غزة

انعكاسات غزة الروحية : بين صور ومقاطع الفيديو الرقمية

في أعقاب الحرب التي شهدتها غزة، تظهر الصور والفيديوهات عبر مواقع التواصل الاجتماعي كشهود على الأحداث، لكن تأثيرها يتجاوز بكثير مجرد نقل الوقائع

في أعقاب الحرب التي شهدتها غزة، تظهر الصور والفيديوهات عبر مواقع التواصل الاجتماعي كشهود على الأحداث، لكن تأثيرها يتجاوز بكثير مجرد نقل الوقائع. هذه اللقطات المرئية تمس أعماق الوجدان الإنساني، وتُحدث تغييرات جوهرية في السلوكيات الفردية والجماعية، حيث تشير الدراسات إلى أن الصور تُعزز الاستجابات العاطفية بشكل أكبر من النصوص، إذ إن معالجة المخ للمعلومات المرئية تحدث بسرعة تفوق 60,000 مرة عن نظيرتها النصية.

التأثير النفسي لهذه المحتويات يُسلط الضوء على قوة التعاطف والتضامن التي يمكن أن تُبنى من خلال الصورة الواحدة أو مقطع الفيديو القصير، وفقًا لدراسة نُشرت في مجلة “علم النفس الاجتماعي التطبيقي”، فإن الأفراد الذين يُشاهدون محتوى مرئي يُظهر المعاناة الإنسانية يظهرون مستويات تعاطف أعلى بنسبة 43% مقارنة بأولئك الذين يقرؤون عن نفس الأحداث في نصوص.

من ناحية أخرى، يواجه الأفراد تحديات نفسية جسيمة نتيجة التعرض المستمر لمشاهد العنف والدمار، حيث يُظهر بحث أجرته جامعة “ستانفورد” أن نسبة كبيرة من المستخدمين الذين يتعرضون لمحتوى عنيف بشكل متكرر قد يعانون من أعراض مشابهة لاضطراب ما بعد الصدمة.

على صعيد التأثير السلوكي، تشير الأبحاث إلى أن المحتوى المرئي له قدرة فائقة على تحفيز الأفعال الإيجابية، حيث إن دراسة نُشرت في “مجلة الاتصالات الإنسانية” تُبين أن الصور القوية يمكن أن تزيد من احتمالية المشاركة في الأعمال التطوعية أو الأنشطة الخيرية بنسبة تصل إلى 60%.

يُضاف إلى ذلك، أن الصور والفيديوهات على مواقع التواصل تُعزز الدعم الاجتماعي وتُشكل شبكات من التضامن الرقمي، حيث يجد الأفراد فيها مساحة للتعبير عن مشاعرهم وتبادل الدعم والمواساة، وهذه الشبكات تُسهم في خلق بيئة افتراضية تحمل في طياتها قوة الوحدة والتأثير المجتمعي، والتي بدورها تعمل كمنصة للتغيير الإيجابي والتحرك الجماعي.
الجانب الآخر للتأثير النفسي يتعلق بالإرهاق العاطفي والصحة العقلية، حيث أن الإفراط في التعرض للمحتوى المؤلم يمكن أن يؤدي إلى ما يُعرف بـ”الإرهاق العاطفي”، فيشعر الأفراد بالعجز والتعب النفسي. وفقًا لدراسة من جامعة “كامبريدج”، فإن حوالي 22% من الأشخاص الذين يتابعون الأخبار العالمية عبر مواقع التواصل الاجتماعي بانتظام يُبلغون عن مستويات عالية من القلق والتوتر المرتبط بالمحتوى الذي يتعرضون له.

الصور والفيديوهات تحمل في طياتها القدرة على إثارة التحفيز والإلهام أيضًا، حيث يُظهر البحث أن المحتوى المرئي الإيجابي والملهم يمكن أن يكون له تأثير بالغ في تعزيز الشعور بالأمل والإيجابية لدى الأفراد، مما يُعزز ميلهم نحو السلوكيات الإيجابية والمساهمة في الأعمال الخيرية، كما أن دراسة من جامعة “بنسلفانيا” تُشير إلى أن مشاهدة المحتوى الإيجابي يمكن أن تزيد من مشاعر السعادة والرضا لدى الأفراد بنسبة تصل إلى 35%.

