المساعدات الأمريكية.. ومستقبل الحرب الأوكرانية
المساعدات «لن تقدم ولن تؤخر» في تغيير الوضع العسكري الأوكراني المأزوم والمهزوم باعتراف كبار القادة العسكريين الأوكرانيين، وأن هذه الحزمة الأمريكية من المساعدات ربما تكون الأخيرة، على ضوء التردد الطويل في إقرارها من جانب الكونجرس وعلى ضوء الانتخابات الرئاسية القادمة
الرأي المتفائل بخصوص مردود هذه الحزمة من المساعدات الأمريكية بنى تفاؤله على ضوء مجموعة من الأسباب والمبررات، أبرزها بالطبع أن هذه المساعدات الأمريكية لأوكرانيا كشفت عن توجه أمريكي في «الصراع الكوني» يمكن وصفه بأنه يمتلك قدراً كبيراً من العزيمة لدى الرئيس الأمريكي وإدارته بعدم التقاعس في مواجهة التحديات التي تهدد المصالح والأمن القومي الأمريكي من الأعداء الكبار الذين تصنفهم واشنطن ضمن دائرة العداوة: روسيا والصين وإيران. فقد جاءت حزمة المساعدات الأمريكية لأوكرانيا ضمن حزمة مساعدات أوسع شملت إسرائيل وتايوان أيضاً.
فقد خصص الكونجرس 60 مليار دولار لأوكرانيا، و26 مليار دولار لإسرائيل و8 مليارات دولار لتايوان لمواجهة الصراع الأوكراني في أوروبا، وصراعي الشرق الأوسط وشرق آسيا. وقد عبر الرئيس بايدن عن ما تعنيه هذه المساعدات الضخمة بأنها «ستقوي الأمن الأمريكي وستجعل العالم أكثر أمناً، كما أنها ستضمن الزعامة الأمريكية للعالم».
توزيع الدعم والمساعدات الأمريكية على هذا النحو على الأطراف الثلاثة (أوكرانيا وإسرائيل وتايوان) عبّر بدقة شديدة عمّا يشغل العقل الاستراتيجي الأمريكي وهو بالتحديد احتواء التحديات التي تتهدد الزعامة الأمريكية المتفردة للعالم والانتصار عليها في ما يشبه «حرباً عالمية جديدة» أو على الأقل «حرباً باردة عالمية جديدة»، ومن ثم يمكن استخلاص استنتاج مفاده أن الولايات المتحدة «لن تتوقف ولن تتردد في مواصلة دعم أوكرانيا وهزيمة روسيا والانتصار عليها، وهو ما يعني أن واشنطن لن تتردد مستقبلاً في مواصلة دعم أوكرانيا حتى هزيمة روسيا».
يؤكد هذه المعاني ما ورد من تصريحات واكبت عملية إصدار تلك المساعدات من الكونجرس على لسان كبار رجال الإدارة الأمريكية خاصة وزير الدفاع لويد أوستن، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، فقد حذر أوستن من سقوط أوكرانيا خلال اجتماع مجموعة الاتصال الأوكرانية الذي عقد افتراضياً في الذكرى الثانية لتأسيسها، حيث أكد أمام هذا الاجتماع (26/4/2024) أن «الولايات المتحدة لن تتراجع عن دعم أوكرانيا في وجه عدوان (الرئيس) بوتين الصارخ وازدرائه لحقوق الإنسان والكرامة الإنسانية». كما حذر أوستن من أنه «مع سقوط أوكرانيا تحت حذاء بوتين فإن أوروبا سوف تقع تحت ظل بوتين». وقال: «إذا نجح بوتين في تحقيق مراده في أوكرانيا فإن زملاءه المستبدين سيتعلمون درساً خطيراً وسيصبح العالم كله أكثر فوضوية من انعدام الأمن». والفوضوية التي يعنيها أوستن هي خطر تفجر موجة من التمرد العالمي على سياسة التفرد والتسلط الأمريكية.
ما قاله أنتوني بلينكن لا يقل أهمية، ففي معرض تعليقه على مطالبة رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي في محادثته مع زعيم الأقلية في مجلس النواب الأمريكي حكيم جيفريز (28/4/2024) ومطالبته بالإسراع في تزويد بلاده بأنظمة الدفاع الجوي خاصة بطاريات «الباتريوت»، وبدء محادثات رسمية لانضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، وتوجيه دعوة لها للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) قال بلينكن إن «أوكرانيا ستنضم إلى الحلف في نهاية المطاف». تصريح خطير يعيد الأزمة الأوكرانية إلى بداياتها، ويؤكد العزم الأمريكي على إحباط نوازع المشروع الروسي كله كقوة عالمية قادرة على المنافسة.
رغم ذلك، يرى الرأي الآخر أن هذه المساعدات «لن تقدم ولن تؤخر» في تغيير الوضع العسكري الأوكراني المأزوم والمهزوم باعتراف كبار القادة العسكريين الأوكرانيين، وأن هذه الحزمة الأمريكية من المساعدات ربما تكون الأخيرة، على ضوء التردد الطويل في إقرارها من جانب الكونجرس وعلى ضوء الانتخابات الرئاسية القادمة، وأن على قادة أوكرانيا التعامل مع هذه الحزمة باعتبار أنها «قد تكون الأخيرة» حسب تعليق مجلة «ايكونوميست» البريطانية وأن «على أوكرانيا حضور طاولة مفاوضات واستخدام الدبلوماسية مع روسيا لمنع المزيد من فقدان الأرض» حسب خلاصة «حلقة نقاشية» نشرت على «بيزينس انسايدر»، لأن «أوكرانيا لا يمكنها الفوز عسكرياً، ولكن يمكنها الفوز سياسياً».