النورماندي.. جرس إنذار لأميركا وقادة أوروبا
حرب أوكرانيا أتاحت لبايدن أن يوحّد صفوف حلف شمال الأطلسي، وأكّدت لأوروبا أن الولايات المتحدة، التي قادت الحلفاء قبل 80 عاماً في النورماندي.
بينما كان الرئيس الأميركي جو بايدن يستذكر في النورماندي إنزال الحلفاء الذي نفّذه نحو 150 ألف جندي حملتهم نحو 7 آلاف سفينة، من المؤكّد أنه تذكّر أن العالم يقف مجدداً على شفير حرب عالمية ثالثة.
تدير الولايات المتحدة حربين في آن: أوكرانيا وغزة، من دون أن تكون قادرة على إيقافهما، رغم أن أياً منهما قد تُشعل حريقاً أكبر ولن تكون أميركا بمنأى عنه.
منذ أكثر من عامين، يسعى بايدن إلى إلحاق الهزيمة بروسيا في أوكرانيا، من دون التورط مباشرة في الحرب. في أواخر 2022، بدا أن الاستراتيجية التي اعتمدها البيت الأبيض في أوكرانيا تؤتي ثمارها، وغطّت نوعاً ما على الانسحاب الفوضوي من أفغانستان في آب (أغسطس) 2021، الذي أعاد السلطة إلى “طالبان” بعد 20 عاماً من الاحتلال الأميركي، وتُوّج بمقتل 13 جندياً من المارينز قرب مطار كابول.
حرب أوكرانيا أتاحت لبايدن أن يوحّد صفوف حلف شمال الأطلسي، وأكّدت لأوروبا أن الولايات المتحدة، التي قادت الحلفاء قبل 80 عاماً في النورماندي، هي نفسها التي تضطلع بدور قيادي في مواجهة روسيا بعد هجوم الأخيرة على أوكرانيا في 24 شباط (فبراير) 2022.
لا تنتهي المسألة هنا. روسيا تمكنت من استعادة الزمام في أوكرانيا عقب الهجوم الأوكراني الفاشل قبل عام من الآن. وتملك روسيا تفوقاً في العديد والعتاد، ورمّمت جزءاً مهمّاً من جيشها الذي تعرّض لهزائم مريرة في الأشهر الأولى من الهجوم.
ومنذ آذار (مارس)، أطلقت روسيا هجوماً على منطقة خاركيف في شمال شرقي البلاد، وهجوماً آخر على منطقة دونيتسك في الشرق، بالتزامن مع هجمات محدودة في الجنوب. توغّل الجيش الروسي في قرى عدة حول خاركيف، وهدفه وضع ثاني كبريات المدن الأوكرانية في مرمى المدفعية الروسية، وكاد يحقق ذلك.
هذه الدينامية الروسية في الميدان، تزامنت مع تجميد المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا بضعة أشهر بسبب خلافات حزبية في الكونغرس. واستطاع بايدن أخيراً وبشق الأنفس إقناع الجمهوريين بالإفراج عن 61 مليار دولار من المساعدات لكييف. ومع ذلك، فإن كييف تطالب بإلحاح بأن يُسمح لها باستخدام الأسلحة الأميركية لضرب أهداف في الداخل الروسي.
حتى الأسبوع الماضي، كان هذا الأمر محظوراً تجاوزه. لكن الضغط الأوروبي على البيت الأبيض حمل بايدن على السماح للجيش الأوكراني في منطقة خاركيف فقط بقصف أهداف داخل روسيا بصواريخ “أتاكمز” الأميركية، بعدما كانت فرنسا وبريطانيا قد سمحتا لأوكرانيا باستخدام الصواريخ البعيدة المدى التي أرسلتاها إلى كييف، لقصف أي هدف في أي منطقة داخل روسيا. وحذت ألمانيا حذوهما تحت الضغط الفرنسي.
الغرب يصوّر هذه الخطوة على أنها ضرورية، لمنع روسيا من التوغل أكثر في الأراضي الأوكرانية، في وقت تعاني قوات كييف من نقص بشري وفي الذخائر.
وفي المقابل، تحذّر روسيا من أن الأسلحة الغربية ستكون هدفاً لضرباتها، وتنبّه الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي من إرسال قوات إلى أوكرانيا، ومن أن هذه القوات ستكون أيضاً هدفاً للنيران الروسية. كما أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورداً على الإجراءات الغربية، أمر بإجراء مناورات على استخدام الأسلحة النووية التكتيكية بالقرب من الحدود مع أوكرانيا، في رسالة تحذير قوية للغرب.
سبق لبايدن أن وضع خطوطاً حمراً عند بدء الحرب، وهي عدم السماح لأوكرانيا بضرب الداخل الروسي بأسلحة أميركية، وعدم Yرسال قوات أميركية إلى أوكرانيا، لأن ذلك من شأنه أن يثير احتمال التسبّب بمواجهة مباشرة مع دولة نووية وتالياً نشوب حرب عالمية ثالثة.
الآن، هناك سماح جزئي باستخدام الصواريخ الأميركية ضدّ الداخل الروسي، فهل يليها غداً الإذن لأوكرانيا باستخدام أوسع للأسلحة الأميركية، وربما بلوغ مرحلة يقرّر فيها بايدن إرسال مستشارين أميركيين إلى أوكرانيا على غرار ما يدعو إليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون؟
إن وقفة النورماندي يجب أن تكون تذكيراً لأميركا ولقادة أوروبا بأن الحرب العالمية الثالثة لن تعود أمراً غير متصور، وبأنها تقرع أبواب العالم أقرب من أي وقت مضى.