المستثمرون مترددون في توقعاتهم لخفض أسعار الفائدة الأوروبية
أشار بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى أنه ربما يكون من الضروري الإبقاء على أسعار الفائدة عالية لمدة أطول لضمان عودة التضخم إلى 2%، ما أثار تساؤلات حول المدى الذي يستطيع البنك المركزي الأوروبي أن يغامر بذلك بمفرده
تدفع البيانات الاقتصادية القوية وتصريحات مسؤولي البنك المركزي الأوروبي الذين يدعمون السياسة النقدية المتشددة، بعض المحللين والمستثمرين إلى التردد في توقعاتهم لخفض أسعار الفائدة السنة الحالية.
بينما لا يزال غالبية خبراء الاقتصاد يتوقعون تخفيضات ربع سنوية بعد أول تخفيض مخطط خلال الأسبوع الجاري، يعتقد البعض أن التضخم المستمر في الصعود، والنمو السريع للأجور، والإنتاج القوي بطريقة مذهلة بمنطقة اليورو، عوامل ستقيد عملية تيسير السياسة النقدية.
قلص المضاربون أيضاً رهانات على تيسير السياسة النقدية، بدعم من عضو المجلس التنفيذي إيزابيل شنابل، ورئيس البنك المركزي الألماني يواكيم ناغل، اللذين على ما يبدو سيتخليان عن الفكرة في اجتماع يوليو المقبل، حيث قال رئيس البنك المركزي النمساوي روبرت هولزمان إن القيام بعمليتي تخفيض خلال 2024 قد يكون كافياً.
وتيرة التخفيض
يخشى المسؤولون الحذرون من أن يدفع تخفيض تكاليف الاقتراض في اجتماعات متعاقبة الأسواق إلى اعتبار هذه الوتيرة المعيار الأساسي. قد يكونون أقل ثقة من بعض زملائهم في أن سياسة البنك المركزي الأوروبي يمكن أن تختلف فعلاً عن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، والذي سيُبقي على الأرجح على سياسته النقدية دون تغيير لمدة من الزمن.
أوضح دينيس شين، الخبير الاقتصادي في “سكوب ريتينغز” (Scope Ratings): “لقد كنا متشددين نسبياً مع توقعاتنا منذ العام الماضي بإجراء ثلاثة تخفيضات فقط هذا العام بواقع 25 نقطة أساس لكل تخفيض، لكن خطر هذه التوقعات يظل بلا شك يتمثل في تخفيضات أقل لأسعار الفائدة وليس أكثر”.
وأضاف أن البنك المركزي الأوروبي سيرغب “بصورة منطقية في تجنب خطأ التخفيض بطريقة قوية للغاية خلال هذه المرحلة الأخيرة من نهجه”.
توفر أحدث التقارير الاقتصادية أسباباً لهذا الحذر. أخفق مقياس رئيسي لأجور منطقة اليورو في الاعتدال، في وقت كان صناع السياسة النقدية يأملون في أن يظهر أن التضخم قد تمت السيطرة عليه أخيراً، ما يدل على أن ضغوط الأسعار، خاصة في قطاع الخدمات، تحتاج لوقت أطول لتخفيفها. واقعياً، صعد التضخم من 2.4% خلال أبريل إلى 2.6% الشهر الماضي، متجاوزاً التوقعات.
في غضون ذلك، انتعش اقتصاد منطقة اليورو بطريقة كبيرة أكثر مما كان متوقعاً، بعد تعرضه لركود محدود خلال النصف الأخير من السنة الماضية، مع بقاء سوق العمل قوياً، وبلغ معدل البطالة مؤخراً أدنى مستوياته التاريخية، وكشفت استطلاعات رأي للشركات علامات على بدء تعافي شركات التصنيع المتعثرة.
اجتماع يونيو
لا أحد يتوقع أن صناع السياسة النقدية سيتخلون عن تخفيض أسعار الفائدة خلال اجتماع يونيو الجاري، ما سيقلص سعر الفائدة على الودائع من نسبة 4% القياسية التي بلغتها قبل 9 شهور. من المفترض عودة زيادات أسعار المستهلكين للتراجع خلال الشهور المقبلة.
رغم ذلك، يتوقع خبراء اقتصاد تخفيضات أقل السنة الحالية. توقع نصف المشاركين في استطلاع رأي بلومبرغ تقريباً أجري قبيل اجتماع البنك المركزي الأوروبي خلال أبريل الماضي، إقرار 4 أو 5 تخفيضات في أسعار الفائدة خلال 2024. لم يعد أحد يتوقع 5 تخفيضات، وتراجعت نسبة المشاركين الذين يتوقعون 4 تخفيضات.
