أعطت الحرب الإسرائيلية على غزة ومأساة الفلسطينيين، كما التوتر بين الجزائر وفرنسا، زخماً لوجه سياسي فرنسي معروف ولامع منذ ألقى خطابه الشهير عن حرب العراق في مجلس الأمن شارحاً موقف فرنسا ورئيسها آنذاك الراحل جاك شيراك الرافض للحرب على العراق. دومينيك دو فيلبان الذي شغل مناصب مهمة عدة في عهد الرئيس شيراك من أمين عام للرئاسة إلى وزير للخارجية وللداخلية ثم رئيس للحكومة، صعد الآن في لائحة استطلاعات رأي مجلة “باري ماتش” إلى رأس لائحة الشخصيات الفرنسية التي تحظى بتأييد شعبي. لكن يبقى السؤال: هل يترشح دو فيلبان للانتخابات الرئاسية في 2027عندما ينتهي عهد الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون؟
دو فيلبان لم يترشح يوماً للنيابة رغم أنه عمل طويلاً في مجال السياسة، وهو ابن الراحل كزافييه دو فيلبان الذي كان عضواً مميزاً في مجلس الشيوخ الفرنسي وترأس لمدة طويلة (من 1993 إلى2002) لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في مجلس الشيوخ وتعاطف مع أوضاع الفلسطينيين المأسوية خلال زياراته القدس والأراضي الفلسطينية على هامش زيارات رئاسية عديدة. ودو فيلبان الابن (٧١ سنة) مارس السياسة قرب شيراك وكان ديبلوماسياً مرموقاً شغل مناصب عدة تدريجاً في الخارجية الفرنسية، منها قبل أن يصبح وزيراً، مدير مكتب آلان جوبيه الذي كان في ذلك الوقت وزيراً للخارجية في حكومة التعايش اليمينية برئاسة إدوار بالادور في عهد الرئيس الاشتراكي الراحل فرانسو ميتران. ثم صعد في عهد شيراك في مناصب مختلفة، إلا أنه فشل في رئاسة الحكومة في وجه تظاهرات عنيفة ضدّ أحد إصلاحاته واضطرّ إلى الاستقالة بعد شلل عمّ البلاد.
ولم يرغب دو فيلبان يوماً في الترشح للانتخابات التشريعية رغم أن والده السناتور دو فيلبان تأسّف لذلك، إذ إنه كان يتمنى أن يخوض ابنه معركة الانتخابات التشريعية .
إقرأ أيضا : هل تنجح تركيا في إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية؟
ومثلت إطلالاته التلفزيونية والفيديوهات التي عرضت تعليقاته المنتقدة لما تقوم به إسرائيل في غزة ضد الشعب الفلسطيني صوتاً سياسياً فرنسياً متميزاً حول مأساة الشعب الفلسطيني وضرورة إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين. ولم ينقطع دو فيلبان عن التعليق على أوضاع الشعب الفلسطيني تحت القصف وفي ظل الجوع والحرمان والقتل طيلة فترة الحرب الإسرائيلية.
وأخذ دوفيلبان يعارض الرئيس ماكرون بقوة على خياراته السياسية، خصوصاً بعد قراره حلّ البرلمان، علماً بأن شيراك كان أيضاً قد حلّ المجلس قبل ذلك ووُجّهت الاتهامات آنذاك إلى دو فلبان وجوبيه بأنهما كانا وراء قرار شيراك الذي أدّى إلى حكومة تعايش مع الاشتراكيين برئاسة ليونيل جوسبان.
وعلق دو فيلبان الذي ترك العمل السياسي منذ ١٤ سنة على تقدم حزب اليمين المتطرف في الانتخابات الألمانية بأنه يؤكد ما يجري منذ بضع سنوات في أوروبا لجهة تقدم أحزاب اليمين المتطرف الشعبوي بدعم مباشر من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وتساءل هل ستختار ألمانيا التبعية الكاملة للولايات المتحدة أم ستختار أوروبا، وهو ما يجب أن يحصل في رأيه، إذ إن الشراكة الأوروبية الأطلسية في حالة ضعف شديد.
وعن الجزائر وما قاله وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو من أن الجزائر رفضت عشر مرات إعطاء إذن مرور من قنصلية الجزائر لطرد مواطن جزائري مقيم غير شرعي في فرنسا وارتكب جريمة إرهابية في بلدة مولوز، قال دو فلبان إن الوضع بين فرنسا والجزائر غير مقبول وإن قول وزير الداخلية لن يؤثر على موقف النظام الجزائري، وهي مسألة يجب أن يتولاها رئيس الجمهورية ووزير خارجيته. ورأى في حديث تلفزيوني أن أي رسالة حزم من فرنسا إلى الجزائر ينبغي أن تنقل إما عبر الرئيس أو عبر وزير الخارجية، فهي مسألة ليست من صلاحية روتايو. وكان دو فيلبان قد فاجأ المجتمع السياسي بحضوره مؤتمر الحزب الشيوعي L’humanité الذي دُعي إليه خلال فترة الانتخابات التشريعية ما جعل المراقبين يقولون إن الديغولي اليميني الذي كان ينتمي إلى حزب شيراك أصبح من اليسار، خصوصاً أنه كثيراً ما ينتقد الرئيس ماكرون. لكنه مثل ماكرون إذا قرر خوض الانتخابات الرئاسية في ٢٠٢٧ سيكون من خارج أي حزب سياسي، إذ إنه لا ينتمي إلى أي من الأحزاب السياسية الفرنسية الحالية. وهو رفض الرد على أسئلة عمّا إن كان سيترشح وإن كان يجري تشكيل لجان مؤيدة لترشيحه قائلاً إنه لن يجيب عن مثل هذه الأسئلة، مكتفياً بالقول: “من الصعب جداً اليوم في فرنسا قبول أفكاري وقناعاتي التي تواجه انتقادات عديدة”.
إلى ذلك، دو فيلبان معروف بأنه من محبي الشعر وتجمعه صداقات في العالم العربي مع شعراء وكتاب كان في طليعتهم الراحل الكبير غسّان تويني وابنه الشهيد جبران تويني الذي كان تحدث مع دو فيلبان قبل أربعة أيام من اغتياله، بحضور ابنته نايلة التي كانت تجري أولى مقابلاتها مع دو فيلبان في ذلك الوقت، وفينوس خوري وأدونيس.