النيجر وأمريكا.. تغيير البوصلة يدهس «إرث الغرب»
في كل أزمة رابح وخاسر، وعقب انقلاب النيجر باتت الدولة الواقعة في منطقة الساحل جزءا من استراتيجية صراع النفوذ الدولي بين الغرب وفرنسا والولايات المتحدة تحديدا من جهة، وروسيا من جهة أخرى.
إلا أنه منذ انقلاب يوليو/تموز الماضي، تغيرت البوصلة حيث يواصل النظام العسكري في النيجر خطواته في التخلص من الوجود الغربي بالبلاد، في قرارات عدها محللون “تعزز من وجود المعسكر الشرقي ودهس إرث الغرب الاستعماري”.
وفي تطور لافت، قرر المجلس الحاكم إلغاء التعاون العسكري مع الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أسابيع من طرد السفير والقوات الفرنسية من البلاد ردا على تصرفات فرنسا، “التي تتعارض مع مصالح النيجر”.
مخطط واحد
وعن مآلات القرار على البلد الأفريقي الذي يشهد تحولات كبيرة بعد الانقلاب، قال مدير جامعة المغيلي الأهلية الدولية بالنيجر، عبدالمهيمن محمد الأمين، إن مالي وبوركينا فاسو والنيجر تسير على نهج واحد بعد الانقلابات العسكرية التي حدثت فيها.
وأضاف الأمين في حديثه : “نلاحظ أن النيجر كأنها تسير بنفس الخطوات التي كانت تسير عليها مالي وبوركينا فاسو من قبل”، مؤكدا أن هناك تشابها في استراتيجية الدول الثلاث حتى الآن فيما يتعلق بالعلاقة مع فرنسا والدول الغربية الكبرى.
الدول الثلاث، وفق الأمين، تريد أن “تغادر الكتلة الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا، إلى الكتلة التي تتزعمها روسيا”، لافتا إلى أن كل الخطوات تتسارع من أجل الانفصال عن الأصدقاء القدامى لتوطيد علاقات جديدة مع روسيا.
وعن أسباب القرار، أوضح أن “الذي دفع النيجر لمثل هذه الخطوات أن وجود القوات الفرنسية أو الأمريكية لم يغير شيئا على أرض الواقع، فنشاط الحركات الإرهابية وتهريب الأسلحة والمخدرات كما هو، ولم يتم مكافحتها بوجود هذه القوات الأجنبية، القوات الأمريكية لم تفعل شيئا هي الأخرى، وأن هذا من الأسباب الأساسية التي ربما جعلت العسكر توقف تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة”.
وأكد أنها “خطوة مهمة من أجل كسب الشعب النيجري والشعوب الأفريقية التي أصبح لديها نوع من التوجه نحو محاولة التحرر الحقيقي من الاستعمار، الأفارقة يرون أن هناك تحررا صوريا من الاستعمار، وأن الاستعمار ما زال موجودا بكل أشكاله السياسي والاقتصادي والأمني”.
وأشار إلى أن “أمريكا وفرنسا والدول الغربية استراتيجيتها مع القارة الأفريقية لم تتغير، وفي أفريقيا باتوا يرون أنه لا بد من التخلص من العلاقات معها من أجل بناء علاقات جديدة، وكذلك محاولة الاعتماد على الذات”.
الدول الأفريقية الآن وعلى رأسها النيجر، بحسب الأمين، “تحاول أن تعتمد على ذاتها، وأن تستثمر الأشياء الموجودة لديها من أجل أن تبني اقتصاديات وسياسات جيدة وأمن جيد”، مشيرا إلى أن الدول الأفريقية ترى أن “روسيا قد تكون بديلا أفضل، يرون أن العلاقة مع روسيا ستكون علاقة منافع وتبادل صفقات بغض النظر عن أن موسكو ستتدخل في السياسات الداخلية لهذه الدول”.
خطوة متوقعة
بدوره، قال الباحث السوداني في الشأن الأفريقي، محمد تورشين، إن “قرار إنهاء التعاون العسكري مع أمريكا هو خطوة متوقعة”.
وأضاف تورشين لـ”العين الإخبارية” أن المجلس العسكري ألغى من قبل الشراكة مع فرنسا، باعتبارها القوة الاستعمارية التي لديها نفوذ لا بأس به في النيجر، مضيفا أن هذا النفوذ ترسخ وتعزز إبان حكم محمدو يوسفو ومن بعده محمد بازوم، وأصبحت النيجر محورا مهما جدا في الاستراتيجيات والخطط الفرنسية، والمرتبطة بتمكين وتعزيز نفوذها في الساحل الأفريقي ووسط أفريقيا سواء كانت من أجل استمرار النفوذ الفرنسي أو من أجل مكافحة الجماعات الإرهابية.
وتابع: “عندما ألغى المجلس العسكري في النيجر اتفاقه مع فرنسا، كنت أتوقع أن يلغيها أيضا مع أمريكا”، لافتا إلى أن “المجلس العسكري يستخدم الكثير من أوراق الضغط والكروت الأخرى من أجل المناورة”.
وأكد أن “هذه المناورة يسعى من خلالها دوما أن يحقق المجلس العسكري أكبر قدر ممكن من المكاسب مع الأخذ في الاعتبار أن المجلس كان يرغب في علاقة جيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية، لكن هذه العلاقة يجب أن تكون خالية من المؤثرات والضغوط”.
