تقارير

بعد مرور عام على “زلزال المغرب”.. أين وصل برنامج إعادة بناء وتأهيل المناطق المتضررة؟

مرَّ نحو سنة على “زلزال الحوز”، الذي هز مناطق كثيرة في المغرب ليلة الجمعة 8 سبتمبر 2023، مخلفاً حصيلة ثقيلة من الخسائر البشرية والمادية، وصنف الأعنف في البلاد منذ قرن.

وأفاد المعهد الوطني للجيوفيزياء في المغرب وقتها بأن شدة الزلزال، الذي حدد مركزه في جماعة إيغيل بإقليم الحوز (جنوب)، بلغت 7.2 درجة على مقياس ريختر.

وأطلقت الدولة المغربية برنامج إعادة البناء والتأهيل العام للمناطق المتضررة من آثار زلزال الحوز، وتم إحصاء 59.438 بناية متضررة، وفي هذا التقرير ترصد “جسور بوست” إلى أين وصل هذا البرنامج، وأوضاع ساكني المناطق المتضررة اليوم بعد مرور سنة على الفاجعة المؤلمة.

سلاسة إعادة البناء

قال الفاعل الجمعوي في قرية تِنِّيسْكْتْ بإقليم الْحَوْزْ، أيوب بلقاس، إن عملية إعادة البناء في قريته، التي تضم نحو 82 عائلة، تضررت جميعها بسبب الفاجعة التي حلت بالإقليم، تمر إلى حدود الساعة بشكل سلس وبطريقة عادية جدّاً، وإن ما يعادل 30 إلى 40% من العائلات قد بدأت مرحلة البناء، وحصلت على الدفعة الثانية من الدعم المالي الذي تقدمه الدولة للمتضررين لإعادة البناء، بعدما قامت (العائلات) ببناء أساسات المنازل، بينما تنتظر العائلات المتبقية الضوء الأخضر من المختبر، بعد أن قام بفحص الحفر، التي ستكون فيها أساسات منازلها.

مناطق غير صالحة للبناء

أوضح بلقاس، في تصريحاته لـ”جسور بوست”، أن قريته (تنيسكت)، الواقعة في جماعة إِمْكَدَالْ-قيادة وِيرْكَانْ-إقليم الحوز، أن هناك بعض الإشكاليات والإكراهات في ما يخص عملية إعادة الإعمار، أولها أن بعض المناطق أصبحت غير صالحة للبناء، لأنها تضررت بفعل الأثر الكبير، الذي تركه الزلزال في تلك الأماكن، ولأن هناك تشققات على مستوى الأرض، وأن المختبر أعطى الأمر، بناءً على التحليلات، التي قام بها، بأن المكان غير صالح للبناء، مبيناً أن المختبر حدد منطقتين في قرية تنيسكت، منطقة صالحة للبناء، ومنطقة غير صالحة لذلك، نظراً لتضررها، ولقربها من سفح الجبل، ما يجعلها معرضة لسقوط الأحجار ولمشكلات عديدة، وبالتالي تم تنبيه ساكنيها إلى ذلك، وأنه يجب عليهم التحول إلى منطقة أخرى ضمن المجال الصالح للبناء في القرية.

وأفاد بلقاس بأن المدرسة الإبتدائية للقرية كانت توجد في المجال الذي أصبح غير صالح للبناء، وبالتالي يجب إيجاد بقعة أرضية أخرى، من أجل القيام بالدراسات والإجراءات اللازمة، لإعطاء انطلاقة بناء المدرسة من جديد، موضحاً أنه يظن أن التلاميذ سيدرسون سنة أخرى في المدرسة المسبقة الصنع، التي قضوا بها السنة الدراسية الماضية، وهي عبارة عن حاويات مجهزة بقاعتين للدراسة، ومسكنين للأساتذة، وقاعة للإدارة، وهي صالحة للدراسة حاليّاً.

عائق الجغرافيا

في ما يخص بقية القرى الواقعة في جماعة إمكَدال، قال بلقاس إن عددها 26 قرية، وإن عملية إعادة البناء تسير في أغلبها بالنهج نفسه، الذي تسير به في قرية تنيسكت، وإن هناك قرىً تجاوزت قرية تنيسكت، وشارفت -وِفْقَه- على الانتهاء من بناء بعض المنازل، بينما المنازل الأخرى في طور الإنجاز، متابعاً أن عملية إعادة البناء متأخرة قليلاً في قرىً في جماعة إمكَدال، تقع (تلك القرى) في قمم عالية من الجبل، وعددها 5 أو 6، نظراً لوعورة المسلك الطرقي المتوجه إلى تلك القرى، ما يجعل وصول الآليات والسلع إليها يتطلب مجهوداً كبيراً، وبالتالي فإن العملية تسير بقليل من البطء مقارنة بالقرى القريبة من الطريق الوطنية.

