بايدن أم ترمب.. من حفز الاقتصاد الأميركي أكثر؟
كان لجائحة "كوفيد-19" التي اجتاحت العالم في العام الأخير من رئاسة ترمب تأثير كبير على المقارنة بين أداء الاقتصاد في عهد الرئيسين. فقد كانت الجائحة حدثاً هائلاً أدى إلى تراجع أداء الاقتصاد خلال فترة ترمب، بينما ساعدت جهود التعافي من تداعياتها في تعزيز النمو الاقتصادي في بداية فترة رئاسة بايدن
شهدت الولايات المتحدة نمواً اقتصادياً أقوى بشكل ملحوظ خلال فترة رئاسة جو بايدن مقارنة بفترة دونالد ترمب، حيث ارتفع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بمعدل سنوي قدره 3.1% منذ الربع الأول لرئاسة بايدن، مقارنة بنسبة 2.1% في عهد ترمب. هذه حقيقة جليّة لا جدال فيها، وإن كانت قابلة للتغيير مع المراجعات المستمرة التي يجريها مكتب التحليل الاقتصادي الأميركي على بيانات الدخل القومي والحسابات الإنتاجية.
كما أشرتُ قبل بضعة أيام، كان لجائحة “كوفيد-19” التي اجتاحت العالم في العام الأخير من رئاسة ترمب تأثير كبير على المقارنة بين أداء الاقتصاد في عهد الرئيسين. فقد كانت الجائحة حدثاً هائلاً أدى إلى تراجع أداء الاقتصاد خلال فترة ترمب، بينما ساعدت جهود التعافي من تداعياتها في تعزيز النمو الاقتصادي في بداية فترة رئاسة بايدن.
لتقديم صورة أوضح عن هذا التأثير، يمكن قياس النمو الاقتصادي على فترات تستبعد التأثيرات الكاملة أو الجزئية للجائحة، كما يظهر في الرسم البياني أدناه (الذي يتضمن أيضاً المقياس البديل للدخل المحلي الإجمالي، والذي يزعم بعض الاقتصاديين بأنه يعكس توقيت التغيرات الاقتصادية بشكل أفضل من الناتج المحلي الإجمالي).
تأثير السياسات المالية
بعد نشر هذا التحليل، تلقيت تعليقات تشير إلى ضرورة مقارنة مقدار التحفيز الذي تلقاه الاقتصاد من السياسات المالية أو النقدية أو كليهما في عهد الرئيسين.
وكانت الفكرة الأساسية وراء هذه الاقتراحات هي أن النمو في عهد بايدن قد يكون مجرد نتيجة لتحفيز مالي كبير، لكن اتباع هذه الممارسة بدا وكأنه يستحق المحاولة. فقد تمكنت من حساب مجموعة من أرقام النمو الاقتصادي المعدلة وفقاً للسياسة المالية التي يجب التعامل معها بحذر شديد، لكنني فضلت تقديم البيانات الأخيرة حول السياسات المالية والنقدية في الولايات المتحدة حتى يتمكن القراء من تكوين آرائهم الخاصة.
بعد تحليل سلسلة من المخططات البيانية، توصلت إلى أن الاقتصاد الأميركي استفاد من دفعة أكبر بكثير من السياسات المالية والنقدية في عهد ترمب مقارنة بما حصل عليه حتى الآن في عهد بايدن، حيث جاء معظم هذا التحفيز لمواجهة التحديات التي فرضتها الجائحة.
وعند مقارنة فترة ما قبل الجائحة في عهد ترمب مع الاتجاهات الاقتصادية الحالية في عهد بايدن، فإن الصورة تصبح أكثر تعقيداً، لكن لا يمكن بأي حال الادعاء بأن اقتصاد بايدن حصل على دفعة تحفيزية أكبر بكثير من تلك التي حصل عليها في عهد سلفه ترمب.
لنبدأ بالسياسة المالية. هذه هي العجوزات الفيدرالية الفصلية التي يقيسها مكتب التحليل الاقتصادي الأميركي باعتبارها مدخرات الحكومة الفيدرالية الصافية (يظهر العجز إذا كان الرقم سالباً والفائض إذا كان موجباً).
ورغم أن هذا المقياس لا يتطابق تماماً مع أرقام العجز أو الفائض التي ينشرها مكتب الإدارة والميزانية التابع للبيت الأبيض أو مكتب الموازنة في الكونغرس، إلا أنه عادةً ما يكون قريباً من هذه الأرقام ويتميز بتوفره على أساس أكثر تواتراً وفي الوقت المناسب.
