من ضمن المقالات التي نشرتها مؤخرا جاءت مقالات بهذه العنوانين (دروس غالية من الحرب السودانية العبثية)، (من الرابح في الحرب)، ) الواجب السوداني بعد الحرب (،)دعوة لإطفاء نار الفتنة القبلية وعدم تفكيك السودان(، (لماذا لا يتفق السودانيون)،)لماذا يقتتل السودانيون عند الخلاف (، (دعوة للتوصل للتراضي الوطني(، )التوافقية هي مفتاح خروج السودان من عنق الازمة) ، وغيرها من المقالات. وكنت آمل أن أجد تعاضد مع دعوتي تلك من الكثير من الكتاب والمثقفين وحملة الفكر والراي بل ومن عامة الشعب.
لكني فوجئت من خلال قراءاتي لكثير مما يكتب وينشر في وسائل الاعلام والصحف الورقية والالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي عن ، لوجود غالبية من الناشرين وخاصة أصحاب الأصوات العالية منهم باتخاذهم أحد الموقفين إما مناصرة كاملة للجيش او مشروطة او مناصرة كاملة لقوات الدعم السريع بدعاوى واهية مثل التهميش!!!
والذي استغربت له، ان كلا من الطرفين لا يرفعون شعار لا للحرب او اوقفوا الحرب، لأن كل منهما ينطلق من فرضية ضرورة القضاء تماما على الاخر او اضعافه حتى “تركيعه”.
هذا المقال مواصلة لمقالاتي السابقة بضرورة استكشاف المستقبل القريب لما بعد الحرب واستشراف المستقبل على المدى المتوسط والبعيد. لأنه من المؤكد ان الحرب ستقف يوما ما على اي حال ولو بعد “خراب مالطة”!!! وهنا يأتي السؤال ثم ماذا بعد!!!
الذي علينا الان، هو ضرورة إدراك أسباب تلك الحرب والعمل على الا تتكرر مرة أخرى بأي حال من الاحوال ، ولأي سبب كان، وإخماد صوت السلاح الحربي للأبد ماعدا للدفاع عن السودان ضد العدوان الخارجي.
إن الحروب السودانية لم تتوقف خلال قرابة قرن من الزمان الا ريثما تأخذ الاطراف المتحاربة نفسها وتعيد بناء قدراتها ومن ثم تشعل الحرب من جديد!!! فماذا استفاد الشعب او الشعوب السودانية من تلك الحروب سوى مزيد من الدمار والتخلف.
لذلك يفترض ان تتكون لدى الشعب بكل أطيافه كراهية للحروب وكل ما يؤدي اليها من طرق وعوامل وخاصة أنهم من يحترقون بنارها بينما تجار الحرب والقادة يجنون مزيد من المال والسلطة!!!
يأتي هذا المقال للتذكير بضرورة ايقاف الحرب نهائيا والجلوس على الأرض او حول مائدة الحوار لكل افراد الشعب السوداني ومراجعة كل ذلك الفشل في التخطيط او اللا تخطيط الذي ادى لتلك الحروب.
ثم بصورة أكثر عملية وواقعية، هناك سؤال يفرض نفسه ماذا تعلم الشعب السوداني وقادته من هذه الحرب اللعينة الدائرة منذ عام الان، وماهي خطتهم الاسعافية على المدى القريب والبعيد للنهوض بالسودان بعد كل هذا الاحتراب والخراب الذي أدى لمزيد من تهتك النسيج الاجتماعي ان لم نقل ازدياد “الاستقطاب العرقي” وظهور بوادر لحرب أهلية في الأفق!!!
أود هنا، المساهمة في العصف الذهني الحتمي لإيجاد آلية لحل دائم مستلهما التجرية المريرة التي مرت بها دولة رواندا وأدت لمجازر بشعة قتل فيها ما يقارب المليون مواطن معظمهم من القبيلتين المتحاربتين أي قبيلة التوتسي “مزارعين” وقبيلة الهوتو “رعاة”!!! وهو أمر يذكرنا ببدايات الصراع في دارفور الحبيبة!!!
من المؤكد ان وصول الشعب لقناعة بأنه هو وقود الحرب وان تجار الحرب والاستبدادين ومن وراءهم إقليميا او دوليا لا دين لهم سوى السلطة والجاه، وان أخفوا الحرب وراء صراعات لأسباب أيدلوجية أو عقائدية أو فكرية أو سياسية. إذن الوصول لتلك القناعة الشعبية تعني أو ما تعني رفض الحرب بين مواطني البلد الواحد كمبدأ وطني، ومن باب أحرى الان، الدعوة لوقف الحرب الان. تلك القناعة تقود لبدء التسامح والبحث عن توافقية بين مكونات الشعب، وهي بداية للبحث عن التعايش السلمي والتعاون، وهو دليل على ارتفاع مستوى الوعي يضرروه إيجاد مصالحة وطنية وصولا للوحدة الوطنية.
يجب على الشعب الوصول الى قناعة بأنه موهل وقادر على اختيار قياداته من بين أبنائه الوطنيين وأنه ليس لقائد عسكري او حاكم مدني متسلط أن يقرر نيابة عنه او غصبا عنه بقوة الحديد والنار والأجهزة الأمنية.
كما يجب على الشعب السوداني أن يسعي لإيجاد حكم مدني مع تداول سلمي للسلطة، وذلك من خلال مؤتمرات قاعدية على نطاق الاحياء والقرى يقوم الشعب قيها بتصعيد من يمثلونه من لجان الأحياء وصولا الى المجلس الوطني، ومن ثم يتم تشكيل حكومة كفاءات مدنية. تقوم تلك الحكومة بوضع دستور يصوت عليه الشعب بالقبول او الرفض، ومن اهم ميادي ذلك الدستور المساواة والعدالة بين ابناء الوطن بدون أي تمييز اثني او سياسي او ديني او غيره، مما يعني رفض أي محاصصات فيها تمييز سلبي او إيجابي لفئة من مكونات الشعب.
على تلك الحكومة القيام بالإصلاحات الضرورية العاجلة وأهمها ادماج كل الحركات المسلحة في قوة نظامية واحدة وإعادة تأهيليهم بعقيدة عسكرية وطنية صرفة، ثم العمل على عودة اللاجئين والنازحين لمناطقهم مع وجود دعم اقتصادي لهم يمكنهم من العودة للعمل والإنتاج، كما تقوم تلك الحكومة بتقوية الصف الوطني من خلال برامج “تأهيل وطني” عبر المناهج الدراسية في كل المستويات، وخطب المساجد والأجهزة الإعلامية كالتلفاز والراديو والمسارح ووسائل التواصل الاجتماعي وذلك بنشر ثقافة التسامح واحترام الاخر، و”فضائل الوحدة الوطنية”، وان ” الوحدة الوطنية والمصالحة ليست بدبلا للحرب بل هي الخيار الوحيد للبقاء”.