لبنان

انقطاع الكهرباء مؤشر لتفاقم مشكلات الاقتصاد اللبناني

جاء انقطاع الكهرباء عن لبنان السبت بسبب نقص المحروقات كنتيجة طبيعية لتفاقم مشكلات الاقتصاد اللبناني المتعددة والمزمنة، من عجز تجاري سلعي وعجز في ميزان المعاملات الجارية وعجز الموازنة الحكومية، وارتفاع معدلات الدين العام وارتفاع نسبة التضخم، وتدهور سعر صرف الليرة اللبنانية، وارتفاع نسب دولرة الودائع المصرفية، وتدني التصنيف الائتماني مما قلل من قدرة البلاد على الاقتراض.

وها هي بيانات منظمة التجارة العالمية تشير إلى استمرار العجز التجاري السلعي طوال السنوات العشرين الأخيرة بلا انقطاع، في بلد يعتمد على الخارج في الطاقة حيث لا يُنتج نفطا أو غازا طبيعيا. والخطير في العجز التجاري هو تدني نسبة تغطية الصادرات للواردات لتصل لأقل من العشرين في المائة ببعض السنوات، ورغم تحسن نسبة التغطية قبل أربع سنوات لحوالي الثلث، نتيجة تراجع قيمة الواردات في عام ظهور فيروس كورونا وما تلاه، إلا أن نسبة التغطية عادت إلى الانخفاض إلى 20 في المائة بالعام الماضي رغم انخفاض الواردات عن العام الأسبق.

وبلغ الاستهلاك اللبناني من المشتقات البترولية عام 2022 نحو 174 ألف برميل يوميا كلها مستوردة، كما يستورد لبنان نسبة 95 في المائة من استهلاكه للفحم، في حين اعتمد توليد الكهرباء في لبنان بنفس العام على الوقود الأحفوري بنسبة 90.6 في المائة، إلى جانب 6 في المائة من الطاقة الكهرومائية و3 في المائة للطاقة الشمسية، ونسبة 3 في الألف للكتلة الحيوية والنفايات، ونسبة واحد في الألف لطاقة الرياح.

وظلت التجارة الخدمية تحقق فائضا لسنوات طويلة بسبب الإيرادات السياحية، إلا أن ذلك الفائض كان دائما أقل بكثير من قيمة العجز في التجارة السلعية، ومع تراجع النشاط السياحي منذ ظهور فيروس كورونا فقد تراجع ذلك الفائض الخدمي ليصل إلى 1.3 مليار دولار في العام الماضي، بينما بلغ العجز التجاري السلعي في نفس العام 12.2 مليار دولار، وجاءت أحداث الحرب بين قوات حزب الله وإسرائيل لتؤثر على النشاط السياحي، وها هي العديد من شركات الطيران تقلل من حركتها إلى مطار بيروت، خشية تصاعد الحرب في حالة حدوث ضربة إيرانية لإسرائيل بعد اغتيال إسماعيل هنية في طهران نهاية الشهر الماضي، أو من قبل حزب الله لإسرائيل كما وعد الأمين العام للحزب.

 

لبنان بدون رئيس منذ 22 شهرا



وحتى ميزان الدخل يحقق عجزا هو الآخر نتيجة مدفوعات فوائد الاستثمارات الأجنبية المباشرة وفوائد استثمارات الحافظة للأجانب، ليتبقى للبلاد عدد قليل من الموارد أبرزها تحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج، والمعونات التي تحصل عليها البلاد، بالإضافة إلى الاستثمار الأجنبي المباشر والذي بلغ 655 مليون دولار في العام الماضي حسب الأونكتاد، والاقتراض بصوره المختلفة. ورغم تلك الموارد فقد حقق الميزان الكلي للمدفوعات عجزا متواصلا منذ عام 2017 وحتى 2022، في حين لم ينشر البنك المركزي اللبناني بيانات ميزان المدفوعات لعام 2023 بعد.

وتسبب العجز في الميزان الكلي للمدفوعات في تراجع أرصدة الاحتياطيات من النقد الأجنبي، من 42.4 مليار دولار في عام 2020 إلى 35.2 مليار دولار في العام التالي، ثم إلى 32.5 مليار دولار عام 2022، في بلد بدون رئيس للبلاد منذ انتهاء فترة الرئيس ميشال عون في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، وعجز القوى السياسية عن الاتفاق على رئيس جديد للبلاد رغم إجراء عدة محاولات في البرلمان، لتتضافر العوامل السياسية مع العوامل السياسية على إضعاف الثقة بالاقتصاد.