يمكن تتبع هذه الإحصاءات منذ عام 1947، لكنني بدأت الرسم البياني في عام 2000 لتوضيح ما حدث في السياسة المالية خلال فترتي بايدن وترمب مع توفير سياق تاريخي للمقارنة. كان متوسط العجز أعلى في عهد ترمب مقارنة بما هو عليه حتى الآن في عهد بايدن (7.7% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بـ6.3%)، لكن العجز المالي قبل الجائحة مباشرة في عهد ترمب كان أقل مما هو عليه الآن في ولاية بايدن (4.6% مقارنة بـ6.1%).
تأثير العجز على النمو
مع ذلك، فإن العامل الأكثر تأثيراً على تعزيز أو تباطؤ النمو الاقتصادي ليس حجم العجز في حد ذاته، بل التغيير الذي يطرأ عليه.
وكما يظهر من الرسم البياني أعلاه، كان العجز المالي أكبر بكثير عندما غادر ترمب منصبه مقارنة بالوقت الذي تولى فيه الرئاسة، بينما كان العكس صحيحاً بالنسبة لبايدن. يتم قياس هذه الديناميكية بشكل ربع سنوي، بجانب تغيرات الوضع المالي لحكومات الولايات والحكومات المحلية، وذلك باستخدام مقياس التأثير المالي الذي يديره مركز هتشينز للسياسة المالية والنقدية التابع لمؤسسة بروكينغز ذات التوجه اليساري الوسطي.
وفقاً لهذا المقياس، كان الاقتصاد الأميركي يتعامل مع ضغط مالي خلال معظم فترة رئاسة بايدن، بينما حصل على دفعة مالية إيجابية خلال فترة ترمب، حتى قبل الجائحة.
بما أن أرقام مركز هتشينز تُعرض كمساهمات في النمو الاقتصادي، يمكن استخدامها لحساب مسار افتراضي للناتج المحلي الإجمالي في غياب الدعم المالي أو العوائق المالية. ومع ذلك، فإن ما إذا كان ذلك مستحسناً أم لا، فهذه مسألة أخرى، حيث أن العلاقة بين السياسة المالية والنمو أكثر تعقيداً ولا تنعكس بشكل كامل في الأرقام الفصلية للتأثير المالي.
لكن من باب النقاش، نعرض الأرقام التالية: بعد التعديلات، انكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بمعدل سنوي قدره 4.6% في عهد ترمب، بينما نما بمعدل سنوي قدره 9.2% في عهد بايدن. وإذا توقفنا عند نهاية عام 2019، نجد أن النمو السنوي كان 1.8% في عهد ترمب، لكن إذا بدأنا من الربع الأول من عام 2022، نجد أن النمو بلغ 6.1% في عهد بايدن.
مرة أخرى، لا أعتقد أن أي شخص يجب أن يأخذ هذه الأرقام على محمل الجد، ولهذا السبب لم أضعها في رسم بياني. ومع ذلك، فإنها بالتأكيد تعطي انطباعاً بأن تفوق بايدن في نمو الناتج المحلي الإجمالي لا يعتمد بشكل كلي على الإنفاق المالي المفرط.
قياس تيسير السياسة النقدية
عند الحديث عن السياسة النقدية، يمكن قياس مدى تيسيرها من خلال النظر إلى أسعار الفائدة الحقيقية، التي حسبتها في هذا الرسم البياني عبر طرح مقياس التضخم المفضل لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي، وهو مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي باستثناء الغذاء والطاقة، من سعر الفائدة الفعلي على الأموال الفيدرالية.
بدءاً من عام 2008، كانت أسعار الفائدة الفيدرالية الحقيقية سلبية لعقد كامل، حيث حاول الاحتياطي الفيدرالي تحفيز الاقتصاد الذي تعرض لضربة قوية بسبب الركود العظيم، واستمر في تباطؤه لفترة طويلة بعد ذلك. لكن هذا الوضع تغير أخيراً بعد تولي ترمب منصبه، حيث بدأت السياسة النقدية في التشدد ببطء إلى أن تفشت الجائحة، مما أدى إلى موجة جديدة من خفض الفائدة.