ومضى قائلا “بمعنى ألا تفرض الولايات المتحدة على المجلس العسكري أي شكل من أشكال الوصاية، سواء كان الأطراف التي يجب أن بتعامل معها، روسيا أو إيران أو أي دولة أخرى”، معتبرا أن هذه المسألة مرفوضة من حيث المبدأ من قبل المجلس العسكري بالنيجر.
ولفت إلى أن “المجلس كان يأمل في التعامل مع الولايات المتحدة مثلها مثل أي دولة أخرى، لكن الولايات المتحدة حاولت أن تفرض أجندتها، الأمر الذي استدعى خروج المجلس العسكري من التكتيك أو التعاون الذي اتخذه مع الولايات المتحدة وقرر قطع العلاقة”.
وهذا يعني، وفق تورشين، أن “هناك آمالا مرتبطة بالمجلس العسكري بالنيجر بأن يستخدم سياسة أكثر توازنا بشكل أفضل مما تم توظيفه واستخدامه في بوركينا فاسو ومالي باعتبار أنهما منذ الوهلة الأولى تعاونتا بشكل مطلق مع روسيا والبلدان التي لديها رؤية لإعادة صياغة النظام العالمي الجديد بشكل أفضل”.
وأوضح أن النظام النيجري بهذه الخطوة قطع كل أواصر التواصل مع المجتمع الغربي سواء بخروج فرنسا أو ألمانيا أو الولايات المتحدة، وربما يجعل ذلك المجلس العسكري يتعامل بشكل أكثر رسوخا ومتانة مع الجانب الروسي والإيراني”، مشيرا إلى أن “هناك تقارير تتحدث عن عقد صفقة مع شركات إيرانية من أجل استخراج اليورانيوم وغيره”، متوقعا أن “هذا الأمر سيجعل التغيرات في دول الساحل وغرب أفريقيا تسير بشكل دراماتيكي، وأن هذا سيكون له أثره في إعادة تشكيل التحالفات الدولية”.
جناح موسكو
من جانبه، اعتبر محمد أغ اسماعيل، أستاذ العلوم السياسية بجامعة موناكو بمالي، أن “إلغاء النيجر للاتفاق العسكري مع واشنطن، يدل على سيطرة جناح موسكو داخل القيادة العسكرية الانقلابية في البلاد، ومدى تعزيز نفوذ التحالف العسكري الثلاثي في الساحل الأفريقي ضد المصالح الغربية في المنطقة”.
وقال إسماعيل، في حديثه لـ “العين الإخبارية”: “القرار خطوة متوقعة منذ تأسيس تحالف دول الساحل بزعامة مالي، ويمثل تأكيدا للتغيرات الجيوسياسية في أفريقيا ضمن العمل على تشكيل نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب”.
وأشار إلى أن “القرار يأتي بعد الإعلان منذ أيام بالعاصمة النيجرية “نيامي” عن تشكيل قوة عسكرية مشتركة بين الدول الثلاث لمكافحة الإرهاب، وذلك في الإجتماع الذي جمع القيادات العسكرية لكل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر، لافتا إلى أن ذلك يتزامن أيضا مع “تقارير تشير إلى نية الكرملين في إقامة قاعدة عسكرية في منطقة ليبتاكو غورما المشتركة بين الدول الثلاث”.
إلغاء الاتفاق
ومساء السبت، قرر المجلس العسكري الحاكم في النيجر إلغاء اتفاق التعاون العسكري مع الولايات المتحدة المبرم بين البلدين في 2012.
واعتبر المتحدث باسم الحكومة النيجرية، أن هذا الاتفاق “مُجحف”، وقد “فرضته أحاديا” واشنطن، وكانت الولايات المتحدة قد علقت تعاونها مع النيجر بعد الانقلاب الذي أطاح بـ رئيس البلاد محمد بازوم.
في المقابل، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر عبر منصة إكس إن واشنطن أخذت علما ببيان النظام العسكري في نيامي وإنه جاء بعد مناقشات صريحة بشأن مخاوفنا حيال “مسار” المجلس العسكري.
وأضاف أن الولايات المتحدة ما زالت على اتصال مع المجلس العسكري وستقدم معلومات جديدة “عند الاقتضاء”.
وتنشر أمريكا نحو 1100 جندي يشاركون في القتال ضد التنظيمات الإرهابية في البلاد ولديها قاعدة كبيرة للمسيرات في أغاديز (شمال)، وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعربت عن استعدادها لاستئناف هذا التعاون بشروط.
تفاصيل وتطورات
وتأتي هذه الخطوة بُعيد مغادرة وفد أمريكي برئاسة مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية “مولي في” لنيامي، حيث لم يتمكن الوفد الأمريكي الذي بقي في العاصمة النيجرية ثلاثة أيام من لقاء الجنرال عبدالرحمن تشياني قائد النظام العسكري، وفق مصدر حكومي نيجري.
والسبت، قال تشياني إن “الوفد الأمريكي لم يحترم الأعراف الدبلوماسية”، مضيفا أن الحكومة الأمريكية أبلغت نيامي “من جانب واحد” بموعد وصولها وبتشكيلة وفدها.
كما أدان “الموقف المُتعالي” لرئيسة الوفد “مولي في”، وهو “موقف من شأنه أن يُقوض طبيعة” العلاقات بين البلدين، على حد قوله.