كان واضحاً منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، حاجة جيش الاحتلال إلى تأمين خط إمداد من الذخائر والمعدات العسكرية، لتغطية استخدامه الواسع والكثيف منها.
احتضنت الولايات المتحدة منذ اليوم الأول للحرب إسرائيل وأظهرت تجاهها التزاماً سياسياً واستراتيجياً، وشمل الحضن الأمريكي تغطية إسرائيل في احتياجاتها من الذخائر وتحديداً المدفعية والقنابل الدقيقة.
وفقاً لمعهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام، فإن واردات إسرائيل من الأسلحة الأمريكية تمثل 69 في المئة من إجمالي وارداتها من الأسلحة بين عامي 2019 و2023.
وذكرت صحيفة واشنطن بوست أنه منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وافقت الولايات المتحدة على أكثر من 100 صفقة أسلحة لإسرائيل، لم يُعلن إلا عن اثنتين منها، فيما تَواصَل مسؤولون من الإدارة الأمريكية مع الكونغرس بشأن نقل أسلحة إلى إسرائيل أكثر من 200 مرة.
ووفقاً لمنظمة العفو الدولية فقد وُثّقت “أربع ضربات إسرائيلية، ثلاث منها في ديسمبر/كانون الأول 2023 بعد انتهاء فترة التوقف الإنساني، وواحدة في يناير/كانون الثاني 2024، وأسفرت عن استشهاد ما لا يقل عن 95 مدنياً، بينهم 42 طفلاً”.
بوصلة الرأي العام
وعلى الرغم من خروج مظاهرات في مختلف المدن الأمريكية تطالب بايدن بالدعوة والضغط لوقف إطلاق النار، يتجاهل بايدن كل هذه النداءات ويقف صلبا مؤيدا لكل ما يقوم به الجيش الإسرائيلي حتى مع تدميره ربع مباني قطاع غزة، وقصف كل مستشفياتها ومدارسها وحتى أفرانها.
لقد استخدمت دولة الاحتلال وسط صمت دولي، أسلحة أمريكية محرمة دولية، وتبجح بايدن وقال إن المدنيين في غزة قتلوا نتيجة القنابل الثقيلة التي كانت واشنطن قد أرسلتها الى كيان الاحتلال الإسرائيلي. مما دفع البروفيسور ميرشهايمر من جامعة شيكاغو إلى القول إن حدود تأثير اللوبي الإسرائيلي ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك “إذ عمل على توجيه بوصلة الرأي العام الأمريكي لصالح العلاقات الأمريكية مع إسرائيل”.
بعد هذا ما زال نهر الدم في غزة يسير بتدفق عال منذ أكثر من تسعة شهور، وكان آخرها مجزرة المواصي التي وقعت قبل أيام راح ضحيتها ما يقارب 400 شخص بين قتيل وجريح، كعادتها بررت إسرائيل هذه الجريمة بحجة وجود عدد من أفراد حركة حماس بين مخيمات النزوح في منطقة المواصي.
ووصل حجم الاستخفاف بالدم الفلسطيني وقتل أهالي غزة، إلى تهديد وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو، يوم 7 نوفمبر/تشرين الثاني، باستخدام السلاح النووي في قصف قطاع غزة، هذه هي العقلية الدينية المتطرفة في الكيان والتي ما زالت تنظر إلى الفلسطينيين أنهم لا شيء.
ردود فعل عالمية باهتة لا ترقى لحجم الجريمة، وقد تساءل الكثيرون أين محكمة العدل الدولية لتضيف في سجلاتها التحقيقية هذه الجريمة؟
للأسف لم نسمع إلا جعجعة ولم نر طحنا. كان من المفروض أن تصدر المحكمة خلال الأسابيع المنصرمة مذكرات توقيف ضد نتنياهو وخلية حربه، وحتى اللحظة لم نسمع عن شيء.
إسرائيل ماضية في سياستها القاضية لتفتيت القطاع وزرع قواعد إسرائيلية في وسط قطاع غزة وأطرافه ضمن بنك الأهداف الإسرائيلية، فضلا عن الاغتيالات لكبار قادة حماس العسكريين، وفرض حل سياسي وأمني يتوافق مع ما يصبو إليه نتنياهو واليمين المتطرف في إسرائيل، وفعلا من خلال هذه الجريمة التي ارتكبت بحق المدنيين العزل في منطقة المواصي استطاع رئيس وزراء إسرائيل أن يخلط الأوراق تماما وأن يبعد شبح الصفقة عنه، وهذا ضمن الدوافع لمجزرة المواصي، لقد فضل نتنياهو أن تضيف المحكمة الدولية لسجلها التحقيقي على أن يبدي رغبته الجامحة في تنفيذ الصفقة، وهو للأسف ماض في الإمعان في قتل الغزيين وتصفية وجودهم وإقامة المستوطنات في أطراف غزة ووسطها.
مسوغات للإبادة
ويتجسَّد مثالًا على ذلك: الوعي الجمعي الصهيوني بمثل تلك المقولات التي تهدف إلى إيجاد مسوغات للإبادة والقتل والاستعباد للفلسطينيين، وتعذيب الأسرى الفلسطينيين وامتهان كرامتهم، وهدم البيوت وقصف المستشفيات والجوامع والمدارس وتشريد الفلسطينيين من أرضهم ضمن حالة استعمارية “ذات شحنة عنصرية مثقلة” بالإرهاب.
وما الاعتزاز بسفر يوشع بن نون، وقصة شمشون، والعقيدة الانتحارية لـ “مسّادا”، ونبوءة إشعيا في النصر، إلّا أساطير لتغذية الوعي الجمعي البائس واليائس في المخيال الشعبي والسياسي في أثناء ممارسة طقوس القتل والدم في إحراق غزة ونابلس وجنين.
سياسة الأرض المحروقة
إنها جزء من سياسة مدروسة في سياق استخدام سياسة الأرض المحروقة والضغط العسكري على المشاركين بعملية التفاوض، للوصول إلى ما يريده نتنياهو من تلك المفاوضات بالتوصل لصفقة تبادل تحت شروطه تماماً، مع إبقاء النار والحرب مشتعلة، ودون رفع الحصار عن القطاع.
وأكثر من ذلك بالاتجاه نحو رسم خريطة طريق لما يسميه «اليوم التالي» بالنسبة للقطاع بالتفاهم مع الأمريكيين.
خريطة تُعيد رسم حدود مستقبل القطاع ليكون خارج إطار وحدة ولاية الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.