وبعد انتقال بايدن إلى البيت الأبيض، استمرت أسعار الفائدة الحقيقية في الانخفاض، ليس نتيجة خفض الفيدرالي لأسعار الفائدة بل بسبب ارتفاع معدلات التضخم، وتبع ذلك زيادة حادة في أسعار الفائدة الحقيقية بدءاً من أوائل عام 2022.
وبالرغم من أن متوسط سعر الفائدة الحقيقية كان أعلى قليلاً (أي أقل سلبية) خلال فترة ترمب مقارنة بفترة بايدن، إلا أن الاتجاه كان مختلفاً تماماً، حيث انتهت الفائدة عند مكانة قريبة من الذي بدأت فيه الحقيقية في عهد ترمب، بينما ارتفعت بحدة في عهد بايدن.
خلال الأزمة المالية في عام 2008، شرع الفيدرالي أيضاً في تنفيذ برنامج لشراء الأصول عُرف باسم “التيسير الكمي”، واستمر ذلك طوال معظم فترة رئاسة باراك أوباما، ثم عاد هذا النهج بقوة عند تفشي جائحة كوفيد-19.
وفي عهد ترمب، شهدت السياسة النقدية جهداً متواضعاً لتشديد التيسير الكمي، تلاه تيسير هائل مع بداية الجائحة. واستمر التيسير الكمي لكن بوتيرة أبطأ خلال العام الأول من رئاسة بايدن، قبل أن يتحول إلى التشديد منذ ذلك الحين، حيث قلص الفيدرالي حجم الأصول التي يحتفظ بها بنسبة 17% بعد تعديل التضخم مقارنة ببداية توليه منصبه (وبدون تعديل التضخم، فإن حجم الأصول أقل بنسبة 4%).
من المعروف أن السياسة النقدية تتسم بتأثيرات متأخرة ومتغيرة، مما يعني أن التحفيز الناتج عن خفض الفائدة والتيسير الكمي في عام 2020 قد انعكس على الاقتصاد بشكل رئيسي في عام 2021 وما بعده. ولهذا السبب، بالإضافة إلى عوامل أخرى، يمكن بالتأكيد تفسير هذه الرسوم البيانية بطرق مختلفة عما قدمته.
ومع ذلك، من الصعب الجدال بشكل معقول بأن الاقتصاد تلقى تحفيزاً مالياً ونقدياً أكبر بكثير في عهد بايدن مقارنة بفترة ترمب.
تعاني الحكومة الأميركية من عجز أكبر بكثير، كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، مما كان عليه في أي وقت مضى، باستثناء فترات الحروب أو الأزمات الكبرى الأخرى، ويبدو أن هذا الوضع غير مستدام. ومع ذلك، بدأ الاقتصاد الأميركي مؤخراً في الخروج من فترة طويلة من السياسة النقدية الفضفاضة بشكل استثنائي، والتي ربما كانت غير مستدامة، وهو تطور إيجابي.
أيهما أفضل: بايدن أم ترمب؟
هل يعني هذا أن بايدن كان أفضل للاقتصاد من ترمب؟ ليس بالضرورة! أولاً، إذا اعتمدنا طريقة التصحيح للجائحة الموضحة في الرسم البياني الأول، سنجد أن نمو الناتج المحلي الإجمالي في عهد بايدن منذ بداية عام 2022 كان أبطأ قليلاً مما كان عليه في فترة ترمب حتى نهاية 2019.
ثانياً، إسناد نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى الرؤساء قد يكون مضللاً، لأن سياساتهم غالباً ما يكون تأثيرها محدوداً على الناتج المحلي الإجمالي خلال فترات حكمهم لكن ذلك التأثير قد يستمر حتى بعد مغادرتهم.
وأخيراً، يُعتبر نمو الناتج المحلي الإجمالي في حد ذاته مقياساً محدوداً ومعيباً، حيث تعكس مقاييس أخرى مثل الدخول الحقيقية ونمو الوظائف ومعدلات التوظيف التجربة الاقتصادية بشكل أدق. لقد بدأت في قياس أداء الرؤساء من حيث الناتج المحلي الإجمالي قبل عدة أعوام ببساطة لأن ترمب جعل منه مقياساً مهماً خلال ولايته. ووفقاً لهذا المقياس الذي ركز عليه ترمب، يمكن القول إن خليفته بايدن حقق فترة رئاسية ناجحة إلى حد كبير.