اليمن ينقل المعركة إلى مرحلة جديدة من التصعيد
الخطوة اليمنية ذات البعد الإستراتيجي، توحي بأن المحور قرر قلب الطاولة، ورفع درجة المعركة الإسنادية لقطاع غزة شعباً ومقاومة،والذي سيشكل التحدي الأخطر لأمريكا، في كيفية التعاطي مع هذه الخطوة الإستراتيجية
يبدو أن القرار الذي اتخذ بنقل المعركة في البحر الأحمر ، من قبل اليمن،جماعة ” أنصار الله” إلى المحيط الهندي، بإستهداف السفن التي تنقل البضائع إلى إسرائيل، عبر مرورها من المحيط الهندي بإتجاه رأس الرجاء الصالح، هذا القرار الذي يذهب بالتحدي اليمني الى منطقة جغرافية أبعد من مدى اليمن الإقليمي.
ومثل هذا القرار الذي يشكل تحدي استراتيجي للهيمنة الأمريكية على البحار والمحيطات،ربما يكون جرى اتخاذه على مستوى المحور ،في ظل استمرار الحرب المشتركة “الإسرائيلية” – الأمريكية على قطاع غزة ،حيث كان من المتوقع ان تقوم ” اسرائيل” بخطوة استباقية بشن حربها البرية على رفح أو شن حرب عدوانية على لبنان.
ولكن هذه الخطوة اليمنية ذات البعد الإستراتيجي، توحي بأن المحور قرر قلب الطاولة، ورفع درجة المعركة الإسنادية لقطاع غزة شعباً ومقاومة،والذي سيشكل التحدي الأخطر لأمريكا، في كيفية التعاطي مع هذه الخطوة الإستراتيجية، وكذلك فهي تغلق كامل الشرق أمام التجارة ” الإسرائيلية”.
الأمريكي الذي كان يعتقد بأنه بتشكيله لحلف ما يعرف ب ” حامي الإزدهار” بوصفه وبحلف “الخراب والدمار” بلغة جماعة ” أنصار الله” ، فإنه قد يردع اليمن عن الإستمرار في منع السفن التي تحمل البضائع الى “اسرائيل” من المرور عبر البحر الأحمر،وامريكا شكلت هذا الحلف الذي لم ينضم اليه سوى عدد من الدول،أغلبها من الأنجلوسكسوينة، وفي مقدمتها بريطانيا،وجزيرتين ترفعان اعلام دول،هما البحرين وسيشل.
في حين أحجمت عن المشاركة في هذا الحلف،دول خليجية مثل السعودية والإمارات،وقالت بأن ما يجري في البحر الأحمر مرتبط بالحرب العدوانية التي تشن على قطاع غزة، وبررت أمريكا تشكيلها لهذا الحلف من أجل ضمان حرية الملاحة البحرية في البحر الأحمر،تلك الحرية التي أكدت عليها اليمن ،جماعة” انصار الله”، بأنها مكفولة لكل سفن دول العالم،ما عدا السفن التي تنقل البضائع الى ” اسرائيل” ،او السفن المرتبطة بانشطة مع “اسرائيل”،وأمريكا شكلت حلفها هذا للدفاع عن المصالح ” الإسرائيلية واقتصادها،وعن المصالح الأمريكية والبريطانية،ولعل عسكرتها للبحر الأحمر،هي التي تشكل الخطر على حرية الملاحة البحرية في البحر الأحمر.
أمريكا وبريطانيا منذ تشكيل هذا الحلف تواصلان شن غارات على المدن والموانيء اليمنية،من أجل ردع اليمن عن الإستمرار في منعه للسفن التي تحمل البضائع الى ” اسرائيل” من المرور في البحر الأحمر،ولكن تلك الغارات التي اوقعت حتى الان اكثر من 34 شهيداً يمنياً على طريق إسناد شعب فلسطين ومقاومته ،من أجل وقف العدوان ” الإسرائيلي” المستمر عليها،والسماح بدخول المساعدات الإنسانية الى القطاع بشكل كاف،حيث الموت والجوع والمجاعة والمرض والأوبئة، بسبب نقص الغذاء،وعدم السماح بدخول المساعدات الإنسانية غذائية وطبية بشكل كاف،والحل لا يمكن بإدخال تلك المساعدات من خلال الإنزالات الجوية الكرتونية، ولا الرصيف البحري ،بل يجب فتح كل المعابر البرية وفي المقدمة منها ،معبر رفح البري .
رد اليمن على هذا التصعيد الأمريكي البريطاني، بتوسيع دائرة الإستهداف للسفن،ولتشمل الى جانب ” الإسرائيلية” او المرتبطة بانشطة واعمال مع ” اسرائيل” ،بإستهداف السفن الأمريكية والبريطانية،وكذلك البوارج والمدمرات الأمريكية،والرسالة اليمنية هنا واضحة، بأن غاراتكم المستمرة على اليمن بمدنه وموانئه، لن تثني اليمن عن القيام بواجبه الديني والعقدي والأخلاقي والوطني بلغة القائد العام لجماعة ” انصار الله” عبد المالك الحوثي، حيث قال أنّ “المعركة مستمرة، وليس من الدين ولا الوفاء ولا الشهامة ولا الرجولة طرح الرايات، أو إخلاء الساحات، أو تجاهل مأساة الشعب الفلسطيني”،مؤكّداً أنّ “ضميرنا الإنساني، وديننا، وأخلاقنا، وكرامتنا، وعزتنا، وانتماءنا إلى الإسلام، تحرِّم علينا أن نتفرّج على مظلومية فلسطين، أو أن نسكت عن ذلك”.
