المجاعة والطفولة في غزة عار القرن الحادي والعشرين
قالت المنظمة الدولية إن ما يقرب من 7500 طفل قُتلوا في غزة خلال الحرب، في حين يقول المكتب الإعلامي الرسمي في غزة، إن نحو أكثر من 15 ألف طفل قتلوا.
وصف آخر تقرير للأمم المتحدة مستوى الجوع في قطاع غزة بأنه حالة كارثية، محذرا من أن ما يقرب من نصف مليون شخص في القطاع الفلسطيني، يعانون من مستويات منخفضة جدا من انعدام الأمن الغذائي، وأن عوائل كاملة تمضي أياما من دون طعام. وقد شاركت 20 وكالة ومنظمة إنسانية تابعة للأمم المتحدة في إصدار هذا التقرير.
كما كانت تصريحات الأمين العام للأونروا إشارة واضحة إلى قتامة ما ينتظره الفلسطينيون من أيام مقبلة، التي قال فيها إن الوكالة الأممية هذه تواجه أزمة حادة في التمويل، وإن ما لديها سينتهي في نهاية شهر أغسطس/ آب المقبل، وتعزيزا لهذه الصورة قالت حركة حماس، إن قطاع غزة، لم يستقبل أي شاحنة مساعدات منذ 50 يوما.
وتستمر الشهادات التي تبين ما يعانيه الناس من ظروف حياتية صعبة، في ظل العدوان الصهيوني المستمر والمتصاعد على المدنيين منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث يقول الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إن الحرب في غزة مختلفة عن باقي الحروب، ويعزي السبب في ذلك إلى أنه في الحروب هناك قوة واحدة تُهاجم وتحتل جزءاً من أراضي القوة الأخرى، ومن ثم يقومون بإجراءات تضمن الأمن وإدارة المناطق التي يحتلونها، بينما في غزة هناك هجمات وتفجيرات، ثم تنتقل القوات إلى أماكن أخرى، من دون ترتيبات إدارية للمناطق التي تركتها.
وقد أدى كل هذا إلى فوضى عارمة يدفع ثمنها المدنيون، حيث تعاني الوكالات الإنسانية من عوائق وقيود إدارية مفروضة عليها، ومن سوء خدمة الاتصالات عبر الإنترنت، وسوء حالة الطرق والنقص الحاد في الوقود للتنقل. وعليه فإن الأمم المتحدة ترى أن الوضع في قطاع غزة بات كارثيا، وأنها تقترب بشدة من إعلان المجاعة في القطاع.
وإعلان المجاعة هذا هو مرحلة يُصرّح بها حين تصل الأمور إلى مرحلة بالغة السوء كما هو الواقع اليوم، فوفق تصنيفات الأمم المتحدة هناك مراحل لحالة الأمن الغذائي، والمرحلة ما قبل الأخيرة التي هي إعلان المجاعة، هي المرحلة التي يُطلق عليها (الانعدام الحاد في الأمن الغذائي). وقد أعلنت الأمم المتحدة في تقريرها المشار اليه بأن 96% من السكان قد بلغوا حالة الانعدام الحاد في الأمن الغذائي فعليا.
الأمم المتحدة ترى أن الوضع في قطاع غزة بات كارثيا، وأنها تقترب بشدة من إعلان المجاعة هناك. وإعلان المجاعة هو مرحلة يُصرّح بها حين تصل الأمور إلى مرحلة بالغة السوء كما هو الواقع اليوم
إذن نحن بصدد وضع يصعب وصفه على الإطلاق، فضلا عن تداعياته الإنسانية التي تصيب الأطفال والنساء وكبار السن والعجزة أكثر مما تصيب غيرهم. وإذا ما أخذنا بنظر الاعتبار العوامل الأخرى، التي يشير لها تقرير الأمم المتحدة وهي، نقص الأيدي العاملة وإصابة العديد من العاملين في توزيع المساعدات الإنسانية، ما أدى إلى التراجع في التوزيع بسبب الحرص على حياتهم وعدم التضحية بهم، وحالة الفوضى وانعدام التنسيق، وعدم وجود بُنية أساسية تستقبل الشاحنات بعد أن دمرت القوات الإسرائيلية كل مباني المنظمات الإنسانية تدميرا تاما.
يصبح واضحا لدينا أن هناك تعمّدا وإصرارا إسرائيليا في أن تكون المجاعة هي إحدى أدوات الحرب على شعبنا في غزة، فالأسباب باتت متداخلة ولم تعد المشكلة الأكبر هي في السماح أو عدم السماح بإدخال المساعدات، أو الصعوبة في توزيعها على المناطق المتضررة في ظل القتال المحتدم هناك وحسب.