وبيَّن بلقاس أن سكان قريته (تنيسكت) وبقية قرى جماعة إمكَدال يسكنون حاليّاً في الخيام والحاويات المخصصة للسكن، في حين أن بعض القرى لم تهدم كل بيوتها، وقام أصحابها -بحسبه- بإصلاح الشقوق، والعودة إليها، مبرزاً أنه على مستوى قريته بقيت فقط 3 منازل من أصل 120 منزلاً.

إعادة البناء بسرعات مختلفة

من جانبه، قال مدير المعهد الوطني للجيوفيزياء، ناصر جبور، إنهم (أي المعهد الوطني للجيوفيزياء) زاروا المنطقة عدة مرات، ولاحظوا أن إعادة البناء انطلقت في عدة مناطق، وتسير بسرعات مختلفة، نظراً لخصائص كل توزع سكاني (كل قرية)، وأيضاً بسبب التضاريس، إذ إن بعض النقاط يصعب الوصول إليها، وتغطية الاستشارات الهندسية تكون صعبة نوعاً ما.

دراسات جيوفيزيائية لتجنب المخاطر

أضاف جبور، في تصريحات لـ”جسور بوست”، أن الدراسات الجيوفيزيائية المطلوبة الخاصة بهذه المناطق، قد انطلقت منذ البداية ومستمرة، وأن كل الأماكن تمت دراستها، لمعرفة خصائص التربة، وخصائص المواقع الصالحة للبناء، نظراً للمخاطر الزلزالية، ولمخاطر طبيعية أخرى، من بينها الانهيارات الصخرية، وأن كل هذه الأماكن، التي يجب الابتعاد عنها، تمت دراستها على مستوى نقاط كثيرة، يصل عددها -بحسبه- إلى آلاف النقاط، التي تمت مراجعتها في المنطقة.

تحدي غياب التجانس

وبيَّن جبور أن طبيعة المنطقة وطبيعة تضاريسها يخلقان تحدياً، يتمثل في أنه لا يوجد تجانس بين المناطق المتضررة، وأن المناطق مختلفة في ما يخص خصائص تربتها، ومن حيث كثافة التوزع السكاني فيها، وأن كل هذه المتغيرات تفرض دراسة كل حالة على حدة، وأن هذه القضية تتطلب مجهوداً كبيراً، لمتابعة الأشغال بتقنيات معينة للإشراف على البناء.

صرف 1,4 مليار درهم للمتضررين

تم إحصاء 59.438 بناية متضررة، وتم صرف 1,4 مليار درهم (نحو 146 مليوناً ونصف المليون دولار أمريكي) لفائدة نحو 57.000 مستفيد حتى أول يوليو الماضي، منها 1,1 مليار درهم (أزيد من 115 مليون دولار أمريكي) تخص الشطر الأول من الإعانات، الذي حدد في 20.000 درهم (نحو 2000 دولار أمريكي) لكل مستفيد، بحسب ما جاء في مذكرة توجيهية حول إعداد مشروع قانون مالية المغرب لعام 2025، أرسلها رئيس الحكومة المغربية، عزيز أخنوش، بداية أغسطس الجاري، إلى الوزراء والوزراء المنتدبين ومسؤولين رفيعي المستوى، واطلعت عليها “جسور بوست”.

وفي ما يخص الشطر الثاني من الإعانات، المحددة مبالغها بـ20.000 درهم (نحو 2000 دولار أمريكي) بالنسبة لأشغال التأهيل، و40.000 درهم (نحو 4000 دولار أمريكي) لأشغال إعادة البناء، فقد تم صرف 206 ملايين درهم (أزيد من 21 مليوناً ونصف المليون دولار أمريكي) لفائدة 9.584 مستفيداً.

توفير المساعدة التقنية والمعمارية

وتم -بحسب الوثيقة المذكورة- توفير المساعدة التقنية والمعمارية للمستفيدين من برنامج إعادة بناء وتأهيل المساكن، من مهندسين معماريين، ومكاتب الدراسات، ومختبرات، ومهندسين مساحين طبوغرافيين.

نظام يقظة لتتبع الأسعار

كما تم -وفق المصدر نفسه- إحداث نظام يقظة لتتبع أسعار مواد البناء الأساسية في المناطق المتضررة من الزلزال، وأنه من أجل تسريع عملية إعادة البناء تم وضع مسطرة مبسطة لمنح تراخيص البناء، تبث فيها لجان على شكل شبابيك وحيدة، بلغ مجموعها 60 شباكاً، إلى جانب استخدام أحدث تقنيات المسح الطوبوغرافي، كالطائرات بدون طيار، من أجل تسليم تراخيص البناء دون انتظار نهاية عمليات إزالة الأنقاض.

وأوضح رئيس الحكومة أنها ستواصل تنزيل برنامج إعادة البناء والتأهيل العام للمناطق المتضررة من آثار زلزال الحوز، من خلال مواصلة تقديم الدعم المباشر، من أجل إعادة إيواء السكان المتضررين، وتأهيل البنيات التحتية المتضررة، إلى جانب العمل على تأهيل هذه المناطق وتنميتها.

البنية التحتية والمؤسسات التعليمية

من جهته، قال رئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في مراكش-المنارة، عمر أربيب، إنه بعد مرور سنة تقريباً على الزلزال، يلاحظ أن هناك “تعثراً كبيراً” في إعادة البناء، سواء في ما يخص البنية التحتية، أو في ما يخص المؤسسات التعليمية، موضحاً أن “عملية إعادة بناء هذه الأخيرة (المؤسسات التعليمية) غير موجودة، لكنّ هناك اشتغالاً على ذلك حاليّاً، وأنه لا يعتقد أن المؤسسات التعليمية ستكون مؤهلة ومبنية في الدخول المدرسي المقبل، وأن الموسم الدراسي 2025/2024 يمكن أن يكون كالماضي (2024/2023)، ويتم ترحيل تلاميذ مرحلتي الإعدادي والثانوي إلى مدينة مراكش ليتابعوا دراستهم هناك، بينما يبقى تلاميذ مرحلة الابتدائي في قراهم، ويدرسون في الخيام أو في الحاويات والبناء القزديري، كما حدث في الموسم الدراسي المنصرم”.

الدعم المالي لإعادة البناء

وأوضح أربيب، في تصريحاته لـ”جسور بوست”، أن “الدولة تمنح المتضررين الدعم المالي لإعادة البناء عبر دفعات، وأن الدفعة الأولى البالغة 20 ألف درهم (نحو 2000 دولار أمريكي)، التي تمنحها للذين بدأوا عملية البناء، من أجل تشييد أساسات المنازل، غير كافية، إذ يتطلب بناء الأساس -بحسبه- ما بين 40 و45 ألف درهم (ما بين نحو 4000 و4500 دولار أمريكي)، وأنهم إذا لم يبنوا الأساسات فلا يمكن أن يحصلوا على الدفعة الثانية من الدعم لمواصلة البناء”، مبرزاً أن “الدولة هي التي كان يجب أن تشيد وتقوم بإعادة إيواء الساكنة”.

وأضاف أربيب أن “السكان ما زالوا إلى حدود الساعة تحت الخيام، وأن هناك من يسكنون في البناء المفكَّك، وهو عبارة -بحسبه- عن حاويات وبناء قزديري، وأن هناك قرىً يجب ترحيلها بشكل كلي من المناطق، التي كانت تقع فيها، لأن تلك المناطق مهددة، وأن ساكنتها تبحث عن أرض أخرى، واقترحت (الساكنة) أن تُحل هذه المشكلة بأن يكون بناء المنازل متفرقاً، لكن الدولة تطالبهم، بحسب أربيب، بالبناء الجماعي المتقارب، لتتمكن من تزويدهم بشبكتي الماء والكهرباء”.

وبيَّن أربيب أن “ساكني الجبل لديهم احتياجات تميزهم عن حاجات سكان المدينة، متسائلاً: “إذا قلنا إن المنازل تبنى فأين هي حظيرة الحيوانات، وأين ستضع الساكنة منتوجها الفلاحي؟”، متابعاً أن “الدولة لم تعوض السكان إلى حد الساعة عن الخسائر، التي لحقتها، في ما يخص موارد عيشها وماشيتها، التي فقدتها، وأنه كان يجب مد السكان برؤوس الأغنام والماعز”.

الاتجار في المآسي

كما تحدث أربيب عن “غلاء مواد البناء وشحها”، موضحاً أنها “تنقل من مدينة مراكش إلى الجبل، وتعرف زيادة تبلغ نحو 25% مقارنة بالأثمنة، التي تروج في مراكش”، وهو ما أسماه أربيب بـ”الاتجار في المآسي”.

إعادة البناء والتأهيل بمراكش

وفي ما يخص مدينة مراكش، قال أربيب إن “المآثر التاريخية لا تزال على وضعها، باستثناء ترميم بعض الواجهات، وإن هناك مؤسسات تعليمية انهارت بشكل كامل، وعمارات تضررت، كما انهارت -بحسبه- المنازل التي كانت مصنفة ضمن الدُور الآيلة للسقوط الموجودة في المدينة العتيقة المحاطة بالسور التاريخي، الذي تضرر أيضاً بشكل كبير”، وفق أربيب، الذي أوضح أنه “يظن أن عملية البناء تسير بوتيرة بطيئة جدّاً وبشكل متعثر”.

شح الدعم الشعبي والمدني

وأفاد أربيب بأن “الجمعية المغربية لحقوق الإنسان نظمت تقريباً ما يفوق 20 قافلة دعم، قدمت من خلالها ملابس، وتجهيزات، ومواد غذائية، وغيرها، لساكني القرى المتضررة من الزلزال، وأنهم لاحظوا أن هناك فتوراً تامّاً على مستوى الدعم الشعبي ودعم الهيئات المدنية للساكنة المتضررة من الزلزال، وأن الدعم شح بعد شهر ديسمبر 2023، بينما السكان ما زالوا في حاجة إلى الدعم”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى