أدب المقاومة وأدب السجون في فلسطين يعبّران عن تجارب حياة المرأة الفلسطينية المعاصرة بطابعَين مختلفين.
يعكس أدب المقاومة تحديات المجتمع الفلسطيني ونضاله ضد الظروف الصعبة، مع التّركيز على الروح القوية والصمود في وجه التحديات السياسية والاجتماعية.
بينما يتناول أدب السجون تجارب الأفراد الذين تعرضوا للاعتقال والاحتجاز، مبرزًا الصعوبات والظروف القاسية التي يمرون بها، ويسلط الضوء على قوة الإرادة والصمود في وجه القمع. ويجتمع كل منهما على إبراز الروح القوية للشعب الفلسطيني وتأثير الظروف السياسية على حياتهم وتجاربهم.
مواجهة الظلم
ففي أدب المقاومة يُعدّ الكاتب المبدع غسان كنفاني الأب الروحي الذي جعل الإبداع الروائي والقصصي الفلسطيني والعربي يتنفس بالمقاومة، وأضحى مُعبرًا حقيقيًا عن آلامه الناتجة عن الاستعمار والنكبة، وحاملًا آماله بالتحرير والعودة، خاصةً في رباعيته الشهيرة: “رجال في الشمس”، ” ما تبقى لكم”، “أم سعد”، ثم “عائد إلى حيفا” التي عبّر فيها عن الوعي الجديد الذي بدأ يتبلور لدى الشعب الفلسطيني الذي بدأ يستفيق من تداعيات جرح نكبته الأليم.
أما في أدب السجون، فيمكن الإشارة إلى عدد كبير من الكتابات، التي قدم من خلالها الأسرى الفلسطينيون رؤية دقيقة حول تجاربهم الشخصية في الأسْر والظروف القاسية التي يمرون بها.
خاصة أن عدد المواطنين الفلسطينيين الذين مروا بزنزانات الاحتلال يناهز المليون. مما يجعل من هذه الكتب عصارة تجارب حية ومؤلمة، تسلط الضوء على قوة الصمود والتحدي في وجه الاحتلال والقمع.
وفي هذا السياق لعبت المرأة دورًا بارزًا في المقاومة الفلسطينيّة من خلال مساهماتها الأدبية والفكرية والثقافية في مكافحة الاستعمار والظلم والقمع. تركّزت في العديد من الأعمال الأدبية التي تعبّر عن رؤية هذه المرأة العربية وتجاربها الحياتية.
على سبيل المثال، كانت الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان واحدةً من النساء الرئيسيات اللواتي ساهمنَ بشكل كبير في المقاومة الأدبية. إلى جانب العديد من النساء الأخريات اللواتي أثرن في المشهد الأدبي العربي وساهمنَ في تجسيد مختلف التجارب الحياتية والثقافية من خلال النقد الأدبي والإنتاج الروائي والشعري والقصصي.
رمز للثورات والنضال
وتمثّل دور المرأة في أدب المقاومة من خلال معالجة قصص وأدوار المرأة التي تقاوم الاحتلال والظلم والاستبداد، حيث تم تصوير النساء في صور قوية وشجاعة تجعلهنّ رمزًا للثورات والنضال من أجل الحرية والكرامة والنجاح في جميع مجالات الحياة.
بالإضافة إلى ذلك، تدريس أدبيات المقاومة وبناء مجتمع حر وعادل، حيث ينصب التركيز الرئيسي على تعزيز دور المرأة في إعادة بناء المجتمعات المتضررة بعد الحرب والاحتلال، والاستفادة من الفرص المتاحة لها والمشاركة في جميع مناحي الحياة.
وهكذا حملت أدبيات المقاومة قيمًا لتمكين المرأة لكي تكون حاملة رسالة تعكس بشكل شامل دورها وتقوم بتشجيعها على لعب دور رئيسي في إيجاد حلول لمشاكل المجتمع، وكذلك لدعمه في نضاله المستمر من أجل تحقيق الحرية والعدالة.
أدب ينشد الحرية
وبالانتقال لأدب السجون نجد هذا الصنف من الأدب يحتل مكانة بارزة في المنتج الأدبي الفلسطيني، حيث إنه يمثل جزءًا لا يتجزأ من الأدب العربي الهادف إلى الحرية، سواء على مستوى النثر أو الشعر، فهو أحد أنواع الكتابة الحقيقية، الذي أسماه البعض “الأدب الحر”، أو “أدب الاعتقال”. في حين أطلق عليه البعض اسم “أدب أسرى الحرب “، وسمّاه آخرون باسم “أدب السجون”.
وهذا أمر مفهوم لدى الشعب الفلسطيني على امتداد مساحة الوطن المحتل، التي ذاق مرارة سجون الاحتلال فيها ما يناهز عُشر أبنائه، وهو عدد غير مبالغ فيه، ذاقوا صنوف العذاب وتشربوا آلام القهر والحرمان، وواجهوا جلّاديهم بالصبر والصمود والتحدي؛ منهم من تحرر، ومنهم ما زال ينتظر، وبعضهم لقي ربه ولم يتسنَّ له رؤية شمس الحرية مرة أخرى.
ولم يقتصر الاعتقال على الرجال؛ بل طال نساء فلسطين المناضلات اللاتي دخلن المعتقل، وتعرضن للتعذيب والقهر والإذلال، إلا أنهن أثبتن شجاعتهن وصمودهن أمام جلاديهن.
ومن أسماء النساء اللاتي كتبن تجاربهن خلف القضبان: زكية شموط (أم مسعود)، وناهدة نزال، وحليمة فريتخ، وختام خطاب، وعائشة عودة، والدكتورة سعاد غنيم.. ليحكين جميعًا قصصهنّ مع الأسْر ومعاناتهن معه كجزء من معاناة الشعب الفلسطيني من الاحتلال الصهيوني وقهره اللامحدود.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، عاشت الكاتبة عائشة عودة مرارة الحكم العسكريّ الصهيوني وظلم سجونه، وهي ابنة فلسطين المولودة عام 1944 في قرية دير جرير قضاء رام الله، والتي أودعت السجن في الأول من مارس/ آذار عام 1969، ونسف الاحتلال منزل أسرتها إثر اعتقالها، وكانت ضمن الفوج الأول من النساء المعتقلات في فلسطين بعد حرب 1967.
ولم تحصل على حريتها إلا عبر عملية تبادل للأسرى، فأطلق سراحها في 1979، وأبعدت إلى الأردن، لكنها عادت إلى أرض الوطن بعد توقيع اتفاقات أوسلو عام 1994. لتحكي تجربتها كمناضلة وأسيرة محرّرة ومبعدة عن أرض الوطن، حيث روت الحكاية، فجاءت صادقة شفافة، دون بطولات أو ادّعاء، وكان خلاصة ما أرادت قوله في حكايتها التي صاغتها في “أحلام بالحرية” أن المعتقل أولًا وأخيرًا إنسان أعزل أمام آلة همجيّة لا ترحم.
تجارب مريرة
وقد أعادت صياغة تجربتها الاعتقاليَّة بأسلوب أدبيّ روائي متوهّج يسطع بالجمالية وشفافية اللغة المعبّرة عن تجربة مؤلمة. وقد استكملت تلك التجربة في كتابها: “يوم مختلف”، قبل أن تقوم بتوثيق تجارب الاعتقال في سجون الاحتلال لمناضلات شاركنها تلك التجربة المريرة في كتابها: “ثمنًا للشمس”، نذكر منهن المغربية نادية برادلي ورفيقاتها الفلسطينيات نهلة البايض، وعفيفة حنا نورة، ولطيفة الحواري، وعائدة سعد، ورسمية عودة، ومريم الشخشير، ودلال أبو قمر، وتيريز هلسة، ورندة النابلسي.
كما يمكن استحضار تجربة “سلافة جادالله” التي بدأت بتصوير مقاتلي الثورة الفلسطينية. وعندما وقعت حرب الخامس من يونيو/ حزيران عام 1967، قامت مع المصور السينمائي الفلسطيني هاني جوهرية بتصوير أحداث تلك الحرب وآثارها، ومأساة النزوح الفلسطيني الذي حدث خلالها.
والاعتقال وأجواء الكبت والقيد إلى عالم الخيال الرحب، الذي يستطيع فيه الكاتب رصد الواقع الممزوج بالخيال وصناعة محتوى أدبي صادق يسلط الضوء فيه على معاناة لا يعرفها إلا من عاشها وتعايش معها.
وباعتبار ما يحمله من معانٍ إنسانية، فهو يحمل مضامين أدبية، وبلاغة إبداعية تجعله أقرب للمستمع والقارئ من غيره، استطاع عبرها أن يلفت انتباه المهتمّين والأكاديميين والنقّاد في عموم الوطن العربي الكبير وخارجه.