الهوس النووي الإيراني وتدهور الاقتصاد
الضرر الاقتصادي يمتد إلى ما هو أبعد من قطاعات محدودة، حيث أدت العقوبات بالاضافة الى سوء الإدارة، إلى زيادة التضخم، التي تضاعفت معدلاته مقارنةً بالعقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
بين الفترة والأخرى، يدلي القادة والمسؤولون في النظام الإيراني بتصريحات تطمينية تشير إلى أن الأوضاع الاقتصادية تسير نحو التحسن، أو هي سائرة فعلاً نحوه، وأن خطط ومؤامرات الأعداء ستتغير تبعاً لذلك، وسوف تبوء بالفشل. هذه التصريحات، التي تقوم وسائل الإعلام بإضفاء الکثير من “الرتوشات” عليها بحيث تجعل الأوضاع وکأنها قاب قوسين أو أدنى من التغيير باتجاه الأفضل، ليس لها أي صدى أو انعکاس إيجابي في قلوب ونفوس الشعب الذي سمع الکثير مما يماثلها، ولم تکن في نهاية الأمر سوى هواء في شبك.
الأوضاع العامة في إيران، والتي تخضع بصورة أو أخرى للأوضاع الاقتصادية التي ترسم مساراتها وخطوطها العامة، لا زالت سيئة، وليس هناك ما يبعث على الثقة بتحسنها، ولو بشکل طفيف، خصوصاً عندما نتمعن بما أفاد به صندوق النقد الدولي من انخفاض مذهل في احتياطي إيران من النقد الأجنبي (من 125 مليار دولار في عام 2018 إلى أربعة مليارات دولار في عام 2020).
وقد انخفضت مبيعات النفط، المصدر الحيوي للدخل، بمتوسط مليوني برميل يومياً، في ظل عدم القدرة على تصدير الغاز الطبيعي المسال، الأمر الذي يترجم بخسارة مذهلة في الإيرادات بقيمة 400 مليار دولار سنوياً. هذه الحقائق تجعل تصريحات التطمين والتبشير بالخير تنفجر کفقاعات أمام هذه الأرقام الدامغة.
وبطبيعة الحال، فإنَّ التطمينات الأخيرة للمرشد العام للنظام، والمتعلقة بالأوضاع الاقتصادية، والتي أدلى بها بمناسبة عيد النوروز قبل بضعة أيام، لو وضعناها قبالة توقعات بخصوص خطط التنمية الخاصة، والتي کانت تشير إلى أن صناعة البتروكيماويات ستدر أكثر من 40 مليار دولار بحلول عام 2022، لرأينا أن الواقع يرسم صورة قاتمة. وحتى مع الأخذ في الاعتبار الأرقام المضخمة وتكلفة التهرب من العقوبات، فإن أرباح الصناعة لعام 2023 تقدر بنحو 23 مليار دولار فقط.
وتعاني صناعة الحديد والصلب من خسائر مماثلة، حيث تقدر الخسائر بما يقرب من 400 مليون دولار من عائدات التصدير في عام 2022 وحده. لهذا، فإن تطمينات خامنئي تبدو وکأنها مجرد تخمينات نظرية بحتة لاتستند على أي أسس من الواقع.
کما أنَّ الضرر الاقتصادي يمتد إلى ما هو أبعد من قطاعات محدودة، حيث أدت العقوبات بالاضافة الى سوء الإدارة، إلى زيادة التضخم، التي تضاعفت معدلاته مقارنةً بالعقد الأول من القرن الحادي والعشرين. هذا يترجم إلى خسائر مذهلة مرتبطة بالتضخم بلغت 2 تريليون دولار على مدى العقدين الماضيين. وعندما يقترن هذا الضرر بالعائدات المفقودة من النفط والغاز وغيرها من القطاعات، فإن الأضرار الإجمالية تصل إلى أربعة تريليونات دولار أميركي، حتى في أكثر التقديرات تفاؤلاً.
وبنفس السياق، فقد فشلت المليارات التي تدفقت على محطة بوشهر للطاقة النووية، والتي تم بناؤها بمساعدة روسية، في تحقيق أهدافها. ولا يزال نقص الغاز والكهرباء يشكل تهديداً مستمراً، مما يؤدي إلى شلل الصناعات وتأثيره على الأسر على حد سواء.
داود منظور، رئيس هيئة التخطيط والميزانية التابعة للنظام، يرسم صورة قاتمة، حيث يبلغ إجمالي ميزانية التنمية في إيران خمسة مليارات دولار فقط. ووفقاً لتقديرات الدكتور حسين صلاح ورزي، الرئيس السابق لغرفة التجارة الإيرانية، فإنَّ التكلفة المباشرة للعقوبات على مدى 12 عاماً الماضية بلغت نحو 1.21 تريليون دولار أميركي، في متوسط سنوي يتجاوز 100 مليار دولار أميركي، تم سلبها من الإيرانيين العاديين. وهذا ما يمکن عکسه کحقيقة مروعة: الأضرار التي تسببها العقوبات تزيد عن عشرين ضعف ميزانية التنمية السنوية للبلاد، وتتجاوز ميزانية التنمية الكلية لإيران على مدار 240 عاماً الماضية! لقد أدى الهوس النووي للنظام إلى إهدار ما يعادل موارد التنمية الإيرانية منذ العهد الصفوي.