إيران

انتخاب بزشكيان متنفس جديد للنظام الإيراني

واجه النظام مزيداً من العقوبات، كما واجه الاقتصاد الإيراني المتدهور مزيداً من الأزمات، وأدت المواجهات وعمليات القمع المؤلمة والدامية إلى خروج المواطنين في احتجاجات كبيرة في الشوارع

خلال 45 عاماً من عمر النظام الإيراني لم يواجه تحدياً مثل التحدي الكبير الذي وقع في صيف عام 2022 في البلاد. وكانت ثورة مهسا أميني التي حدثت بعد مقتلها بواسطة “شرطة الأخلاق” قد هزت البلاد. وكانت إيران تجرب ثورة أخرى تتحدى النظام الإيراني. وقتل أكثر من 2000 شخص وجرح آلاف آخرون خلال تلك الاحتجاجات، كما اعتقل الأمن كثيراً من المحتجين، وكان بعض الدول يراقب بقلق نهاية هذا الحراك الشعبي ومستقبل الحكومة الإيرانية، وخاض مفاوضات مع النظام الإيراني ومنع إسقاطه.

وواجه النظام مزيداً من العقوبات، كما واجه الاقتصاد الإيراني المتدهور مزيداً من الأزمات، وأدت المواجهات وعمليات القمع المؤلمة والدامية إلى خروج المواطنين في احتجاجات كبيرة في الشوارع.

البرنامج الصاروخي والنووي الإيراني

وكان البرنامج الصاروخي والنووي الإيراني قد تحول خلال السنوات الماضية، إلى أحد أكبر الملفات السياسية التي تحدت النظام الذي واجه عقوبات متعددة، وتسبب البرنامج النووي بمزيد من الأضرار له. وفي مارس (آذار) الماضي أطلق النظام للمرة الأولى أكثر من 200 صاروخ وطائرة مسيرة ضد إسرائيل.

وردت إسرائيل بعملية انتقامية محدودة داخل إيران استهدفت عدداً من المراكز العسكرية في البلاد.

وكانت إيران أمام احتمال نشوب حرب كبيرة. حرب كادت تجر وراءها الولايات المتحدة خلف إسرائيل. هذا القمار كان من الممكن أن يكون ثمنه تدمير النظام الإيراني.

وقال كل من مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي في الشؤون الدولية كمال خرازي، ورئيس مجلس العلاقات الاستراتيجية الدولية عباس عراقجي، إن إيران قد تتجه إلى صنع قنبلة نووية إذا استمرت إسرائيل بتهديداتها لإيران. ووضع هذا التهديد الكبير إيران وبرنامجها النووي أمام تحد كبير.

وكانت المواجهة الأخرى التي انهمك النظام في التعامل معها هي التطورات في المنطقة. فالميليشيات المنتمية إلى إيران في اليمن وسوريا ولبنان والعراق تسببت في أزمات متعددة لبلدان المنطقة، كما شهدت إيران أزمات وتحديات أمنية في الداخل.

وشهدت البلاد هجمات نفذها “جند الله”، وإرهابيون دخلوا البلاد من الحدود الجنوبية وتسببوا في بث الرعب في البلاد من خلال هجمات انتحارية. ومن هذه الهجمات عملية انتحارية وقعت في مزار شاه جراغ في شيراز، وكذلك عملية انتحارية وقعت في الذكرى الرابعة لمقتل قاسم سليماني بواسطة أفراد قدموا أنفسهم على أنهم من منتسبي “داعش” وعملوا على استهداف الأمن في إيران.

وكان النظام الإيراني منهمكاً في التعامل مع أربع جبهات كان أخطرها ثورة مهسا أميني، وكان من الصعب للنظام أن يصمد في التعامل مع أربع جبهات في آن واحد، وكان أخطرها الجبهة الداخلية التي أعقبت مقتل أميني.

وإذا ما نظرنا إلى هذه الانتخابات التي عمل علي خامنئي على هندستها والأحداث الأخيرة نجد أن مقتل إبراهيم رئيسي والأحداث التي تلته عملت على تهدئة الوضع في الجبهات المذكورة.

ومع انتخاب مسعود بزشكيان الذي قدموه على أنه إصلاحي تمكنوا من السيطرة على الغضب الشعبي الذي كان يستهدف إسقاط النظام. الشعب الإيراني كان في الجبهة الأخطر على النظام، والمقاطعة الواسعة التي شهدناها خلال الانتخابات السابقة على رغم الدعايات الكبيرة ومشاركة محمد جواد ظريف ومحمد خاتمي ومهدي كروبي لم تجلب للنظام دعماً كبيراً.

وقد شاهدنا قلق خامنئي من النسبة القليلة للمشاركة في المرحلة الأولى من الانتخابات وقد قال بوضوح إن مكانة النظام تعود إلى نسبة المشاركة. المشاركة في الانتخابات تعني أن الشعب راض عن النظام ولا يهدف إلى إسقاطه أو المشاركة في تظاهرات.

باعوا بزشكيان للغرب والمنطقة على أنه إصلاحي

في الجبهة التي يخوضها النظام الإيراني ضد الغرب يوجد على الطاولة الملف النووي والنشاط الصاروخي للنظام، وهناك مقاطعات ضد النظام. وكانت مشاركة محمد جواد ظريف وتضخيم أدواره الداعمة لمسعود بزشكيان قد أرسلت رسائل إلى الغرب بأن الدبلوماسي المعتمد لديهم سيعود إلى الساحة قريباً.

وكانت وسائل الإعلام الغربية قد روجت لأجواء إيجابية خلال تغطيتها الانتخابات الإيرانية، كما أن انتخاب بزشكيان جلب الهدوء النسبي في المنطقة بعد إعلان وصول ما سموه إصلاحياً إلى سدة الحكم في البلاد.

وإذا ما سألتم ماذا عن حرب غزة ودعم النظام حركة “حماس”؟ يجب القول إنه خلافاً لما نسمعه من مواقف فإن استمرار حرب غزة يصب في مصلحة النظام الإيراني، إذ خلال الأشهر التسعة الماضية استطاع النظام الإيراني مساومة الغرب من خلال لقاءات مكررة مع قادة “حماس”. لكن خامنئي ومن خلال التمهيد لوصول بزشكيان إلى الحكم استطاع السيطرة على ثلاث جبهات وإيجاد هدوء نسبي بأسلوب مراوغ.

ومع الوعود الكاذبة التي أطلقها الإصلاحيون المنتمون إلى النظام وقدموها للشعب، فإنهم وعدوا بإيجاد تغييرات داخلية من أجل إشغال الناس بهذه التغييرات لكي يقنعوا المواطنين بحل بعض القضايا مثل التعامل مع “شرطة الأخلاق” وحجب الإنترنت.

وفي النهاية عمل خامنئي من خلال هندسة الانتخابات على السيطرة على المواجهات التي كان يخوضها النظام في ثلاث جبهات، والأهم من ذلك تأجيل عملية إسقاط النظام بعد ثورة أميني. وإذا ما تمعنا في الأحداث الأخيرة مثل مقتل رئيسي الذي وصفوا مقتله بـ”الاستشهاد” فإننا نجد أن النظام استطاع السيطرة على أزمة وجودية كبيرة.

لقد أتوا ببزشكيان من أجل إخماد ثلاث جبهات، أما جبهة غزة فسيعمل “الحرس الثوري” على إبقائها من أجل المساومة مع الغرب وكسب مكاسب من دون دفع ثمن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى