بعد فوز بوتين في الانتخابات.. أسرار الحياة الشخصية لـ «القيصر»
خلفية بوتين في الاستخبارات السوفياتية وشخصيته الميالة إلى الشك تعني أنه منجذب إلى مبدأ "القوة دوماً على حق". كما أنه يشغل نفسه لساعات بقراءة أعمال المفكرين الروس.
حقق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فوزا ساحقا في الانتخابات الرئاسية، أمس الأحد، ليعزز قبضته على السلطة، في نصر قال إنه يظهر أن موسكو كانت على حق بالوقوف في وجه الغرب وإرسال قوات إلى أوكرانيا.
وتعني النتائج أن بوتين البالغ من العمر 71 عاما سيضمن بسهولة فترة رئاسية جديدة مدتها ست سنوات ستجعله يتفوق على جوزيف ستالين، ليصبح أطول زعماء روسيا بقاء في المنصب منذ أكثر من 200 عام. فعلى مدار نحو ربع قرن، حكم ستالين الاتحاد السوفييتي بقبضة من حديد إلى أن توفي في 1953.
سيطرة الكرملين
وكان الشعور السائد بحتمية النتيجة، مقترناً بسيطرة الكرملين شبه الكاملة على السلطة، سبباً في ضمان ضعف المعارضة بشدة حتى قبل بدء التصويت. وقد تجسد ذلك بشكل مأسوي في مصير أليكسي نافالني، المنشق صاحب الشخصية الكاريزمية الذي توفي في ظروف غامضة في معسكر اعتقال في القطب الشمالي الشهر الماضي.
ويسلط الهجوم الأخير على ليونيد فولكوف، الحليف المقرب لنافالني، والذي تعرض للاعتداء بمطرقة في ليتوانيا الأسبوع الماضي، الضوء على اتساع نطاق تكتيكات الترهيب. فولكوف وصف الاعتداء بأنه “تحية من رجل عصابات في الكرملين”، الذي “أراد أن يصنع مني شريحة لحم”، وفقا لاندبندت.
ومع ذلك، فإن هذا الوضع الكئيب يدفعنا إلى التأمل في عقلية ومزاج الرجل الذي نهض من عالم السياسة المضطرب في سانت بطرسبورغ ليتولى الرئاسة في عام 2000. لقد راقبت من كثب مسيرة بوتين المهنية منذ سنوات تردي الأوضاع في ظل بوريس يلتسين، عندما استغل بوتين الفوضى السياسية والاقتصادية لبلوغ المنصب الأعلى فاكتسب لقب “المتطفل الذي لا يحظى بالترحيب”، على حد تعبير أحد حلفاء يلتسين الرافضين لبوتين.
الاستخبارات السوفياتية
وبعد مرور ربع قرن من الزمن، تجد روسيا نفسها في قبضة بوتين، وهو يأتي الآن مع سلسلة جديدة من حلقات العدوان العلني.
إن خلفية بوتين في الاستخبارات السوفياتية وشخصيته الميالة إلى الشك تعني أنه منجذب إلى مبدأ “القوة دوماً على حق”. كما أنه يشغل نفسه لساعات بقراءة أعمال المفكرين الروس الذين يروجون لأطروحة “أوراسيا”، التي تصور روسيا كـ”حضارة فريدة من نوعها ذات تأثير واسع يشمل أوراسيا وأوروبا والمحيط الهادئ”، على حد تعبير الرئيس. وهذه هي العظمة التي تدعم الآن رؤية بوتين لروسيا باعتبارها دولة استثنائية تتمتع باستحقاقات لا مثيل لها، إلا أن طموحاته الدولية تتناقض بشكل صارخ مع الدائرة المحدودة من المستشارين في الداخل.
ومن بين حلفاء الرئيس الأكثر ثباتاً يأتي إيغور سيتشين، الذي يترأس شركة النفط الحكومية الضخمة روسنفت، ونيكولاي باتروشيف، وهو الرئيس السابق لوكالة التجسس التابعة لجهاز الأمن الفيدرالي (FSB) والذي يشغل الآن منصب سكرتير مجلس الأمن الروسي، ويقال إن معاداة الأخير لأميركا تفوق حتى جنون الارتياب المتنامي لدى بوتين.
الحرب في أوكرانيا
شأنه شأن بوتين، ينحدر باتروشيف من خلفية الـ”كي جي بي” الغارقة في المعلومات المضللة، وهي سمة يتقاسمها أيضاً مع سيرغي ناريشكين، رئيس وكالة الاستخبارات الخارجية الروسية. غير أن الحرب في أوكرانيا أظهرت أنه حتى هذه العلاقات الوثيقة يمكن لها أن تتدهور بصورة مفاجئة. وغالباً ما يستمتع بوتين في إظهار نزعة علنية من الخسة، فيهين علناً كبار المسؤولين إذا تصرفوا على نحو فردي ولم يلتزموا الخط الرسمي أو إذا ثبت أن من الصعب عليهم تحقيق رغباته.
على سبيل المثال، وبخ بوتين ناريشكين علناً خلال جلسة استماع في عام 2022. عندما بدا رئيس الاستخبارات متردداً في شأن تأييد الدمج الكامل للمناطق التي تسيطر عليها روسيا في دونيتسك وشرق أوكرانيا، قاطع بوتين حليفه المتلعثم بالقول: “تحدث بوضوح”. أضاف: “إذاً، هل تريد التفاوض معهم – أم ماذا؟”. كان هذا التبادل غير المريح يهدف إلى التأكيد أن ما من منصب أو سجل حافل يضمن الحصانة لأي أحد أمام بوتين.
بث الدعاية الروسية
إن عالم بوتين هو في الغالب عالم رجل واحد. في جلسات الاستماع الروتينية لكبار المسؤولين ومكالمات الفيديو المتلفزة مع الزعماء الإقليميين، ترى دوائر من الرجال، تراوحت أعمارهم ما بين الـ60 ومنتصف الـ70، يتسابقون بعضهم مع بعض في مدح الزعيم البالغ من العمر ٧١ سنة.
غالباً ما تستخدم النساء، مثل مارغريتا سيمونيان، لأغراض دعائية، حيث تعمل سيمونيان كمؤيدة بارزة للكرملين والتي صعدت إلى منصب رئيسة التحرير في هيئة الإذاعة الحكومية “روسيا اليوم”. وهي تلعب الآن دوراً رائداً في بث الدعاية الروسية على قنوات التلفزيون والفيديو الكبرى. وكما يقول تقرير صادر عن وزارة الخارجية الأميركية، فهي “تقدم الأكاذيب على أنها حقيقة، وذلك مع ابتسامة”.
جزء من الأساطير الشخصية لبوتين تصوره على أنه مخلص بصورة لا تصدق لعمله. وبعيداً من الصور التي تم إعدادها بعناية له وهو يمارس أنشطة مثل ركوب الخيل أو السباحة أو لعب هوكي الجليد، فهو لن يجد سوى قليل من الوقت لحياة اجتماعية أو صداقات حقيقية.
زمرة بطرسبورغ
وغالباً ما بدأت تحالفاته الشخصية في السنوات التي قضاها كمساعد لرئيس بلدية سانت بطرسبورغ القوي والملوث بالفساد، أناتولي سوبتشاك، ويشار إلى هؤلاء الأفراد باسم “زمرة بطرسبورغ” ممن يحتفظون بمناصب مؤثرة… وكثيراً ما يرتبط “الأصدقاء” الدائمون الآخرون بالأمور المالية، مثل الأخوين المليارديرين بوريس وأركادي روتنبرغ.
حياته الشخصية محاطة بتكتم بالغ. وتردد أن بوتين كان على علاقة مع لاعبة الجمباز الإيقاعي الأولمبية السابقة ألينا كاباييفا منذ عام 2008، على رغم أنه ظل مقترناً بزوجته الثانية لودميلا أوشيريتنايا حتى عام 2014.
تلقى بوتين تدريباً على الكلام، وفقاً لمدرب في اللغويات واللهجات، وذلك للتخلص من عادة تركيب الجمل القصيرة اللفظية، التي أخفت توتره في سنواته الأولى في الحياة السياسية
كاباييفا، التي كانت معروفة في السابق بصورتها العامة كرمز رياضي ساحر، أجابت من دون تصنع في عام 2008 على أسئلة حول علاقتها بالزعيم الروسي بتصريح بسيط عن كونه “رجلاً رائعاً، رجلاً عظيماً”.
البرلمان الروسي
ومع ذلك، توقف أي انفتاح حول علاقتهما بعد ذلك: فقد دخلت كاباييفا جهاز السلطة التابع لبوتين، وخدمت في البرلمان الروسي كما أيدت تشريعات متشددة، بما في ذلك القوانين التي تعارض تبني الأطفال الروس من قبل الأجانب. وبعد ذلك تولت منصباً في مجلس إدارة المجموعة الوطنية للإعلام براتب قد يصل إلى ملايين الجنيهات، على رغم افتقارها أي خبرة إعلامية سابقة. ويتلقى المقربون من بوتين مكافآت سخية، فقد حصلت أخت كاباييفا على منصب قانوني رفيع في تتارستان (عائلتها نصفها من التتار).
ولا يرى بوتين حاجة إلى دور رسمي لـ”السيدة الأولى”، مما يثير إحباط البعض. عندما أجريت مقابلة مع آلا فيربر، وهي شارية الأزياء الشهيرة والمعروفة باسم “العرابة الخيالية للأزياء” الروسية، قبل وفاتها في عام 2022، وسألتها كيف كان الكرملين يشتري الملابس (لدى كل من بوتين وكاباييفا ولع بالأشياء الفاخرة، من الساعات إلى الفراء)، بدا أنها كانت تشعر بالإحباط بسبب عدم وجود سيدة أولى لكي تنتقي لها الملابس التي ترتديها في الأماكن العامة.
قالت بأسف وهي تشير نحو الميدان الأحمر “لم أر أحداً من هناك قط”. وأضافت “لكنهم يرسلون أشخاصاً لشراء أشياء. لكن ليس كما كان الحال مع رايسا غورباتشوفا “زوجة غورباتشوف”، فتلك كانت سيدة أولى”!