إن القانون الدولي يشير بلا لبس إلى أن إسرائيل هي قوة احتلال اليوم في قطاع غزة، بالتالي هي وفق هذا القانون مسؤولة عن إدخال المواد الإغاثية والغذاء إلى سكان هذه المناطق التي تحتلها. ومع ذلك سمع العالم كله تصريح وزير المالية الإسرائيلي الذي قال فيه، إن إدخال المساعدات إلى غزة يعني إطعام حماس ولن نسمح بذلك.
كما أن وزير الدفاع الذي لا يُحسب على اليمين المتشدد مثل وزير المالية، قال في تصريح علني، لا طعام ولا شراب ولا كهرباء ولا وقود نسمح بإدخاله إلى غزة، وهذه كلها اعترافات رسمية بمنع أعلى سلطة في البلاد من دخول المساعدات إلى غزة، وبذلك فإن الذي يحدث الآن على أرض الواقع، هو تأكيد للاستراتيجية الإسرائيلية في العمل على إبادة الشعب الفلسطيني.
أما الوجه الآخر للجريمة التي يرتكبها الاحتلال ضد أهلنا في قطاع غزة فهي، الكارثة التي حلت بالطفولة هناك، حيث العيون جاحظة من شدة الجوع، والأفواه فاغرة، والعظام بارزة لا يكسوها إلا الجلد، وغيرهم أشلاء متناثرة بسبب القصف الإسرائيلي، وهو ما دفع الأمم المتحدة مؤخرا إلى إدراج إسرائيل على القائمة السوداء للدول والمنظمات التي تُلحق الأذى بالأطفال في مناطق النزاع، حيث غطى تقريرها عددا من الانتهاكات مثل القتل والتشويه والعنف الجنسي والاغتصاب والحرمان من وصول المساعدات والهجمات على المدارس والمستشفيات.
وقالت المنظمة الدولية إن ما يقرب من 7500 طفل قُتلوا في غزة خلال الحرب، في حين يقول المكتب الإعلامي الرسمي في غزة، إن نحو أكثر من 15 ألف طفل قتلوا. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن هذه الجرائم لم تبدأ بعد السابع من أكتوبر الماضي، بل كان الكيان الصهيوني يمارسها منذ سنوات طويلة، وهذا الكيان هو الدولة الوحيدة في العالم التي تقتل ما بين 500- 700 طفل سنويا، حسب إحصائيات المنظمات التي تهتم بالطفولة.
في حين تشير تقارير أخرى إلى أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي قتلت 12300 طفل فلسطيني، في الوقت الذي قُتل فيه هذا العدد نفسه تقريبا في العالم أجمع على مدى ست سنوات. وعليه فإن الأمم المتحدة ومؤسساتها، والمحاكم الدولية باتت اليوم أمام تحدٍ حقيقي يمس وجودها ومصداقيتها، وهو هل هي مؤسسات من أجل العدالة الدولية؟ أم أنها خاضعة لإدارة سياسية تتمثل بالولايات المتحدة الأمريكية، التي تتيح الفرصة لإسرائيل لخرق المنظومة الحقوقية الدولية، في كل الاتفاقيات الدولية، التي وقّعت عليها الأسرة الدولية، التي أنشأت الأمم المتحدة، مثل اتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية حقوق الإنسان، وقوانين الحرب وغيرها من الاتفاقيات الدولية.
يقينا أن الشعب الفلسطيني اليوم يشعر بأنه قد تعرّض للخذلان أكثر من أي وقت مضى من قبل المجتمع الدولي، بسبب عدم التصدي لكل هذه الجرائم الإسرائيلية التي تُرتكب بحقه، لكن شعوره بالخذلان أكثر وأقسى لأن أشقاءه العرب لم يستطيعوا أن يتخذوا حتى موقف أضعف الإيمان تجاهه في هذه الأزمة الكارثية. فما زالت سفارات الكيان الصهيوني على أرضهم، واجتماعاتهم التنسيقية مع إسرائيل في الشؤون الأمنية والعسكرية متواصلة، حيث كان آخرها اجتماع المنامة قبل أسابيع قليلة، وحتى تحركاتهم على الصعيد الدولي في هذه الأزمة كانت محدودة، وأن أقصى ما فعلوه لمساعدة أهلهم وأشقائهم في غزة كان إلقاء النزر اليسير من المساعدات من الجو بالطيران، بعد استحصال موافقة الكيان الصهيوني على ذلك، وهنا يبرز بشكل واضح عدم وجود إجماع على مفهوم الأمن القومي العربي.