في النهاية، تكشف الصور والفيديوهات المنتشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي في أعقاب الحرب على غزة عن قوة المحتوى المرئي في تشكيل الوجدان والسلوك الفردي والجماعي، من خلال التعاطف والتضامن إلى الإرهاق العاطفي والتحفيز، تُحدث هذه الصور والفيديوهات تأثيرًا عميقًا يتجاوز حدود الشاشات ليصل إلى قلوب وعقول الأفراد، مُعيدةً تشكيل الطريقة التي نتفاعل بها مع العالم من حولنا.

تُعد الصور والفيديوهات التي تُنشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي أدوات قوية للتأثير على الرأي العام وإثارة الوعي بالقضايا العالمية، ومن ضمنها الأزمات الإنسانية كالحرب في غزة، وتؤثر هذه المحتويات بشكل مباشر وغير مباشر على السلوك الفردي والجماعي، مُحدثة تغييرات تتجاوز مجرد الاطلاع على الأخبار لتشمل التأثير على الحالة النفسية والعاطفية للأفراد.
تأثير على التواصل والحوار..

الصور والفيديوهات القوية تدفع الأفراد إلى المشاركة في الحوارات والمناقشات حول القضايا التي تُعرض، مما يُعزز التواصل بين الثقافات والشعوب المختلفة. هذه المناقشات يمكن أن تساعد في تكوين فهم أعمق للسياقات والظروف التي تؤدي إلى الأزمات، وتشجع على التفكير النقدي والتعاطف مع الآخرين.

تعزيز الانخراط الاجتماعي..
تُظهر الأبحاث أن الصور والفيديوهات التي تحمل رسائل قوية ومؤثرة يمكن أن تزيد من مستوى الانخراط الاجتماعي للأفراد، سواء من خلال التبرعات للمنظمات الإنسانية أو المشاركة في الأنشطة التطوعية، وتُشير إحدى الدراسات إلى أن نسبة المشاركة في الأنشطة التطوعية تزداد بشكل ملحوظ عند التعرض لمحتوى يُظهر الحاجة الفعلية ويُسلط الضوء على تأثير العمل الخيري.

التأثير على القيم والمعتقدات..
التعرض المستمر للصور والفيديوهات ذات الرسائل القوية يمكن أن يُغير القيم والمعتقدات الفردية على المدى الطويل، ويبدأ الأفراد في إعادة تقييم أولوياتهم وقيمهم، مما قد يؤدي إلى تغييرات في سلوكياتهم اليومية وقراراتهم الاستهلاكية، بما يعكس تضامنهم مع القضايا التي يتعرضون لها.

التأثير على الصحة النفسية..على الجانب الآخر، يجب الأخذ بالاعتبار التأثيرات السلبية للتعرض المفرط للمحتوى المؤلم والصادم، ويمكن أن يؤدي هذا التعرض إلى مشكلات الصحة النفسية، بما في ذلك القلق، الاكتئاب، واضطراب ما بعد الصدمة.
تُشير الدراسات إلى أن التعرض المتكرر للمشاهد العنيفة والمروعة، خاصةً تلك التي تُظهر الآثار الإنسانية للنزاعات والكوارث، يمكن أن يُسبب تأثيرًا مستمرًا على الصحة النفسية للمشاهدين. في هذا السياق، تؤكد الأبحاث على أهمية وجود استراتيجيات للتعامل مع الإجهاد والدعم النفسي للأفراد الذين قد يتأثرون سلبًا بمثل هذا المحتوى.
إعادة تشكيل الهوية والانتماء..

الصور والفيديوهات التي تُنشر في أعقاب الأحداث الكبرى مثل الحرب على غزة لها القدرة على إعادة تشكيل مفاهيم الهوية والانتماء لدى الأفراد. يمكن لهذه المحتويات أن تُعزز شعور الانتماء لمجموعة معينة أو قضية معينة، وقد تُحفز الأفراد على التفاعل والدفاع عن هذه الهويات في مختلف منصات التواصل الاجتماعي، وفي حياتهم اليومية.
تأثير النمذجة الاجتماعية..

