جرت محاولة اغتيال للرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب قبل ساعات أثناء خطاب له وسط مهرجان انتخابي بولاية بنسلفانيا، تحضيراً للانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في الثالث من نوفمبر (تشرين الأول) المقبل.
أصيب ترمب إصابة سطحية برصاصة لامست أذنه اليمنى وأخطأت رأسه، ونتج من المحاولة مقتل أحد الحضور وإصابة اثنين إلى جانب مقتل الجاني من قبل شرطة الحماية السرية.
وبصرف النظر عن تفاصيل المحاولة ودوافع منفذها فهي لم تكن الأولى، ولا أظنها ستكون الأخيرة، داخل بلد جرت فيه اغتيالات سياسية، منذ اغتيال محرر العبيد وموحد أميركا وبطل الحرب الأهلية الرئيس أبراهام لينكولن، واستمرت متقطعة حتى محاولة اغتيال ترمب ليل البارحة.
جرت محاولة الاغتيال في بلد يعد شراء سلاح ناري فيه أسهل من شراء علبة سجائر، ويعيش حالاً غير مسبوقة من الانقسام السياسي والتباعد الخطابي والعنف اللغوي، وهي أجواء عززت من حال الاحتقان الذي أسهم بشكل أو آخر في محاولة الاغتيال التي جرت قبل ساعات.
والحق أن الاغتيالات السياسية ليست حصراً على الولايات المتحدة، فمن يتصفح “غوغل” سيجد أن أعرق الديمقراطيات لم تخل منها، منذ أيام كرومويل ببريطانيا وحتى محاولة الانقلاب على شارل ديغول في فرنسا خلال ستينيات القرن الماضي، أما عالمنا العربي فيعج بالاغتيالات السياسية التي يعجز “غوغل” عن حصرها.
جاءت محاولة اغتيال ترمب في أجواء حملة انتخابية نادرة، رئيس هرم خرف يخلط “الزيت بالماء” كما يقول المثل الشعبي، ويحرج مؤسسة الرئاسة وحزبه الديمقراطي مرة تلو أخرى، إذ تكررت أخطاؤه بخلطه الأسماء والأشخاص في مؤتمراته الصحافية وندواته والمؤتمرات التي يشارك فيها، حتى أتى “بمطبقة البوخ” كما يقول البدو، أي ثالثة الأثافي في أمثال القدماء، فقبل يومين وأثناء مؤتمر الـ “ناتو” الذي استضافه بايدن في واشنطن، قدم الرئيس الأوكراني على أنه الرئيس بوتين، وبعد سويعات قليلة وخلال مؤتمر صحافي عقده منفرداً قال إنه “اختار دونالد ترمب نائباً له لقدرته على القيام بدور الرئيس في حال غيابه”، أي أنه خلط بين اسم نائبته كمالا هاريس وبين منافسه اللدود دونالد ترمب.
ولذلك تتزايد أعداد قياديي الحزب الديمقراطي الذين يطالبونه بالتنحي عن سباق الرئاسة يوماً بعد يوم، وفي المقابل فإن منافسه دونالد ترمب لا يزال منتشياً بانتصاره الحاسم في المناظرة الأولى التي جرت بينهما في الـ 27 من يونيو (حزيران) الماضي، كما أنه يحقق شعبية بتدهور الحال الذهنية المستمرة للرئيس جو بايدن.
صحيح أن ترمب يواجه إدانات قضائية جنائية تجاوزت الـ 30، وصحيح أنه لا يزال يواجه مزيداً من القضايا التي يمكن أن تحرمه نظرياً الترشح للانتخابات، لكن الأصح أنه نجح بأن يحول كل تلك الاتهامات إلى خانة “المؤامرة” من قبل “الدولة العميقة” التي تريد إقصاءه من العودة لسدة الرئاسة، وما محاولة الاغتيال هذه، كما سيكرر مؤيدوه، سوى حلقة في سلسلة المؤامرات لإقصائه وإبعاده من المشهد السياسي، مما سيعزز قاعدته الانتخابية وتوسعها يوماً بعد يوم.
ثم أتت محاولة اغتيال ترمب في بنسلفانيا التي نجا منها ونهض في ثوان واقفاً رافعاً قبضته ومنادياً “القتال.. القتال.. القتال”، وقد رددها والدماء تسيل على وجهه والعلم الأميركي يتدلى خفاقاً فوق رأسه، وهي الصورة التي ستترسخ في أذهان الناخبين الجمهوريين وأولئك المترددين ولسان حالهم يقول إن “هذا رئيس على استعداد للموت من أجل أميركا”، أو كما يقولون بالإنجليزية الأميركية:
(WILLING TO TAKE A BULLET FOR AMERICA)
فشلت محاولة الانقلاب ولم تنه حياة دونالد ترمب وتقضي عليه، فقد ظهر وهو ينزل من طائرته الخاصة بعدها بساعات قليلة في ولاية نيوجيرسي المجاورة لبنسلفانيا بتحد وصلف وإصرار على مواصلة الحملة، وكأني به يوم غد الإثنين في ولاية مينيسوتا حيث سيعقد مؤتمر الحزب الجمهوري لترشيحه رسمياً لخوض الانتخابات وهو يردد عبارة “القتال.. القتال.. القتال”.
فشلت محاولة القضاء على ترمب لكنها نجحت باغتيال جو بايدن سياسياً، وأطلقت رصاصة الرحمة السياسية على حملته الانتخابية المتعثرة ولعلها أنهت مسيرته السياسية، وأتوقع أن يعلن الحزب الديمقراطي بديلاً سريعاً عنه، وإلا فإن مصيره الفشل الانتخابي الحتمي في نوفمبر المقبل.