انتخابات الرئاسة الأميركية والحرب العدوانية على غزة
يرفض ترامب الاعتراف أن الأراضي الفلسطينية أراض محتلة، في عهد ترامب لم تعد المستوطنات مخالفة للقانون الدولي، واعترفت واشنطن بشرعية الاستيطان في انتهاك فظ لقرار مجلس الأمن الرقم 2334-2016 المناهض للاستيطان.
تحتل منطقة الشرق الأوسط مكانة هامة في السياسة الأميركية، وعبر سنوات طويلة من الصراع في المنطقة أدارت واشنطن سياستها لمصلحة إسرائيل، وما كانت الحملات الانتخابية من قبل المرشحين الرئيسيين عن الحزبين الجمهوري والديمقراطي إلا سلبية بالنسبة للقضية الفلسطينية، منذ نشأة الكيان، وقد تنافس المرشحان فيمن يقدم أكثر من أجل حماية إسرائيل والدفاع عن أمنها، من تقديم المساعدات المالية والعسكرية، وتزويدها بأحدث وسائل وتقنيات الحرب.
ترافقت انتخاب الرئيس الـ 60 للولايات المتحدة مع الحرب العدوانية على فلسطين ولبنان، وقد اختلف المحللون في تأثير نتائج الانتخابات على الحرب، كما اختلفوا في تأثير الحرب على الانتخابات، وخاصة أنها أوجدت رأياً جمعياً وحراكاً شعبياً وطلابياً وشبابياً واسعاً شاجباً ورافضاً لاستمرار مجازر اسرائيل في قطاع غزة وفي الضفة الغربية، داعياً إلى وقف الحرب العدوانية وإيجاد حل دائم للصراع.
منذ البداية لا يعول الفلسطينيون على نتائج هذه الانتخابات إلا في المقارنة بين الرئيس القادم الأكثر سوءاً من المنظور الفلسطيني، والرئيسة القادمة التي كانت جزءاً من السياسة الأميركية الراهنة، والتي أضرت بالشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، وانخرطت الولايات المتحدة في حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية الحالية، وقد عُقدت المقارنات بين من يملك سجلاً أقوى لصالح إسرائيل من بين المرشحين دونالد ترامب وكامالا هاريس، لتحديد الرئيس الأكثر إيجابية من منظور إسرائيلي.
يرى الفلسطينيون أن لفوز ترامب تداعيات خطيرة على مستقبل القضية الوطنية الفلسطينية بناء على تجربة سابقة خلال فترة رئاسته للولايات المتحدة، لقد كان سجل دونالد ترامب الذي وُصف من قبل الصحافة الأميركية بأنه «مليء بإنجازات كبيرة، رغم قِصره». سبباً من أسباب اندلاع العنف ونشوب الحروب، وإن جاءت بعد انتهاء ولايته بسنة (طوفان الأقصى)، أو ثلاث سنوات (الحرب الروسية الأوكرانية)، هل كان ترامب يتصور أن الفلسطينيين سيرغمون على قبول صفقة القرن، ويصمتون عن إنجازاته الرائعة في شطب قضيتهم الوطنية.
لقد كانت وقاحة ترامب فجة صدمت الوعي الفلسطيني، فكان لا بد من الرد، وكان طوفان الأقصى رداً على إنجازات ترامب، ومعظم إنجازات ترامب لم تتراجع عنها إدارة بايدن- هاريس، بل بنت عليها، مما صعّد التوتر واستفز المشاعر الوطنية الفلسطينية.
نعم إنجازاته كبيرة وكثيرة في أربع سنوات من حكمه، إنه لا يرى في فلسطين إلا أرضاً إسرائيلية، اعترف بمدينة القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها، وأوقف الدعم للأونروا، وأغلق مكتب منظمة التحرير، واعترف بضم إسرائيل مرتفعات الجولان، وشرعن الاستيطان، وطرح خيار السلام مقابل الازدهار، وأدرج جماعة أنصار الله اليمنية في قائمة الإرهاب الأميركية، وفاوض على اتفاقيات أبراهام، وسعى إلى ضم مزيد من الدول العربية إليها.
على المستوى الاقليمي، قرارات ترامب أيضاً رفعت منسوب التوتر بخروج واشنطن من الاتفاق النووي مع إيران وفرض عقوبات عليها، وسببت القلق تجاه حقوق الانسان بالانسحاب من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
ثم بعد ذلك يدعي آخرون أن فوز ترامب بكرسي الرئاسة سيؤدي إلى الاستقرار الإقليمي والعالمي، مستندين في ذلك إلى ما قاله ترامب: « لو كنت رئيساً لما اندلعت تلك الحرب في غزة ولبنان أبداً، وما كان ليقتل كل هؤلاء الناس، وما كان سيحدث كل هذا الدمار والكراهية وكل ما أعقب هجوم 7 أكتوبر، وكل هذه المدن والمناطق المدمرة ما كانت لتحدث، وما كان سيقع هجوم 7 أكتوبر الذي شنته حركة حماس على مستوطنات وقواعد إسرائيلية في الأساس». دون أن يبين كيف؟. كما أكد أكثر من مرة أن «إيران لم تكن لتتجرأ على الحراك لو كان رئيساً، أو تقديم المزيد من الدعم لفصائلها في المنطقة».
يرفض ترامب الاعتراف أن الأراضي الفلسطينية أراض محتلة، في عهد ترامب لم تعد المستوطنات مخالفة للقانون الدولي، واعترفت واشنطن بشرعية الاستيطان في انتهاك فظ لقرار مجلس الأمن الرقم 2334-2016 المناهض للاستيطان، ويعارض ترامب إقامة دولة فلسطينية مستقلة، ويدعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو دون انتقاد نهجه الدموي تجاه غزة.
