العراق

الميليشيات العراقية والحساب المفتوح ضد إسرائيل.. ماذا بعد اغتيال نصر الله؟

السؤال الذى بات مطروحا حاليا، هو كيف سيكون مستوى الرد من قبل الفصائل العراقية الموالية لإيران والعاملة ضمن محور المقاومة الإقليمى على اغتيال حسن نصر الله مهندس المحور وقاطرته الإقليمية؟

يُعد اغتيال السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبنانى فى 27 سبتمبر 2024، بمقر قيادة الحزب فى ضاحية بيروت الجنوبية، حدثا بالغ الأهمية؛ بالنظر إلى مسيرة الرجل فى مواجهة إسرائيل، والتى تعدت ثلاثة عقود كاملة، على اعتبار أن جبهة الجنوب اللبنانى هى جبهة مفتوحة فى شمال إسرائيل تمثل تمركزا استراتيجيا لحزب الله الذى يمتلك آله عسكرية ضخمة، فضلا عن دوره فى معادلة تفاعلات القضايا التى ارتبطت على مدار العقدين الماضيين بالمشروع الاقليمى لإيران؛ حيث برز دوره العسكرى فى مساندة النظام السورى خلال أزمة الصراع المسلح مع المعارضة على مدار السنوات الثلاثة عشرة الماضية، بصورة مكنت إسرائيل من استكشاف عناصر قوة الحزب، وقدراته الاستراتيحية، وخططه العسكرية، بخلاف الأهم وهو حالة الانكشاف الأمنى الاستخباراتى لكافة صفوفه من القادة السياسيين والعسكريين على حد سواء، بما أدى إلى اغتيال كافة قادة تلك الصفوف وصولا إلى رأس القيادة نفسها.

محدودية الرد أم توسيعه؟

اغتيال شخصية لها وزنها السياسى فى لبنان والمنطقة مثل حسن نصر الله فتح المجال أمام العديد من التساؤلات المهمة بشأن دور باقى فصائل الإسناد فى محور المقاومة الإقليمى، ومن بينها الفصائل العراقية من الميليشيات الشيعية التى كانت على تنسيق كامل مع حزب الله فيما يتعلق بمسيرة الإسناد الإقليمية للمقاومة الفلسطينية؛ لاسيما بعد أن قامت تلك الميليشيات بالرد على اغتيال نصر الله بعدة عمليات هجومية داخل إسرائيل فى سياق عملية ” الوعد الصادق 2″، وذلك على مرحلتين؛ الأولى: فى 30 سبتمبر 2024، أى بعد اغتيال نصر الله بيومين، حيث هاجمت الميليشيات العراقية ميناء إيلات فى جنوب إسرائيل بمسيرة “ذات قدرات متطورة” وفقا لوصفها. الثانية: فى 4 أكتوبر 2024،حيث شنت الفصائل ثلاثة هجمات منفصلة بمسيرات على عدة مناطق فى الجولان المحتل وطبريا، وقد أسفرت الهجمات عن وقوع خسائر فى صفوف جنود إسرائيليين ووفاة ثلاثة منهم فضلا عن إصابة 23 جنديا آخر، فى أول حادثة استهداف من قبل الفصائل العراقية تؤدى إلى وقوع قتلى فى صفوف قوات الاحتلال. كما أعلنت الفصائل عن الاستمرار فى مهاجمة المدن الإسرائيلية بوتيرة متصاعدة خلال الفترة القادمة. هذه الاستهدافات لها بالطبع دلالتها وسيكون لها نتائج وتداعيات من شأنها أن تضع الميليشيات العراقية والعراق فى مرمى الرد الإسرائيلى المحتمل، خاصة بعد الضربة العسكرية الواسعة التى شنتها إيران فى 1 أكتوبر 2024 الجارى، واستخدمت فيها صواريخ فرط صوتية على أهداف عسكرية وقواعد جوية داخل المدن الإسرائيلية بصورة مباشرة فى كل من تل أبيب ويافا وحيفا، ردا على كل العمليات التى قامت بها إسرائيل تجاه حزب الله اللبنانى على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية بدءا من تفجيرات أجهزة البيجير، مرورا باغتيال القادة العسكريين للحزب، ووصولا إلى اغتيال حسن نصر الله نفسه.