الصور والفيديوهات المؤثرة تعمل كنماذج اجتماعية يمكن أن تُحفز الأفراد على تقليد السلوكيات التي يُشاهدونها. على سبيل المثال، قد يؤدي عرض قصص النجاة والمقاومة والتضامن الإنساني إلى تحفيز الأفراد على اتخاذ إجراءات مماثلة في حياتهم الخاصة، سواء كان ذلك من خلال الدعم المادي أو المعنوي للقضايا المطروحة.
تأثير التنشيط السلوكي..

التأثير الذي تُحدثه الصور والفيديوهات لا يقتصر على الإحساس والفكر فحسب، بل يمتد إلى تنشيط السلوك. يُعرف هذا بتأثير التنشيط السلوكي، حيث يُحفز المحتوى المرئي الأفراد على اتخاذ إجراءات ملموسة تُعبر عن استجاباتهم العاطفية والفكرية للمحتوى. قد يشمل ذلك المشاركة في حملات التوعية، تنظيم أو المشاركة في فعاليات دعم، أو حتى الانخراط في النقاشات العامة حول القضايا المطروحة.
في ختام المطاف، تُظهر الصور والفيديوهات المنتشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي في أعقاب الحرب على غزة قدرتها الفريدة على لمس القلوب وتحريك العقول، مما يؤدي إلى تأثيرات متنوعة ومعقدة على السلوك الفردي والجماعي. تتجاوز هذه التأثيرات حدود المشاركة البسيطة في الشبكات الاجتماعية، لتصل إلى إحداث تغييرات جوهرية في الوعي والتوجهات والتصرفات.
تعزيز المشاركة المدنية..
المحتوى المرئي القوي يمكن أن يعزز المشاركة المدنية من خلال تشجيع الأفراد على التفاعل مع قضايا المجتمع والمشاركة بفاعلية في الحياة العامة. يُصبح المتلقون أكثر استعدادًا للتعبير عن آرائهم، المشاركة في الحوارات السياسية والاجتماعية، والمساهمة في الجهود الرامية للتغيير الإيجابي.

تأثير الإعلام الجديد على التغيير الاجتماعي..تُبرز الأحداث الأخيرة دور الإعلام الجديد، خاصةً مواقع التواصل الاجتماعي، في تسهيل التغيير الاجتماعي. الصور والفيديوهات ليست مجرد أدوات لنقل المعلومات بل أيضًا وسائل لتحفيز الأفراد على التفكير والعمل من أجل التغيير، مما يُحدث تأثيرًا تراكميًا يمكن أن يسهم في الدفع نحو إصلاحات اجتماعية وسياسية.
التحديات والمسؤوليات..

مع هذه القوة الكبيرة للمحتوى المرئي تأتي مسؤولية كبيرة. يتطلب إنتاج ونشر الصور والفيديوهات عبر مواقع التواصل الاجتماعي حساسية ووعيًا بالتأثيرات المحتملة على المشاهدين والمجتمعات المتأثرة. من الضروري توخي الدقة والاحترام في تناول القضايا الحساسة والتأكد من عدم تضخيم الصور النمطية أو نشر المعلومات المضللة.
في الختام، لا بد من الإشارة إلى أن الصور والفيديوهات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي في أعقاب أحداث مثل الحرب على غزة تلعب دورًا حيويًا في تشكيل الوعي الجماعي وتحفيز السلوك الإنساني نحو التضامن والعمل المشترك. ومع ذلك، يجب علينا أيضًا التعامل مع هذا المحتوى بوعي ومسؤولية، مع الاعتتبار للتأثيرات العميقة التي يمكن أن تحدثها على الصحة النفسية والسلوك الاجتماعي. من الضروري أن يكون هناك توازن بين إظهار الحقيقة وحماية الجمهور من الآثار السلبية المحتملة للمحتوى الصادم.

صدقي أبوضهير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى