العراق

النظام السياسي في العراق.. هل حان وقت التغيير

ن يتمكن العراق من التغلب على التحديات الحالية وتحقيق كامل إمكاناته كدولة مستقرة ذات سيادة إلا من خلال بذل جهود متضافرة لتغيير الإطار السياسي القائم.

الموقف العراقي المتأزم بات اليوم يستلزم حلولًا جوهرية لتفادي التداعيات الكارثية للنظام السياسي القائم، المتسم بالفساد والسرقة والالتفاف على مصالح الشعب والصراعات الفئوية والتشبث بالمناصب والاستقواء بالميليشيات الحزبية العميلة، إضافة إلى الطائفية المقيتة المتغلغلة في كل المستويات الحكومية.

وكان المقصود من النظام الحالي وفق معطيات الدستور أن يقوم على أساس تقاسم السلطة بين المجموعات العرقية والدينية الرئيسية في البلاد ومنع هيمنة أيّ فصيل منفرد. لقد أدت الممارسة الفعلية للسلطة الحاكمة إلى تفاقم الانقسامات، وعززت المحسوبية والفساد نتيجة المحاصصة المقيتة.

كما أدت الطائفية إلى الافتقار للوحدة الوطنية، حيث غالبًا ما يعطي القادة السياسيون الأولوية لمصالحهم الخاصة أو لأحزابهم على حساب الصالح العام للأمة. وقد أدى ذلك إلى جمود سياسي، وإعاقة التنمية الاقتصادية والبطالة، وبالتالي انتشار الجريمة المنظمة والمخدرات.

نظام الحكم في العراق وصل إلى ما يعرف بـ”الانحلال السياسي”. ويشخص صامويل هنتنغتون المشكلة الرئيسة التي تواجه الأنظمة السياسية التي تعاني من مشكلة عدم الاستقرار على أنها الهبوط في النظام السياسي، والتقويض التدريجي لسلطة الحكومة وفاعليتها وشرعيتها، وهو نتاج إلى حد كبير للتغير الاجتماعي السريع لفئات جديدة في مجال السياسة، يقابله تطوّر بطيء في المؤسسات السياسية.

ومما زاد الطين بلة تداعيات الحرب على غزة وما رافقها من ضعف القرار الحكومي إزاء تخبط الميليشيات الولائية وابتعادها عن المصلحة الوطنية. فأصبحت الحاجة ملحة إلى تغيير جذري، وتبنّي نظام سياسي يقوم على الجدارة، والهوية الوطنية، والهدف المشترك، بدلاً من الولاء الحزبي والطائفي، وإعادة بناء مؤسسات الدولة لتكون قادرة على توفير خدمات مدنية محترفة، وتحسين قدرة السلطة القضائية بشكل مستقل عن تأثيرات الحكومة.

هذه مسألة مهمة ومتفق عليها، ولكن السؤال يكمن في كيفية الخروج من هذا المأزق الذي أصبح مرضًا عضالًا لا يمكن إصلاحه بالوسائل الديمقراطية لتزوير الانتخابات في كل مرة، وإعادة استنساخ النظام المتهرئ.

إن غالبية العراقيين يتطلعون إلى انقلاب عسكري ينتشلهم من هذا المستنقع، كما اعتادوه في السابق. لكن العراق اليوم محكوم من ميليشيات عسكرية متعددة، وأحزاب قادرة على تعبئة الشارع طائفيًا، مما يجعل من الانقلاب على السلطة الحاكمة مخاطرة لا يمكن المغامرة بها.

إقرأ أيضا : مخاوف دفينة من صعود اليمين المُتطرّف في ألمانيا

وبالمقابل، هناك دافع دولي كبير يتماهى مع تطلعات الشعب، في إجراء تغيير حقيقي في العملية السياسية في العراق. وليس هنالك من سبيل إلا في انقلاب ناعم يطيح بالعملية السياسية من أساسها، فأيّ تغيير في قواعد اللعبة السياسية التي اعتمدت على التقسيمات الطائفية والعرقية المزدوجة للشعب العراقي، فإنه سيقلب المعادلة، ويزيح كل الرؤوس الفاسدة المتربعة على قمة العملية السياسية، الذين يتخذون من التقسيمات الطائفية والعرقية منهجًا لبقائهم في السلطة.

إن استبدال النظام السياسي المتهرّئ بنظام وطني شامل وفعال سيكون قادرًا على تلبية احتياجات مواطنيه ويمهد الطريق للتنمية المستدامة والسلام. ولن يتمكن العراق من التغلب على التحديات الحالية وتحقيق كامل إمكاناته كدولة مستقرة ذات سيادة إلا من خلال بذل جهود متضافرة لتغيير الإطار السياسي القائم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى