إلى وقت قريب كان الكثير من الشباب الجزائريين المقبلين على الزواج، يفضلون أو يشترطون عدم خروج زوجاتهم للعمل لأسباب مختلفة منها الديني والاجتماعي وحتى التربوي، لأنهم يعتقدون أن عمل المرأة يعيق بناء الأسرة وتربية الأولاد ورعايتهم، غير أن بقاء الحال من المحال، فالظروف الاجتماعية والاقتصادية لعبت لعبتها في المجتمع، ولذلك انقلبت المسألة إلى النقيض تماما، وباتت الشابة العاملة تحوز على أفضلية في بناء أسرة مقارنة بأولئك الماكثات في البيت.
في حديث هامشي ينطوي على تحول عميق في المجتمع الجزائري، خاطب شاب رفيقه بأن مؤشرات المنتسبات لقطاع التربية والصحة، سترتفع في سوق الزواج، وأن الطلب على هؤلاء سيزداد مستقبلا، بعد إقرار الحكومة للقانون الأساسي لعمال قطاعي التربية والصحة، بما يكفل لهؤلاء زيادات معتبرة في الرواتب.
هكذا صار الراتب مقياسا أو محفزا لتكون منتسبات القطاعين المذكورين عملة مطلوبة من طرف الراغبين في بناء أسر جديدة، وعلى هذا التحول اكتسب هؤلاء ذمة مالية مغرية للشباب، لكن التساؤل المطروح كيف يكون مصير مثل تلك الأسر المستقبلية بعدما دخل الراتب كمقياس مهم في الرباط العائلي.
المفاهيم الاجتماعية تغيرت كثيرا تحت تأثير التحولات المادية والاقتصادية، بعدما باتت المتطلبات اليومية لا يستطيع الوالد وحده توفيرها، ولذلك فرض تعدد مصادر الدخل نفسه كملاذ لمواجهة ضغوطات الحياة المعقدة، الأمر الذي جعل عمل المرأة مصدرا للتوافق بعدما كان سببا للتنافر وحتى فشل مشاريع الزواج.
غير أن الراتب ذاته، بقدر ما ساعد في توفير الأريحية للأزواج، بقدر ما كان في العديد من الأحيان مصدرا للمشاكل والنزاعات التي لم تجد حلها إلا في أروقة المحاكم، كأن يحاول بعض الأزواج الاستحواذ على دخل زوجته والتفرد بالإنفاق، أو أن عمل الزوجة نفسه ترك تداعياته على “كاريزما” الزوج أمام أهله أو محيطه.
إقرأ أيضا : لماذا أحب الأمريكيون جيمي كارتر؟
المنطق في هذه الحالة يساوي بين الجميع، في الدخل والعمل خارج البيت وداخله ولا أحد من الطرفين فضل على الطرف الآخر، فكلاهما يملك دخله ويتعب طيلة يومه، ويتحمل جزءا فقط من مسؤولية الأطفال والأسرة، بما أن منطق الحساب هو الذي يضبط العلاقة الأسرية.
وإذا كانت نصوص وإجراءات الحكومة قد صنعت أفضلية لمنتسبات قطاع التربية والصحة، قياسا بما سيجنينه من عائد بموجب القانون الأساسي الذي رفع رواتبهن، وأيضا حظا كبيرا في طلب الزواج، إلى درجة أن جعل الشاب ورفيقه ينظران إلى الخطوة على أنها مشروع استثماري تتوجب ملاحقته، وهما يعكسان توجها قريبا من الانتهازية، بدل البراغماتية المادية التي يفضلها البعض.
لا ضير في أن يكون راتب المرأة أو ثروتها خيارا من خيارات عقد القران في المجتمع، لكن ما بعد الراتب أو الثروة هو الذي بات مصدر قلق لدى البعض، لأن البعد الانتهازي كثيرا ما عقد الحياة الأسرية ودفعها للتفكك داخل أروقة المحاكم، فتحول منتسبات قطاعي التربية والصحة إلى مشروعات اجتماعية ينطوي على نية غير بريئة لدى مترصدي الفرص.
لقد ساهمت التحولات الاجتماعية والمادية، في كسر جبروت الذكورية والأعراف المتزمتة، فعمل المرأة الجزائرية لم يعد مقتصرا على المدن، بل يزحف تدريجيا إلى الأرياف والبوادي، والنظرة الناقصة إلى المرأة التي تسير إلى عملها صباحا أو زوجها الذي يسمح لها بذلك عادت إلى وضعها الطبيعي، والكل الآن يتمنى امرأة عاملة خاصة إذا كانت في مدرسة أو مشفى.