الناخبون أفضل حالا إن فازت كامالا لكنهم يتمثلون في ترمب
يحلم عدد من مؤيدي ترمب من ذوي الياقات الزرقاء بأن يكونوا أثرياء وأن يتمكنوا من الاستفادة من الإعفاءات الضريبية كلها التي يقدّمها ترمب إلى أصدقائه الأثرياء.
في السبعينيات والثمانينيات من القرن الـ20، كان هناك اقتصادي أميركي ما لبث أن أصبح محبوباً في صفوف اليمين المحافظ المؤيد لتقليص الإدارة الحكومية اسمه آرثر لافر، ووضع ما أصبح يُعرَف باسم منحنى لافر (Laffer Curve).
هذه النظرية تفيد بوجود نقطة تحوّل في السياسة الضريبية: كلما ارتفعت معدلات الضرائب، انخفضت الإيرادات التي ستجمعها الخزانة، الحجة هي أن الناس سيستخدمون برامج أكثر تفصيلاً لتجنب الضرائب – أو يغادرون البلاد نهائياً.
خارج الدوائر الأكاديمية واليمينية، لم يسمع كثير بلافر في العقود الزمنية التي تلت ذلك – لكن عام 2016، برز فجأة إذ عيّنه دونالد ترمب مستشاراً اقتصادياً له، وفي الواقع خفض ترمب الضرائب في صورة كبيرة – لمصلحة الأميركيين الأكثر ثراءً.
يعد ترمب بخفض الضرائب بعد، إذا فاز في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، ويعد بتمويل التخفيضات الضريبية من خلال فرض تعرفات جمركية على البضائع الواردة إلى البلاد، وفرض عقوبات على البلدان التي لا تلتزم بقواعده.
هل الوعود موضع ترحيب من لافر – الذي منحه ترمب وسام الحرية الرئاسي عام 2019؟ لا بالتأكيد، هو يحذّر من أن “هذه الإجراءات كلها من عقوبات وتهديدات بفرض تعرفات ليست الطريق الصحيح، إنها طريق تضمن قيام الحرب العالمية الثالثة”.
لكن إذا كان ترمب سيخسر ربما تأييد المثقفين اليمينيين بسبب مخاوفهم من العواقب المدمرة للحروب التجارية، لا تعتقدوا بأنه سيخسر دعم الشعب الأميركي، تشير استطلاعات الرأي إلى أنه يتمتع بتقدم كبير على كامالا هاريس عندما يتعلق الأمر بالاقتصاد.
يهدّد ترمب باتخاذ إجراءات عقابية ضد الصين والاتحاد الأوروبي (لطالما شكّلت سيارات “مرسيدس” هاجساً للرئيس السابق). من الجهات المستهدفة أيضاً الشركات التي أقامت معامل تصنيع كبيرة في المكسيك باعتبار ذلك وسيلة للوصول إلى السوق الأميركية. في بعض الحالات، يحذر ترمب من أنه سيفرض رسوماً جمركية بنسبة 200 في المئة على السيارات الكهربائية الصينية المصنوعة في المقلب الآخر من الحدود الأميركية الجنوبية.
يبدو أن الأميركيين يحبون هذا الكلام الصلب، يريد ترمب بضائع مصنوعة في أميركا – والجمهور المشارك في تجمعاته يهتف مؤيداً ذلك، لكن عندما يشير الاقتصاديون بهدوء إلى أن هذا الإجراء قد يكون تضخمياً في صورة كبيرة، يبدو أن كثيراً من الناخبين يتجاهلون الأمر، هل تفضل العائلة شراء ثمانية سراويل مصنوعة في فيتنام أو الفلبين في مقابل 80 دولاراً، أو سروالاً واحداً مصنوعاً في الولايات المتحدة لقاء 80 دولاراً؟ إنها معضلة العولمة.
يتمثل اقتراح آخر من اقتراحات ترمب في توسيع هائل لما يمكنكم تركه في وصية من دون دفع ضريبة الميراث – أو ضريبة العقارات، كما تُسمَّى في الولايات المتحدة.
لا شيء من هذه الاقتراحات ثمنه بخس. وجدت دراسة رئيسة أجرتها مدرسة وارتون، وهي مدرسة ترمب، أن سياساته ستضيف 5.8 تريليون دولار إلى الدين الوطني، في حين أن سياسات كامالا هاريس ستضيف 1.2 تريليون دولار فقط.