والسيد الحوثي أكد أمس الخميس 14/3/2024 ،في كلمته بأن جماعة “أنصار الله” بأنها ستوسع عملياتها الى اماكن لا يتوقعها الأعداء، ولديه الكثير من المفاجات ،وأشار الى أن عدد العمليات التي نفذتها تلك الجماعة 73 عملية حتى الان شملت سفن وبوارج أمريكية وبريطانية،وأن الأمريكي نفذ خلال الأسبوع الماضي 35 عملية قصف وغارات على مواقع واهداف يمنية ،لم يكن لها تأثير فعال على مواقف وقدرات جماعة ” أنصار الله” في حربها الإسنادية لقطاع غزة.
وكذلك كان الزخم الشعبي عبر المسيرات والمظاهرات المليونية مستمراً وموازياً للعمل العسكري .
الإستهداف العسكري للسفن والبوارج الأمريكية والبريطانية ومن قبلها السفن ” الإسرائيلية” ،او المرتبطة بها بأعمال وأشغال، كان لها تأثيرات كبيرة على الإقتصاد ” الإسرائيلي”،الذي يعاني من أزمات عميقة نتيجة الحرب العدوانية المستمرة على قطاع غزة، وما نتج عنها من تداعيات،حيث قطاعات إقتصادية كاملة توقفت عن العمل والإنتاج، السياحة والصناعة ” الهايتك” والزراعة والبناء، والعمل بطاقة إنتاجية منخفضة لقطاعات ومؤسسات أخرى، ناهيك عن أن 30 ألف مؤسسة صغيرة ومتوسطة أغلقت،ناهيك عن ارتفاع نسبة البطالة والتضخم،وهروب رؤوس الأموال والإحجام عن الإستثمار، وانخفاض قيمة الشيكل وانهيارات في البورصة،وتخفيض التصنيف الإئتماني للإقتصاد “الإسرائيلي”،وكذلك الأعباء المالية الكبيرة للمستوطنين الذين جرى تهجيرهم من شمال وجنوب فلسطين.
اليمن خلق معادلة جديدة في البحر الأحمر،تلك المعادلة قالت بأن كلمة اليمن في البحر الأحمر موازية لكلمة أمريكا،والتي لم تعد قادرة على الردع ولا التعطيل ولا شن حرب شاملة على اليمن، وبالتالي هذه المعادلة، تركت تأثيراتها على الإقتصاد ” الإسرائيلي” ،من حيث رفع تكلفة عمليات الشحن بسبب الدوران حول رأس الرجاء الصالح، ورفع رسوم التأمين على تلك السفن،وهذا يعني بأن الأسعار بالنسبة للمستهلك “الإسرائيلي” سترتفع، ناهيك عن تقطع سلسلة التوريدات للطاقة،ولعل التاُثير الأكبر كان على ميناء إيلات ” ام الرشراش”، كميناء اقتصادي وسياحي،حيث تعطل هذا الميناء بنسبة 90% ،وكذلك مينائي اسدود وحيفا،حيث انخفضت نسبة التجارة ب 30% على الأٌقل.
القرار اليمني بالذهاب بهذه المعركة الى مدايات ابعد من حدود جغرافيا اليمن الإقليمية، هذا التحوّل بما يحمله من عناوين للتحدّي مع الهيمنة الأميركية على مساحة أبعد من المدى الوطني اليمني، يضع الأميركي أمام استحقاقات صعبة، حيث الخيارات بين الذهاب لحرب كبرى لم يكد الأميركي يخرج من أقل منها خطورة في أفغانستان تجنّباً للخسائر، وبين التعايش مع حرب استنزاف تُسقط هيبته وصورة الردع التي يحرص عليها، أو الذهاب للإسراع بالخطوات التي يملك القدرة عليها والتي تضمن نهاية العدوان والحصار على غزة.
الحرب على قطاع غزة والجبهات الإسنادية التي تصر على القيام بدورها في الوقوف الى جانب قطاع غزة،بتفعيل جبهاتها ورفع وتيرة عملياتها، تؤكد بأن المعركة تدور على الوقت،وهي كذلك معركة عض أصابع،وهي لا تقارب مسؤولياتها بصورة دفاعية،أي الإكتفاء بالتحمل وإنتظار النتائج، بل يقدم كما يفعل اليمن على استثمار الوقت بتصعيد العمليات لزيادة الإحراج أمام جبهة الاعداء التي يقودها الأميركي، بتضييق الاحتمالات أمامه، بما في ذلك من مخاطر وتحمل التضحيات.
ختاماً نقول بأن جماعة “أنصار الله” كانت مفاجأة هذه الحرب وقيمتها المضافة وستصنع التحولات الكبرى فيها.