بعد عام على طوفان الأقصى.. إسرائيل بين كعب أخيل وفخ ثيوسيديدس
رفع نتنياهو الجمعة 27 سبتمبر الماضي من على منبر الأمم المتحدة خريطة للممر الاقتصادي الجديد التي تجعل من بلاده نقطة الارتكاز التي ستربط بين أوروبا وآسيا. حرب الممرات جزء رئيسي من الصراع القائم في منطقة الشرق الأوسط.
في أول تعليق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأربعاء 2 أكتوبر الجاري، ورد في مقطع متلفز بثه بحسابه على منصة إكس، بعد الإعلان عن مقتل 8 ضباط وجنود إسرائيليين وإصابة 30 في محاولة التوغل ببلدات جنوب لبنان، قائلًا إن تل أبيب في خضم “حرب صعبة”.
تخوض إسرائيل اليوم حربًا واسعة على عدة جبهات في الشرق الأوسط، تحت عنوان “حرب وجود” مع محور لم يتوان نتنياهو على نعته بـ”محور الشر”. وقعت تلك الحرب المستمرة والمرشحة لأن تتحول إلى حرب واسعة وشاملة في الشرق الأوسط في “فخ ثيوسيديدس” بين القوة الصاعدة والمتمثلة في إيران ووكلائها، وحلفائها الروس، وبين القوة الفارضة المتمثلة في إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة، التي تعمل على ترميم معادلة الردع التي فقدتها بعد عملية “طوفان الأقصى”.
عام مرّ على عملية “طوفان الأقصى” التي نفّذتها حركة حماس على مستوطنات غلاف قطاع غزة، والتي أدت إلى مقتل وجرح الآلاف، واحتجاز رهائن إسرائيليين ومن جنسيات مختلفة. استنهض الهجوم الروح الوحشية لدى إسرائيل التي اعتبرته الأقسى على الكيان منذ تأسيسه عام 1948، فأعلنت حربها على القطاع بهدف تفكيك حركة حماس وضرب قدراتها العسكرية وتحرير الذين أسروا منذ السابع من أكتوبر.
يعتبر ثيوسيديدس أعظم مؤرخ يوناني قديم ومؤلف كتاب “تاريخ حرب البيلوبونيز” الذي يشرح فيه الصراع في القرن الخامس قبل الميلاد بين أثينا وإسبرطة. يقوم المصطلح على اقتباس من المؤرخ الأثيني والجنرال العسكري ثيوسيديدس، والذي افترض أن الحرب البيلوبونيزية بين أثينا وإسبرطة حتمية بسبب مخاوف إسبرطة (القوة الفارضة) من نمو القوة الإثنية (القوة الصاعدة).
“فخ ثيوسيديدس” هو مصطلح شاع من قبل عالم السياسة الأميركي غراهام تي أليسون لوصف نزعة واضحة نحو الحرب عندما تهدد قوة صاعدة قوة عظمى مهيمنة إقليمية كانت أم دولية. قد يكون أليسون حاول توصيف الصراع الصيني – الأميركي، ولكنه اليوم بات ينطبق بشكل واضح على منطقة الشرق الأوسط. لهذا فتوجس أميركا من أن تفقد نفوذها في المنطقة، دفعها لدعم إسرائيل بشكل لا محدود في حربها التي لا تهدف فقط من خلالها لتقليم أظافر إيران، بل أيضًا لقطع الطريق عن حلم الصين “الحزام والطريق” الذي يجد في المنطقة نقطة ارتكاز للمشروع.
رفع نتنياهو الجمعة 27 سبتمبر الماضي من على منبر الأمم المتحدة خريطة للممر الاقتصادي الجديد التي تجعل من بلاده نقطة الارتكاز التي ستربط بين أوروبا وآسيا. حرب الممرات جزء رئيسي من الصراع القائم في منطقة الشرق الأوسط، التي شكلت على مدى التاريخ مفتاح الشرق والغرب، حيث مرّت فيها الممرات الاقتصادية من مدينة كالكوتا الهندية إلى العمق الأوروبي في منافسة واضحة لطريق الحرير الصينية التي تنطلق من مدينة تشانغ أن إلى العمق الأوروبي.