اقرأ أيضا.. هل يكون العراق الهدف التالي لإسرائيل

السؤال الذى بات مطروحا حاليا، هو كيف سيكون مستوى الرد من قبل الفصائل العراقية الموالية لإيران والعاملة ضمن محور المقاومة الإقليمى على اغتيال حسن نصر الله مهندس المحور وقاطرته الإقليمية؟ هل ستكتفى بخطوتها النوعية فى استهداف القواعد الجوية فى طبريا والجولان المحتل وإيلات، أم أنها ستوسع من مستوى هذا الرد مستقبلا؟ وهل ستتجه إسرائيل لاستهداف تلك الميليشيات داخل العراق أم لا؟ هنا تجدر الإشارة إلى أن الرد الذى قامت به الفصائل الثلاثة الأكثر فاعلية فى المقاومة الإسلامية العراقية ( حزب الله العراقى وكتائب سيد الشهداء وحركة النجباء) خلال الفترة من 30 سبتمبر إلى 4 أكتوبر الجارى، وبعد اغتيال حسن نصر الله، قد عكست أمرين:

الأول: التأكيد على استمرارية وجود الفصائل العراقية ضمن جبهة محور المقاومة الإقليمى خاصة بعد فترة “كمون” اتسمت بها تفاعلاتها مع الأحداث الخاصة بإسناد المقاومة الفلسطينية. حيث فُسر هذا الكمون المؤقت بامتثال الفصائل لمطالب رئيس الوزراء العراقى شياع السودانى بضرورة التهدئة خاصة بعد زيارته الأخيرة للولايات المتحدة فى إبريل 2024 من ناحية، وبعد تفاهمات توصلت إليها وزارة الدفاع العراقية مع الولايات المتحدة، خلال شهر سبتمبر 2024، بشأن التوصل إلى جدول زمنى للانسحاب الأمريكى من العراق فى إطار خطة “إعادة صياغة العلاقات الثنائية” على مرحلتين خلال الفترة ( سبتمبر 2024 – سبتمبر 2026).

وهنا يمكن القول أن هذه التفاهمات من شأنها أن تحد من استهداف الفصائل العراقية للقواعد الأمريكية فى العراق، دون أن ينسحب ذلك على القواعد الأمريكية فى سوريا، فثمة احتمالات تقول بأن الفصائل العراقية ستوسع من استهدافاتها داخل إسرائيل من ناحية لتشمل لاحقا المستوطنات والقواعد العسكرية، وستتوسع أيضا ضد القواعد الأمريكية داخل سوريا من ناحية ثانية.

الثانى، وجود قراءة مغايرة لتفاعلات الفصائل العراقية مع جبهة الإسناد بتغير نطاق هذا الاسناد نفسه؛ حيث انتقل إلى مراحل أكثر فعالية وتطورا فى رد الفعل، من مرحلة الجبهات المفتوحة إلى مرحلة الحساب المفتوح، والأخيرة تحديدا جاءت بعد اغتيال نصر الله، وهو ما يعنى أن الفصائل لم تعد محكومة بنطاق محدد فى استهدافها الداخل الاسرائيلى حيث عمدت إلى ضرب مناطق مهمة وحققت فيه أصابات مباشرة فى صفوف جنود إسرائيلين. وبالتالى ستستمر فى استهدافها لاسرائيل بدلا من استهداف القواعد الأمريكية فى العراق لاسيما مع وجد تفاهم حول عملية الخروج الامريكى منه.

هل تستهدف إسرائيل العراق؟

أما فيما يتعلق بوضع إسرائيل العراق ضمن دائرة استهدافاتها فى سياق الرد على الرد الإيرانى الأخير(1أكتوبر 2024)، فثمة آراء تذهب إلى وجود ضغوط قوية على إسرائيل من قبل الولايات المتحدة تستهدف منعها من شمول العراق بردها المحتمل؛ حيث تشير التحليلات إلى عزم إسرائيل على ضرب تمركزات الميليشيات العراقية داخل العراق وفى سوريا، لاسيما بعد حادثة انفجار المسيرة فى الجولان المحتل ووقوع قتلى فى صفوف الجنود الاسرائيليين.

والهدف الامريكى من ذلك هو التقليل من حدة ردود فعل الميليشيات العراقية تجاه القواعد الأمريكية فى العراق حال استهدافها من قبل إسرائيل. بالإضافة إلى رغبة الولايات المتحدة فى إبعاد العراق عن بؤر التوتر العسكرية فى المنطقة خاصة فى ظل هشاشة أوضاعه الأمنية والاقتصادية فضلا عن مصالحها فيه. يضاف إلى ذلك رغبة القوى السياسية الشيعية الحاكمة وهى الإطار التنسيقى – الظهير السياسى لميليشيات الحشد الشعبى – فى عودة الفصائل والميليشيات العراقية العاملة فى جبهة الاسناد الإقليمية على هامش أزمة غزة إلى الامتثال لقواعد الاشتباك مرة أخرى. ويعود هذا إلى التباينات الموجودة أساسا بين الفصائل العراقية حيث لم تنخرط جميعها فى جبهات الاسناد من ناحية، كما أنها تختلف حول استراتيجية وطبيعة الإسناد الإقليمى الذى يمكن أن تقدمه تلك الفصائل من ناحية ثانية، لاسيما بعد تطورات الفعل الإسرائيلى ليشمل سلاح الاغتيالات دون سقف أو حدود تقيده.

وفى سياق استعداد العراق سواء الحكومة أو الميليشيات لمواجهة استهداف محتمل للعراق من قبل إسرائيل؛ كان من اللافت اتجاه الحكومة برئاسة السودانى إلى رفع مستوى الاستعداد العسكرى؛ حيث عقدت الأجهزة الأمنية والعسكرية اجتماعات لتقدير الأهداف التى يمكن استهدافها من قبل إسرائيل، وخلصت إلى وجود عشرات المواقع لكن التخوف كان من احتمالية لجوء إسرائيل لسلاح الاغتيالات لشخصيات سياسية داخل هيئة الحشد، أو لقيادات عسكرية لهذه الفصائل.

وتحسبا لهذا السيناريو طالب السودانى الحكومة برفع جهوزية القوات العراقية، فى السياق نفسه اتجهت الفصائل العراقية الموالية لإيران وتحديدا الفصائل الثلاثة الأكثر تفاعلا ضمن محور الاسناد الإقليمى (النجباء، وحزب الله العراقى، وسيد الشهداء) إلى إجراء تغييرات على الأرض من قبيل تكتيكات التمويه والتخفى ونقل تمركزات القوات ومقار الميليشيات ومخازن الأسلحة والذخيرة، لاسيما فى مناطق التمركز المحيطة بالعاصمة بغداد. كما حرص السودانى طوال الأيام الماضية على التأكيد للحلفاء الإيرانيين ضرورة تجنيب العراق رد الفعل الإسرائيلى، وأن فى هذا التجنيب “مصلحة” فعلية لإيران، حيث تمثل العراق الرئة الاقتصادية لها فى ظل العقوبات المفروضة عليها، وأن أى تدمير للبنية الاقتصادية العراقية، فى حالة استهدافها من قبل إسرائيل، من شأنه التأثير سلبا على إيران، ويبدو أن الأخيرة التى تلقت ضربة قوية بإنكسار حزب الله – ولو مؤقتا – قد تجنح إلى تجنيب العراق الأمر نفسه.

لكن الفصائل العراقية يبدو أن لها رأيا مخالفا حيث أعلن حزب الله العراقى وكتائب سيد الشهداء فى 4 أكتوبر 2024، أن بإمكانها التأثير فى سوق الطاقة العالمية باستهدافها الممرات البحرية لنقل الطاقة، وتحديدا فى منطقة الخليج العربى. كما لوحت باستهداف القواعد الأمريكية فى منطقة الخليج، وهو ما حدا بدول الخليج العربية إلى إعلان حيادها ومنع الولايات المتحدة من استخدام قواعدها فيها لضرب إيران. ويلاحظ هنا أن التهديد باستهداف ممرات الطاقة من شأنه التأثير على النفط العراقى نفسه وتصديره، وبالتالى التأثير على عوائد النفط التى تمثل 80% من الموازنة العامة.

وفى الأخير يمكن القول، ثمة احتمالات متزايدة تجاه استهداف إسرائيل للميليشيات العراقية داخل العراق، وأن الحكومة العراقية تدرك الخطوة الإسرائيلية المحتملة، لذا اتجهت إلى رفع مستوى جهوزية القوات العسكرية والأمنية، وثمة فى المقابل اتجاها ضاغطا من قبل الولايات المتحدة على إسرائيل لتقييد استهدافها المحتمل للميليشيات العراقية، وجعله ضمن “قواعد اشتباك”محددة، ومن اللافت أن هذا الاتجاه يتلاقى مع رغبة إيرانية ضمنية لا ترغب فى دفع العراق إلى أتون حرب مواجهة مع إسرائيل، هذه الرغبة عكسها مسار الاتصالات السياسية على مدار الأسبوع الماضى بين الحكومة العراقية وكل من إيران والولايات المتحدة، ومؤداها ضرورة “تجنيب العراق”حربا إقليمية قد تجر منطقة الخليج العربى برمته إلى حالة من عدم الاستقرار، وتضع الأمن الإقليمى للمنطقة كلها على المحك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى