الذين لا يعرفون ولا يتابعون، بالدقة والتفاصيل ما يجري على كامل أرض فلسطين، سواء في مناطق 48، أو مناطق 67، سواء في القدس أو الضفة الفلسطينية، أو في مناطق الكرمل والجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة، تقتصر رؤيتهم ومتابعتهم على ما يجري في قطاع غزة، وتظهر لهم صورة المشهد السائد مقتصرة على ما يجري في القطاع.
معاناة وقسوة وجوع وقتل وتصفية للمدنيين، وتطهير عرقي بائن صارخ، وإبادة جماعية متعمدة مقصودة، وإصرار من قبل المستعمرة على إنهاء الحياة وتقليص الوجود البشري للفلسطينيين في وطنهم على قطاع غزة، وهي مقدمة إذا نجحت وتمت سينتقل العمل المشين إلى القدس والضفة الفلسطينية، ما أمكنهم ذلك، أسوة بما فعلوه عام 1948 ولنفس السبب والدوافع الإسرائيلية، وهو استكمال مشروعهم لجعل فلسطين وطناً للمستعمرين وللغزاة الأجانب من اليهود، ووجود سبعة ملايين عربي فلسطيني يحول دون إقامة دولتهم الصهيونية اليهودية العبرية الإسرائيلية، لأن مشروعهم الاستعماري فشل إستراتيجياً في طرد وتشريد كل الشعب الفلسطيني.
المشهد على كامل قطاع غزة بصورتيه: الموجعة للمدنيين والمفتخرة للمقاومة تستحقان المتابعة، ولكن إقتصار متابعة المشهد على ما يجري في قطاع غزة، لعدم وجود الفعل لجذب المتابعة لما يجري في الضفة الفلسطينية وفي مناطق 48، هو قصد إسرائيلي مازال متمكناً في فرض الإجراءات التعسفية التي تحول دون حراك شعبي مقاوم على كامل أرض فلسطين، حتى لا يصل مسبقاً إلى مستوى الفعل الكفاحي والتضحيات الجسيمة التي يقدمها أهالي قطاع غزة، متفوقين بواسل، على طريق حريتهم وكرامتهم، وهزيمة عدوهم الذي لا عدو لهم غيره.
في مناطق 67 لا تتوقف الصدامات المتقطعة بين الشباب في مختلف المدن والقرى، ويرتقي منهم الشهداء، ويواجهون قوات المستعمرة، رغم اعتقال أكثر من تسعة الآف مناضل، ويشكلون العمود الفقري للفعل الفلسطيني. تسعة الآف هم قاعدة العمل الفلسطيني من فتح وحماس والشعبية والديمقراطية والجهاد وحزب الشعب وحركة المبادرة وجبهة التحرير وجبهة النضال والعربية وغيرهم، وهذا هو السبب الأول أن فعل العمل الشعبي في مواجهة الاحتلال شبه محدود، والسبب الثاني أن الاحتلال وضع أكثر من سبعمائة حاجز عسكري وأمني وترابي وعوائق وحفر في الشوارع لتحول دون انتقال الأهالي من مدينة إلى أخرى، ومن موقع إلى آخر، مما يجعل الصدامات محدودة في كل منطقة بمعزل عن المناطق الأخرى.
أما في مناطق 48، فقد فرضت سلطات المستعمرة الحكم العسكري، باعتبارها تخوض حالة حرب منذ 7 أكتوبر إلى الآن، ولهذا كل فعل أو تعبير أو إجراء أو تصريح أو مقال على المواقع وفي الاعلام يؤدي إلى الاعتقال، وهناك العشرات بل المئات من طلبة الجامعات قيد الاعتقال والمحاكمة بسبب تحركاتهم ونشاطاتهم “غير القانونية” وتوظيف القوانين العسكرية لاتخاذ الأجراءات الرادعة ضد المتظاهرين والمحتجين، وهذا ما يُفسر قمع قوات الأمن لأهالي الأسرى الإسرائيليين في محاولة للسيطرة عليهم والاقلال من تأثير احتجاجاتهم، وتردد القوى السياسية اليسارية من المشاركة على خلفية عدم إعطاء التصاريح اللازمة لتحرك ونشاط المعارضة، واتهامهم بالخيانة لأنهم يحتجون والجيش يخوض معركة ساخنة ضد ” العدو الفلسطيني” .