ثمة أمر آخر أيضاً، في معظم السياسات الاقتصادية ستكون اقتراحات هاريس الاقتصادية أكثر منفعة بكثير للجزء الأكبر من الأميركيين المنتسبين إلى الطبقة المتوسطة (من الأمور المحيرة في الولايات المتحدة أن الطبقة المتوسطة هناك هي ما نشير إليه على نطاق واسع باسم الطبقة العاملة)، فهي تريد إعطاء إعفاءات ضريبية إلى الأشخاص الذين يبدأون أعمالاً صغيرة والأزواج الذين يؤسسون عائلات، هي تريد تقديم المساعدة إلى العائلات التي ترغب في أن تخطو الخطوة الأولى باتجاه التملك.
هي مساعدة مستهدفة للغاية، وتريد هاريس أن تغطي الضرائب المفروضة على الشركات والأفراد الأكثر ثراء تكاليف ذلك.
يأتي هذا كله في فترة قوامها 10 أيام رأينا فيها مجلس الاحتياط الفيدرالي يخفض أسعار الفائدة بنسبة 50 في المئة، ورأينا أياماً حققت فيها مؤشرات أسواق الأسهم مستويات قياسية (هذه المؤشرات تهم الأميركيين أكثر بكثير مما تهم البريطانيين). هذا في حين يبدو معدل البطالة منخفضاً ومعدل التضخم في تراجع.
لذلك تملك هاريس حجة مقنعة، ويمكنها أن تشير إلى علامات كبيرة على التحسن في الاقتصاد الأميركي – ذلك كله يثير السؤال: لماذا لا تحقق هاريس نتائج أفضل في مقابل ترمب في استطلاعات الرأي التي تتناول الاقتصاد؟ من المؤكد أن يتوقع المرء من الأميركيين الأكثر ثراء المرشحين إلى تحقيق أكبر قدر من المكاسب أن يُعجبوا بكلامه عن التخفيضات الضريبية، لكن ماذا عن البقية؟
إقرأ أيضا : حسن نصرالله “كان يعلم” أن إيران لن تأخذ بثأره
يتعلق فهم هذا الأمر بعلم النفس أكثر مما يتعلق بالاقتصاد. في بريطانيا، تمثّل أحد العوامل السلبية التي واجهها ريشي سوناك في الانتخابات العامة في كونه غنياً – أغنى بكثير مما يمكن لكثير أن يتقبلوه. كان يسعى إلى التقليل من أهمية ثروته، ويتحدث عن مراهقته التي لم يتمتع خلالها بخدمات “سكاي تي في”. الثراء يثير شبهاتنا.
لكن مع ترمب، تنقلب الصورة، لقد بالغ في تقدير ثروته، ويتباهى بكيفية تحايله على الأنظمة، وعندما وبخته هيلاري كلينتون في إحدى المناظرات عام 2016 حول عدم دفعه لحصته العادلة من ضريبة الدخل، رد قائلاً إنه لم يدفع أية ضريبة دخل لأنه ذكي، لا يمكنكم أن تتخيلوا سياسياً بريطانياً يقول أي شيء من هذا القبيل.
هنا بيت القصيد: يريد كثير من الأميركيين أن يكونوا مثله، يريدون طائرات خاصة، ونساء جميلات، وأوجه الرفاهية كلها.
أشجعكم على إلقاء نظرة على واحدة من أحدث مشاركات الرئيس السابق على منصة التواصل الاجتماعي خاصته، “تروث سوشال”، هو يقدّم إلى بعض الأشخاص المحظوظين فرصة لشراء نسخة من إصدار محدود من ساعة ترمب مصنوعة من الذهب والألماس في مقابل – لا تُفاجَأوا – 100 ألف دولار. لم يجمع أحد قط بين قنوات التسوق والعمل السياسي مثله.
يحلم عدد من مؤيديه من ذوي الياقات الزرقاء بأن يكونوا أثرياء وأن يتمكنوا من الاستفادة من الإعفاءات الضريبية كلها التي يقدّمها ترمب إلى أصدقائه الأثرياء.
قد يكونون أفضل حالاً إذا فازت هاريس بالرئاسة، لكن ما يحلمون به هو أن يكونوا أثرياء مثل ترمب.