هذا هو المرشح ترامب، فكيف يكون الحال مع المرشحة كاميلا هاريس؟. هل ستحقق الاستقرار الدولي؟. وتوقف الحروب ولا سيما في منطقتنا؟؟. وفي لبنان وفلسطين تحديداً؟. وقد شارفت حرب الإبادة الجماعية أن تنهي شهرها الأول بعد أن دخلت عامها الثاني، وبحلول يوم الانتخابات يكون قد مضى على طوفان الأقصى 396 يوماً، لقد كانت في موقع صنع القرار، نائبة للرئيس، فماذا فعلت؟. في مسألة استمرار تزويد اسرائيل بآلات القتل وقذائف الفتك والتدمير، لم تخشَ إدارة «بايدن- هاريس» أن تتهم الولايات المتحدة بالانخراط في الإبادة الجماعية التي يجمع العالم أنها تحدث في فلسطين بدعم أميركي.
هناك من يدعي أن مرشحي الرئاسة متساويان في دعم إسرائيل في حروبها العدوانية، وأن بعض الانتقادات من هاريس لإسرائيل هي عبارات جوفاء مجردة من أي التزام عملي ليس لوضع حد للهمجية الإسرائيلية، بل في إدانتها. تتحدث هاريس باستمرار عن معاناة غزة كلما ادعت دعمها لإسرائيل، وتلقي اللوم دائماً على إسرائيل بسبب «قتل الكثير من المدنيين في غزة».
أين يباع ويشترى تعاطفها مع الضحايا الفلسطينيين، وتعاطفها ينجر وراء مصالحها ومصالح واشنطن، وما جرى قي فلسطين ولبنان من مذابح وآلام، يفنده الموقف العملي المساند لإسرائيل في حرب الإبادة الجماعية، إلى الدرجة التي نعتقد معها كفلسطينيين أن ذلك ما هو إلا توزيع أدوار يهدف في نهاية المطاف إلى تصفية القضية الفلسطينية.
اقرأ أيضا| هدنة الشمال: هل ستكون لغزة «نافذة النجاة»؟
يتطرق الكاتب الأميركي آري زيفوتوفسكي إلى الحرب في غزة في مقال بعنوان الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024، متسائلاً من يملك السجل الأفضل في دعم إسرائيل، يعتقد زيفوتوفسكي الفارق بين المرشحين، أن ترامب يدعم اسرائيل دون تحفظ، وأن هاريس تدعمها أيضاً لكن ببعض التحفظات، ألهذا الفارق العظيم بينهما تصبح كامالا هاريس معارضةً لإسرائيل؟. وتصبح الانتخابات المقبلة حاسمة لمستقبل العلاقات الأمريكية الإسرائيلية.
بشأن برنامجها في الشرق الأوسط تدعو كامالا هاريس إلى وقف إطلاق النار وحل الدولتين مع حقوق متساوية لكلا الشعبين. لكنها لم تقلل من التزامها الثابت تجاه «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، والذي يعني أن الولايات المتحدة ستستمر في تزويد إسرائيل بآلات ومعدات وقنابل الفتك التي يُقتل بها الفلسطينيون، وصرحت بوضوح إنها لا تؤيد فرض حظر أسلحة على إسرائيل، وستبقى الولايات المتحدة هي الداعم العسكري والسياسي الأكبر لإسرائيل، وأنها ستحرص دوماً على أن تكون إسرائيل قادرة على الدفاع عن نفسها ضد إيران والجماعات المدعومة منها.
في موقف العرب والمسلمين الحاصلين على الجنسية الأميركية من الانتخابات الأمريكية المُقبلة، هو موقف نابع من تأثير نتائجها على الحرب العدوانية على غزة. لا يتوقع العرب والمسلمون هناك أي تغيير في الموقف الأميركي الرسمي المعادي للقضايا العربية، وفي مقدمتها قضية فلسطين، والرئيس القادم إن كان ترامب أو هاريس، أي منهما لن ينصف الفلسطينيين، ولو في بعض من العدالة ونصرة الحقوق الفلسطينية المشروعة، فالتجربة المريرة لا تشير فقط إلى دعم أميركي مطلق لإسرائيل في عدوانها الوحشي وفي التغطية السياسية عليه، والإفلات من العقاب، بل الولايات المتحدة منخرطة في العدوان الإجرامي على شعبنا، بل هي من تقود حرب الإبادة الجماعية في فلسطين ولبنان.
بعض العرب والمسلمين الأميركيين يدعي أن كامالا هاريس أظهرت «تعاطفاً» أكبر مع غزة، وستواصل العمل من أجل حماية المدنيين في غزة. هذه التصريحات المتعاطفة مع مآسي غزة تأتي في إطار الحديث عن ولاية ميتشغان ــــــ وهي إحدى الولايات السبع التي ستحسم السباق إلى البيت الأبيض ـــــ في الرهان على الصوت العربي والاسلامي، الغاضب من الدعم الأميركي المطلق للحرب العدوانية على فلسطين ولبنان، وبناء على هذه التقييمات لا يرغب معظم الأميركيين العرب والمسلمين في الولايات المتحدة في المشاركة في الانتخابات، لا لهذا المرشح ولا لتلك المرشحة. وخلال تجمع انتخابي قاطع نشطاء مؤيدون للفلسطينيين هاريس، وهم يهتفون: لن نصوت لإبادة جماعية!. فردّت: «إذا كنتم تريدون أن يفوز دونالد ترامب، فاستمروا في قول ذلك. وإلا فدعوني أتحدث»، إن صوّت أحد منهم لهاريس فلأن منافسها هو ترامب المرشح المتطرف.