بوتين الرئيس ومرشح الرئاسة يصعّد ويلوّح بالنووي!
يكرر الرئيس بوتين العزف على وتر القومية الوطنية الروسية، ويطمح لإعادة عظمة الاتحاد السوفيتي والشعور القومي للروس. ويقدم نفسه المدافع الأول عن الشعوب الناطقة بالروسية من أوكرانيا إلى جمهوريات آسيا الوسطى ودول البلطيق
ألقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خطاب حالة الأمة للبرلمان الروسي بمجلسيه في 29 فبراير/شباط قبل أسبوعين من انتخابات الرئاسة الخامسة. بالتأكيد سيحقق انتصاراً كاسحاً بعدما ضمن غياب أي منافس ضده بوفاة المعارض الأبرز اليكسي نافالني ما يعزز مكانته وموقعه في تاريخ الحكم السوفيتي والروسي ويجعله الزعيم الأطول خدمة في منصب الرئيس والزعيم الأهم والأكثر نفوذاً في تاريخ الدولتين السوفيتية والروسية منذ عهد القياصرة! والزعيم الوحيد الذي يعرفه جيل كامل من شعبه ممثلا بشريحة الشباب.
خصص بوتين حيزا كبيرا من خطابه للشأن والقضايا والأزمات الداخلية تزامناً مع موعد الانتخابات الرئاسية وكأنه يقدم برنامج عمله لرئاسة غير مسبوقة خامسة، متعهداً بمواجهة تحديات اقتصادية واجتماعية، وبتحسين مستوى المعيشة ورفع الحد الأدنى للأجور بالتدريج إلى 35 ألف روبل (400$ شهرياً)! بحلول عام 2030!! ووعد بالتعامل مع أزمة تناقص الشعب الروسي بسبب انخفاض نسبة المواليد!
ويتوقع مستشارو بوتين أن تصل نسبة المشاركة في الاقتراع 70٪ ويفوز بوتين بـ 90٪ من الأصوات! في انتخابات لا يُنظر إليها على أنها نزيهة وتنافسية وشفافة، تذكر بانتخابات الرئاسات العربية ودول العالم النامي!
أرسل الرئيس بوتين في خطابه عدة رسائل للغرب وللشرق وللعالم العربي خاصة للولايات المتحدة وللدول العربية عن أهمية العلاقة الروسية – العربية. «لدينا علاقات تاريخية جيدة مع الدول العربية – إنهم يمثلون حضارة مميزة من شمال أفريقيا إلى الشرق الأوسط تتطور بشكل ديناميكي ومن المهم تعميق نطاق الشركات».
يكرر الرئيس بوتين العزف على وتر القومية الوطنية الروسية، ويطمح لإعادة عظمة الاتحاد السوفيتي والشعور القومي للروس. ويقدم نفسه المدافع الأول عن الشعوب الناطقة بالروسية من أوكرانيا إلى جمهوريات آسيا الوسطى ودول البلطيق. ويتأسى على سقوط الاتحاد السوفيتي وتفكك روسيا التاريخية تحت اسم الاتحاد السوفيتي. وفي رأيه أن ذلك الحدث الجلل قبل أكثر من ثلاثة عقود كان أكبر كارثة جيو ـ سياسية في القرن العشرين. وبسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي أعقبت سقوط الشيوعية وتفكك الاتحاد السوفيتي لخمس عشرة جمهورية أكبرهم وأهمهم أوكرانيا ما قاد لنهاية الحرب الباردة والثنائية القطبية وانتصار الغرب. وسبق أن تحدث عن التأثير السلبي لسقوط الاتحاد السوفيتي عليه شخصياً بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة الت اضطرته للعمل سائق سيارة أجرة بعدما كان عميلاً سرياً في جهاز الاستخبارات الروسية (كي جي بي).
تزامن خطاب بوتين مع ذكرى نهاية العام الثاني من حرب روسيا على أوكرانيا وبدء العام الثالث من حرب باتت حرب استنزاف وعض أصابع واصطفافات على المستوى الغربي بقيادة الولايات المتحدة والناتو، وتهديد أمن الطاقة والأمن الأوروبي دون وجود أي ملامح لإنهاء الحرب برغم تقييم المصادر الغربية خسارة روسيا حوالي 330 ألف عسكري بين قتيل وجريح منذ اندلاع الحرب في 24 شباط/ فبراير 2022.
واضح أننا نشهد ما يعرف حالة «الإجهاد من الحرب» ويقفز السؤال إلى متى يستمر الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم الدعم المالي والعسكري لأوكرانيا مع تعثر حملة أوكرانيا المضادة، وآخرها انسحاب القوات الأوكرانية من أفدييفكا مع تراجع الدعم الغربي وخاصة الأمريكي! وتعثر المصادقة على مخصصات مالية أقرتها إدارة بايدن للمساعدات الخارجية بقيمة 60 مليار دولار لأوكرانيا و14 مليار لإسرائيل و9 مليارات دولار مساعدات إنسانية مع بقاء المخصصات عالقة في صراع بين الديمقراطيين والجمهوريين في مجلس النواب لرفضه المصادقة على المخصصات دون ربطها بأمن حدود الولايات المتحدة الجنوبية مع المكسيك الذي يشهد نزوحا غير مسبوق بأرقام قياسية من المهاجرين غير الشرعيين الذي يدخلون إلى الولايات المتحدة ويطلبون اللجوء السياسي، ما جعل أزمة وحماية الحدود من كاليفورنيا إلى تكساس إحدى أبرز القضايا الحساسة والضاغطة في حملة الرئاسة الأمريكية للرئيس السابق دونالد ترامب والجمهوريين الذين يوظفونها بذكاء ودهاء للنيل من تراخي وتساهل إدارة بايدن في التعامل مع تهديدها على الأمن الوطني الأمريكي لدرجة أن الرئيس بايدن ومنافسه الرئاسي ترامب زارا الحدود بين ولاية تكساس والمكسيك الأسبوع الماضي ليؤكدا أهمية تطبيق القانون وإصدار مراسيم رئاسة للحد من تدفق اللاجئين من المكسيك وأمريكا اللاتينية وحتى من دول عربية وإسلامية وصولا الى الصين!
كرر الرئيس بوتين في خطابه مفاخرته كما فعل عام 2018 بالقدرات العسكرية الروسية التي تعززت بإنتاج أنظمة أسلحة وصواريخ متطورة وفرط صوتية مثل صواريخ كانزال وتسيركون الفرط صوتية وسارمات العابر للقارات والتي تستخدم في الحرب في أوكرانيا، وغواصات مسيّرة وصاروخ الذي يمكنه حمل رؤوس نووية. ولوح بوتين بالسلاح النووي الذي توسع منذ حربه على أوكرانيا خلال عامين بانضمام كل من فنلندا والسويد ما يرفع عدد الدول الأعضاء في أقوى حلف عسكري عرفه التاريخ لـ 32 دولة، وضاعف حدود دول الناتو مع روسيا! وهو عكس ما يكان يتوقعه ويريده بوتين!
وفي تصعيد لفظي يكرره منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2022 حذر الغرب من نتائج وخيمة في حال أرسلت الدول الغربية قوات عسكرية إلى أوكرانيا. ولوح بوتين بحرب نووية وذكّر «على الغرب إدراك أن لدينا سلاحاً قادراً على ضرب أراضيهم وتهديداتهم قد تؤدي لاستخدام السلاح النووي، والقضاء على الحضارة، ألا يستوعبون؟! مذكراً في النهاية المأساوية للغزاة الذين غزو بلادهم مثل نابليون في أيام القياصرة وهتلر بفتحه الجبهة الشرقية الروسية التي قادت لخسارته وهزيمته في الحرب العالمية الثانية.
وانتقد بوتين اتهامات الولايات المتحدة بسعي روسيا لوضع أسلحة نووية في الفضاء الخارجي. ووصفها بحملة ادعاءات وخديعة لدفع روسيا للتفاوض مع الولايات المتحدة حسب شروطها. ويؤمن بوتين بأن هدف أمريكا أن تظهر لشعبها وللعالم أنها لا تزال تسيطر على النظام العالمي. هدف بوتين تعزيز التحالف الاستراتيجي مع الصين لمواجهة الولايات المتحدة وتشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب!