لسنا قربة مقطوعة؛ فما زال شعبنا واحداً، وأرضنا واحدة.
لذلك، يمكن أن ينطبق المثل الشعبي «زي اللي بنفخ بقربة مقطوعة» على من ينطبق عليهم، الذين يعرفون أنفسهم، الذين لسان حالهم ينطبق مع مضمون المثل الذي يضرب في حالة عمل شيء مراراً وتكراراً دون جدوى، فمهما نفخت في قربة مقطوعة لن تمتلئ بالهواء.
في ظل ما تعرضنا له، وما زلنا، بقي الشعب الفلسطيني المتماسك بخصوصيته وحضارته، هو الحافظ لبقائه؛ فهل يحسب أحد قريب أو بعيد أننا عشنا هذا القرن بسبب سنده لنا؟ لذلك ليس لأحد منّة علينا، ولا لأحد أن يتكلم نيابة عنا. أما مشروعنا الوطني، فهو من سيظل باقياً، بل وستنبئنا الأيام بأن المشروع في مضمونه الإنساني التعددي الأصيل سيتحقق، لسبب بسيط، لأنه المشروع الإنسان لمن يعيش في هذه البلاد.
اقرأ أيضا.. نهاية حرب غزة وبداية التصعيد في الضفة
ليس ترفاً، ولا تذكيراً بل هو شرط الآن وغداً.
لدينا ما نقوله كمواطنين أولاً، وشاهدين على ما كان، ولمّا كنا دعاة فعل إيجابيّ، فلن ننحو منحى لوم لا يفيد ولا عتب ينفرنا من بعضنا بعضاً، فأقل ما يمكن أن نقوله، على مدار عقود الصراع منذ قرن: إننا أبدعنا في تفويت الفرص، حتى صار أقصى الآمال، هو ما صنفه علماء النفس والاجتماع، الرضا بما هو ممكن الآن لضمان الحياة الفيزيقية، لا البقاء الوطني والسياسي.
فلسطينياً، إما أن نكسب أو نكسب، ليس من المقبول المزيد من الخسارات، فليست هناك جغرافية رابحة على حساب جغرافية أخرى.
ملخص هذا المقال معروف، وهو الحفاظ على أن مشروع أي حراك سياسي عربي إسرائيلي يجب أن يمرّ عبر بوابة ضمان تنفيذ حل الدولتين. أي الدولة الفلسطينية التي نعرفها: لا دولة في غزة، ولا دولة من دونها. وهذا ما يحظى باعتراف عالمي وأممي أيضاً. وحتى نستطيع المرور، لا بد أن يكون المفتاح لامعاً وليس صدئاً.
تستخدم كل من الولايات المتحدة ودولة الاحتلال معنا سياسة الترهيب والترغيب، واللعب على عوامل الاختلاف وأطرافها، علماً أن ما على دولة الاحتلال من استحقاقات العملية السياسية لم تمنحه لأحد، لا لقائد ولا لطرف.
لقد شكلت الحرب على غزة، والتي كانت حرب إبادة على الشعب الفلسطيني وممتلكاته وأرضه، مجالاً لتأمل الكثيرين لتاريخ الصراع عبر استعادة ما عاناه شعبنا من ظلم تاريخي، وصولاً إلى النكبة العام 1948، وما تلاها من احتلال واستيطان، بل وغزو للاجئين الفلسطينيين خارج فلسطين، كونهم يحلمون بالعودة إلى بلادهم، ذلك الحلم المشروع.
بإمكان شعبنا ونخبه وقياداته إظهار خارطة فلسطين كيف كانت وكيف أصبحت، بسبب الأطماع الصهيونية، التي لم تنتظر حدثاً ما لتنتهج سياسة الأمر الواقع ما بعد هزيمة العام 1967، من أجل الاستمرار ببقاء المشروع الوطني هو المفتاح لحل الصراع: دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة بعاصمتها القدس، تاركين للتفاصيل حلولها الذكية إن صفت النوايا.
وحدة الحركة الوطنية، داخل منظمة التحرير تتقوى بتعزيز الوحدة الفتحاوية؛ فإن وجود فصائل العمل الوطني داخل منظمة التحرير تعني وجود موقف موحد، حيث لن يكون من المتقبل وجود تشظيات تمنح آخرين إمكانيات اللعب بالمشروع الوطني. ومن ثم تكون خطوة الحوار الوطني الشامل، أو لنقل الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير، ووقتها ستكون خطوة الرئيس في الدعوة للحالة الوطنية الشاملة بما فيها حركتا «حماس» و»الجهاد».
لدينا عوامل عربية بدءاً بالموقف المصري الداعم للموقف السياسي، ولدينا جامعة الدول العربية كإطار ناظم، ولدينا الشرط العربي لأي حراكات سياسية، وهو قيام دولة فلسطينية، ولدينا الاعتراف الدولي والأممي (غير المكتمل).
قوة شعبنا أن نكون معاً، بحاضنة عربية لا تقفز عن الحقوق، فلا تجد دولة الاحتلال من تفاوضه بضعفه، فهي لا تفاوض فعلياً إلا لتشرعن الأمر الواقع.
أمامنا الكثير لننجزه، خاصة بعد ذبح غزة، فليس هناك اليوم مجال لا لخلاف فلسطيني ولا لخلاف عربي، في ظل مفارقة أنه أصلاً تغير الحال العربي والإسلامي (إيران) الممانع والذي لم تكن ممانعته إلا شكلياً.
أما الأميركي أبو الصفقات القادم، فلعل هناك ما يتم التعامل معه في إطار مبادرة السلام العربية، والعودة إلى ما تم إنجازه في مفاوضات الرئيس مع أولمرت رئيس وزراء الاحتلال الأسبق.
إن صفت النوايا، يمكن إنجاز اختراق سياسي، نحتاجه جميعاً، فليس أمام الأطراف إلا الإصغاء لصوت العقل.
إن الحرب التي لم تنته الآن فعلياً يمكن أن تكون بداية لحرب تنتهي بسلام.
إن تشجيع (والضغط) على دولة الاحتلال بتياراتها المختلفة، يمكن أن يؤدي لشيء مقبول، خاصة أن الرئيس الأميركي الجديد هو المؤهل فعلاً للضغط على إسرائيل لا لتنهي الحرب فقط، بل لتبدأ السلام.
ليس هناك الكثير من الوقت في ظل تتابع النكبات واستمرار الحرب على الضفة الغربية؛ فالجالسون اليوم في العراء أكثر حاجة للأمل من أي وقت مضى.
الطريق واضح وممكن، ولا بد للولايات المتحدة أن تفعل فعلاً مهماً يليق بها كدولة عظمى، ألا وهو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وليس فقط إدارة الصراع في ظل عقد الصفقات الاقتصادية، فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بدفء السلام والاطمئنان اللازم لتناول الخبز.
بصراحة وطنية، كل منا يعرف المطلوب منه؛ في ظل ما هو ممكن، وحتى لا يستغل الاحتلال طرفاً ليفاوضه، لفرض فصل واهم بين الضفة الغربية وقطاع غزة، فإن البداية تكون بترك موظفي السلطة الوطنية بإدارة القطاع، كونهم أبناء البلد وبناتها، وكونهم الفنيين والخبراء، مدعومين بزملاء من المحافظات الشمالية، وانتشار الشرطة كجهاز مدني، بحيث يتم تنظيم الإغاثة والتطبيب، والتعليم. وبمناسبة التعليم في قطاع غزة، والذي سنفرد له فصلاً خاصاً به، فمعروف من يدير التعليم الوجاهي والافتراضي عن بعد. إن إدارة التعليم الآن تدل على سخافة جدل إدارة اليوم الثاني في القطاع. وكذلك الصحة، والتي نرجو من يكتب عنها كذلك، حيث قام الجهاز الصحي بالمستحيل، من خلال وحدة الروب الأبيض.
إن وجودنا على الأرض هو الوجود الطبيعي والسياسي، فالشعب الفلسطيني حيّ بذاته. ولا مجال لترك الخلاف الفكري والسياسي – وهو خلاف طبيعي – أن يفرقنا إلى ما هو غير طبيعي.
إنها السفينة الواحدة، وليس ذلك حديثاً رومانسياً، بل هو ما نحتاجه من فعل تأخر أكثر من اللازم.