الحرب مستمرة في الشرق الأوسط، ومرشّحة لأن تتوسع مع إصرار جماعة حركة الحوثي في اليمن على وحدة الساحات، مع تزايد تأثيراتها على حركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر نتيجة أعمالها العسكرية. لهذا ما بات واضحًا أنها طويلة طالما تسعى فيها إسرائيل وأميركا لإعادة تشكيل خارطة المنطقة بما يتناسب مع مصالحها. بالمقابل، تشدد إيران عبر وزير خارجيتها عباس عراقجي بأن بلاده ستفشل مشروع الولايات المتحدة، من خلال الطلب من حركات المقاومة الاستمرار في القتال إلى حين إسقاط هذا المشروع.
اقرأ أيضا| تداعيات طوفان الأقصى على المنطقة العربية
قد تكون المنطقة وقعت في “فخ ثيوسيديدس”، لكنّ إسقاط المشروع الإسرائيلي يعني استغلال الفرصة من قبل القوة الصاعدة لإسقاط إسرائيل بالضربة القاضية. هذا ما جعل البعض يعودون إلى الميثولوجيا الإغريقية، وإعادة إحياء مصطلح “كعب أخيل” على الحرب الدائرة، من خلال محاولة إيقاع إسرائيل فيها.
هذه الميثولوجيا تدور رحاها حول الحرب بين الإغريق وطروادة، التي انتهت بقتل أخيل أحد الرجال الأقوياء، الذي قتل في معركة طروادة، بعدما أصابه سهم مسمم في كعب رجله. إذ تقول الرواية إن والدته “ثيتس” قامت بتغطيسه في نهر “ستيكس” المقدس، ولكنها فعلت هذا وهي تمسك بكعبه فلم يصل الماء السحري إليه.
لا تلوح في الأفق، على الأقل في المدى المنظور، أي حلول لوقف الحرب، ولا يبدو أن الولايات المتحدة مستعدة وهي في فترة الانتخابات الرئاسية، ستقوم بممارسة الضغط على حكومة نتنياهو لوقف جنونه. لهذا فالمطلوب اليوم بات ضرب إسرائيل بضربة قاتلة عبر الميدان، حيث كان حزب الله ينتظرها في الميدان، أي في دفع إسرائيل للقيام بعملية برية واسعة في الجنوب. هذا ما كان يؤكد عليه كافة المسؤولين في حزب الله، من أن إسرائيل ستنهزم في الجنوب اللبناني.
بدأ الاجتياح البري على لبنان بقرار من الحكومة المصغرة الإسرائيلية، هذا ما جعل المعركة الميدانية تشتدّ إلا أنّ الميدان لم يزل مشتعلا، وإن كان الجيش الإسرائيلي يتقدم ولو ببطء شديد لفرض أمر واقع على الجبهة الشمالية ليجبر الحزب على الانسحاب إلى ما بعد الليطاني، بالمقابل تسهل إسرائيل عودة مستوطنيها إلى الشمال، لهذا قد لا ينجح الحزب بضرب كعب أرخيل.
لكنّ البعض انتظر من الردّ الإيراني على سلسلة الاغتيالات التي قامت بها إسرائيل أن يشكل نقطة تحول ويرفع من عملية الردع لهذا العدو. رغم الضربة الإيرانية ورغم رفع السقف العالي بالتهديد بأن الضربة الثالثة إن اعتدت إسرائيل على إيران ستكون مدمرة، فإن المشهدية لا تبشر بأن هذه الضربة ستكون السهم القاتل، فالتأكيدات الإسرائيلية لم تزل تتحدث عن ردّ قاتل على إيران في الأيام المقبلة، والمنطقة قابلة للاشتعال بحرب واسعة، ما يستبعد فرضية انهزامها طالما أن أميركا لم تزل مساندًا لإسرائيل.