنتهي، وحزب الله قتل نصف قادته الميدانيين، والضربات العسكرية المركزة لمخازن أسلحة الحوثي باليمن في تصاعد مستمر، تماثلها ضربات جوية في سوريا لتنفيذ عمليات اغتيال واستهداف القدرات العسكرية للبلد.
واقع أدوات المحور الإيراني المتأزم لا يعني عجز طهران على إعادة بنائه بالحد الذي يسمح لها باستمرار تنفيذ أجنداتها، وهو ما يتطلب استكمال المسار السياسي، والدفع بالمقاربة العربية التي قادتها المملكة العربية السعودية ضمن السداسية العربية، كحل أمثل، في سبيل تحقيق إقامة الدولة الفلسطينية لقطع الطريق أمام استمرار الاحتلال الإسرائيلي، أو استبداله باحتلال إيراني يحلم بإقامة إمبراطوريته الفارسية على دماء الشعوب العربية.