بنفس الطريقة، فإن الأسواق -بعد أن توقعت 3 تخفيضات لأسعار الفائدة للعام الحالي مؤخراً خلال أبريل الماضي- استبعدت بالوقت الحالي إجراء تخفيضات خلال يوليو المقبل، ووضعت احتمال التخفيض خلال سبتمبر المقبل عند 60%.
بين غابرييل فوا، مدير محفظة الأصول في “ألجبريس إنفستمنتس” (Algebris Investments)، بمذكرة للعملاء عبر البريد الإلكتروني: “نعتقد أن البنك المركزي الأوروبي سيزيد توقعاته الفصلية للتضخم بعد مراجعتها، ما يوفر ظروفاً صعبة للتخفيضات”. وأضاف: “استبعدت الأسواق بشكل تام تقريباً عملية تخفيض يوليو المقبل، وحالياً لا تتوقع سوى إجمالي تخفيضين مع حلول نهاية السنة الجارية. كما تبدو الأمور، نعتقد أن خفض البنك المركزي الأوروبي للفائدة الأسبوع الحالي ربما يُنظر إليه سريعاً على أنه خطأ في السياسة النقدية”.
اجتماع ديسمبر
كان بييت كريستيانسن من “دانسكي بنك” (Danske Bank) وماريانو فالديراما الخبير الاقتصادي في شركة “إنترموني” (Intermoney) في مدريد، من بين أولئك الذين لا يتوقعون تخفيضاً ثانياً حتى أواخر ديسمبر المقبل، بحسب استطلاع رأي أجرته بلومبرغ مؤخراً.
قال فالديراما: “نشك في إجراء تخفيض خلال سبتمبر المقبل”. عزا ذلك إلى عوامل سوق العمل والأجور والنمو الاقتصادي السريع. وتابع أنه “بالإضافة لذلك، لن تصبح السياسة المالية أقل تشدداً العام الحالي”.
يتوقع آخرون، على غرار غيبهارد شتادلر من بنك “بايريش لاندسبانك” (Bayerische Landesbank)، توقفاً مؤقتاً في الشهر الأخير من السنة الحالية، بعد عمليتي تخفيض فقط.
تابع: “سيثبت التضخم الأساسي أن السيطرة عليه أكثر صعوبة مما توقعه البنك المركزي الأوروبي إلى حد الآن نظراً لنمو الأجور المتواصل والقوي واتجاهات تحقيق هوامش أرباح قوية. بالإضافة إلى ذلك، توجد حالة عدم اليقين هائلة جراء الانتخابات الأميركية، وكذلك الأمور المتعلقة بالسياسات التجارية وسعر صرف اليورو والدولار الأميركي”.
أشار بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى أنه ربما يكون من الضروري الإبقاء على أسعار الفائدة عالية لمدة أطول لضمان عودة التضخم إلى 2%، ما أثار تساؤلات حول المدى الذي يستطيع البنك المركزي الأوروبي أن يغامر بذلك بمفرده. تؤكد رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد وزملاؤها أنهم ليسوا على عجلة من أمرهم لتخفيض تكاليف الاقتراض، رغم أنهم في طريقهم لتخفيض أسعار الفائدة.
التشديد مستمر
قال كبير خبراء الاقتصاد فيليب لين إن السياسة النقدية ستبقى متشددة طوال 2024، ملتزماً بأخذ قراراته وفق البيانات الصادرة فور صدورها. رغم الإصرار على نهج اتخاذ القرارات في كل اجتماع على حدة، قدم بعض الزملاء من المسؤولين بعض المؤشرات على التشديد النقدي نوعاً ما.
بالنسبة لشنابل، فإن المخاوف بشأن تيسير السياسة النقدية مبكراً تشير إلى عدم ضرورة إجراء التخفيض الثاني يوليو المقبل، بينما بين ناغل أنه “إذا” خفض البنك المركزي الأوروبي خلال يونيو الجاري الفائدة، فسيتوجب عليه “الانتظار حتى سبتمبر المقبل” لفعل ذلك مرة ثانية. شدد هولزمان على أنه لن يدعم تخفيضات أخرى إذا لم يكن هناك ما يبررها لمجرد أنه “مستعد لدعم تخفيض واحد”.
قال كارستن برزيسكي، رئيس قسم الاقتصاد الكلي في “آي إن جي”: “في الماضي، كان أول تخفيض لسعر الفائدة يتبعه دائماً تخفيضات إضافية لأسعار الفائدة لدعم النمو أو الاستجابة لأزمة ما أو كليهما. هذه المرة، رغم ذلك، لا يوجد أي من هذين الأمرين. لذلك، يوجد خطر جسيم من اضطرار البنك المركزي الأوروبي إلى الانتقال من حالة “التخفيض مرة واحدة لا يكفي” إلى حالة “الاستمرار في التخفيض المرة تلو الأخرى حتى تحقيق هدف” السيطرة على التضخم.