وانعكس ذلك على سعر صرف الليرة اللبنانية الذي ظل لسنوات طويلة ثابتا عند 1507 ليرة للدولار الواحد، ليرفع المصرف المركزي السعر إلى 15 ألف ليرة للدولار من بداية شهر شباط/ فبراير 2023، ومع تزايد السعر في السوق الموازية عدل المصرف المركزي السعر إلى 89.5 ألف ليرة في الثاني من أيار/ مايو الماضي، وتسبب ذلك في ارتفاع ظاهرة دولرة الودائع إلى 94.8 في المائة في حزيران/ يونيو الماضي، في بلد يعمل فيه 60 مصرفا؛ منها 46 مصرفا تجاريا تضم 710 فرعا، لكن المودعين عاجزين عن الحصول على ودائعهم مما دفع بعضهم لاقتحام بعض الفروع بالقوة للحصول على أموالهم.

كما انعكس تغيّر سعر الصرف الحاد على أسعار السلع في بلد يستورد أكثر مما يصدّر، ليصل معدل التضخم إلى 221 في المائة عام 2023، ثم انخفض إلى 41.8 في المائة في حزيران/ يونيو الماضي. وإذا كان معدل البطالة قد بلغ في العام الماضي 11.6 في المائة، فقد بلغت نسبة بطالة الشباب في سن 15-24 سنة 23.9 في المائة، وها هو التصنيف الائتماني للبنان يسجل درجات بالغة التدني لدى وكالات التصنيف الرئيسية الثلاثة، حيث بلغ “إس دي” عند ستاندر آند بورز، و”سي” لدى وكالة موديز و”آر دي” عند وكالة فيتش.

صندوق النقد يعطل إقراض لبنان



وأوضحت بيانات البنك الدولي لاستمرار ارتفاع الدين الخارجي من 47.8 مليار دولار عام 2010 إلى 67.1 مليار دولار عام 2020، وأشارت بيانات صندوق النقد العربي إلى تخطي قيمة خدمة الخارجي من أقساط وفوائد أربعة مليارات من الدولارات سنويا طوال السنوات الخمس من 2018 وحتى 2022، وهو أمر يصعب الوفاء به في ظل موازنة حكومية تعاني من العجز المزمن، الذي بلغت نسبته 6.1 في المائة في عام 2022 حسب صندوق النقد الدولي.

وتسبب تأخر الحكومة اللبنانية في إصدار البيانات الاقتصادية، إلى جانب حالة عدم اليقين تجاه الاقتصاد اللبناني، في خلو تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي في نيسان/ أبريل الماضي من أية بيانات عن لبنان لعام 2023، سواء معدلات النمو أو الموازنة أو الحساب الجاري، أو الدين الحكومي للناتج والذي بلغت نسبته 283 في المائة عام 2022، وكذلك خلا تقرير صندوق النقد الدولي من أية توقعات لتلك المؤشرات الاقتصادية سواء خلال العام الحالي أو العام المقبل، مثلما فعل مع باقي دول العالم الأعضاء فيه.

وكان صندوق النقد الدولي قد أعلن في نيسان/ أبريل 2022 عن توجهه لمنح لبنان تسهيل ائتمان بقيمة 3 مليارات دولار لمدة 46 شهرا بعد محادثات قام بها مع السلطات اللبنانية، بشرط إجراء سلسلة من الإصلاحات تشمل خفض الدين العام، وتوزيع أكثر عدالة للعبء الضريبي، وإعادة هيكلة الدين الخارجي واصلاح المؤسسات المملوكة للدولة ولا سيما في قطاع الطاقة، إلى جانب مكافحة الفساد ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتحديث الإطار القانوني لمصرف لبنان، ثم جاء شغور منصب رئيس الجمهورية ثم مشاركة قوات حزب الله في تخفيف الضغط على المقاومة في غزه، والتي لا تتسق مع سياسات الدول الكبرى المهيمنة على صندوق النقد الدولي وغيره من المؤسسات المالية الدولية، والمنحازة لإسرائيل ليتعطل قرض الصندوق للبنان.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى