المجاعة في غزة.. وتراجع نموذج أمريكا وديمقراطيتها!
لم يرتدع نتنياهو بتهديد الرئيس بايدن- عندما أبلغه “لا تتوقع الاعتماد على دعمنا في حال قررت شن حرب استباقية على حزب الله في لبنان”. خاصة في حال سقوط أعداد كبيرة من المدنيين. واستمر نتنياهو بتجاهل مطالب الرئيس بايدن وإحراجه.
بوب وودورد الصحافي الأمريكي المخضرم، مؤلف 23 كتابا- وجميعها الأكثر مبيعا، والفائز بجائزتي بولتزر- الأرفع في عالم الصحافة الأمريكية”. نجح وودورد بعمله الصحافي الاستقصائي على مدى أكثر من نصف قرن بالوصول إلى مقابلة كبار الصناع القرار والسياسة الأمريكية- وذلك بعد نجاحه مع زميله كارل برنستين في صحيفة واشنطن بوست بكشف فضيحة “ووترغيت”-ما دفع الرئيس ريتشارد نيكسون على الاستقالة من منصبه ليتجنب محاكمته وعزله من منصبه في صيف عام 1974.
يكشف وودورد في آخر كتبه “الحرب” عن مواقف صادمة لبعض القادة العرب من حرب إسرائيل على غزة-لكن سأركز في مقالي على تعامل الرئيس بايدن مع ثلاثة حروب. حرب بوتين على أوكرانيا والخشية من استخدام السلاح النووي التكتيكي. وحرب إسرائيل على غزة-واستمرار حرب الإبادة في عامها الثاني، والحرج من شراكة الولايات المتحدة أمام الرأي العام العالمي. وحرب بايدن الثالثة -الداخلية- والاستقطاب المحتدم داخل النظام وتراجع نموذج الديمقراطية الأمريكية.
ينقل وودورد في كتابه بناء على محادثات مع شخصيات رسمية ومطلعة على النقاشات وخلف الكواليس: خشية الرئيس بايدن وأركان إدارته من استخدام، بعد تقييم مجمع الاستخبارات الأمريكية وإدارته من احتمال استخدام بوتين سلاحا نوويا تكتيكيا في حال فشل في أوكرانيا في خريف عام 2022 بنسبة 50 في المئة.
وهذا ما لمّح له الرئيس بوتين، وبرغم عدم استخدام بوتين السلاح النووي التكتيكي بعد واحد وثلاثين شهراً من الحرب الطاحنة في أوكرانيا- لكن ودورد ينقل في كتابه أن الرئيس بايدن لا يزال يخشى من استخدام بوتين سلاحا نوويا تكتيكيا، خاصة إذا أيقن باستحالة انتصاره في الحرب. استخدام السلاح النووي هو انتحار وغير ممكن لتداعياته الخطيرة، واندلاع حرب عالمية ثالثة.
ينقل وودورد تحذير وزير الدفاع الأمريكي أوستن لوزير الدفاع الروسي شويغو، “نحذركم من استخدام النووي التكتيكي”. ليرد شويغو لدى الاستخبارات الروسية معلومات عن تحضير الأوكرانيين لاستخدام “قنبلة قذرة” ونعتبر ذلك “إرهابا نوويا”. ليرد أوستن لا نصدقكم وليس لدى استخباراتنا أيه أدلة على عزم الأوكرانيين القيام بذلك”. وأتهم أوستن وزير الدفاع الروسي “تستخدمون ذلك التهديد، لتبرير استخدام السلاح النووي التكتيكي”. تأكد وودورد من صحة المكالمة المثيرة من وزير الدفاع أوستن نفسه: “أبلغني المكالمة صحيحة”!
الحرب الثانية: حرب إسرائيل على غزة. برغم تصعيد نتنياهو الخطير ورفضه الاستجابة لمساعي الوساطات والتهدئة ومطالب الرئيس بايدن بوقف الحرب والتوصل لصفقة تبادل الرهائن مع حماس ومن السجون الإسرائيلية- وعدم شن حرب ضد حزب الله، يشير وودورد- للعلاقة المتشنجة بين الرئيس بايدن ونتنياهو-بسبب إصراره على الاستمرار بالتصعيد والمواجهة، ما يعمّق حالة الإحباط وعدم ثقة بايدن بنتنياهو. وبرغم ذلك يشير وودورد إلى تكرار الرئيس بايدن ووزيري الخارجية والدفاع-على “حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها!! وتقف أمريكا مع إسرائيل بتوفير الدعم المطلوب، وعدم خذلان إسرائيل “.
يوثق وودورد تكرار رفض نتنياهو مطالب بايدن-بعدم اقتحام رفح، وتجميده شحنة قنابل، وعدم توسيع دائرة الحرب، ورفض وعدم دعم الولايات المتحدة شن حرب استباقية على لبنان، للخشية من تفجير حرب إقليمية. كما يوثق بوب وودورد في كتابه بوصف بايدن نتنياهو بأوصاف “نابية ومهينة”. وكان ذلك قبل التصعيد الكبير على حزب الله ولبنان- “بمجزرة البيجرات” وأجهزة اللاسلكي واغتيال أمين عام حزب الله- حسن نصرالله وقيادات الحزب السياسية والعسكرية وخاصة فرقة النخبة “الرضوان”.
اقرأ أيضا| إعادة إعمار غزة ومقومات الوحدة الوطنية
لم يرتدع نتنياهو بتهديد الرئيس بايدن- عندما أبلغه “لا تتوقع الاعتماد على دعمنا في حال قررت شن حرب استباقية على حزب الله في لبنان”. خاصة في حال سقوط أعداد كبيرة من المدنيين. واستمر نتنياهو بتجاهل مطالب الرئيس بايدن وإحراجه، وارتفاع عدد الضحايا المدنيين في حربي غزة ولبنان. ما دفع بايدن حسب وودورد- بوصف نتنياهو بأوصاف نابية ومهينة.
بالإضافة لاستفزاز نتنياهو إيران باغتيال قيادات عسكرية في الحرس الثوري في قنصلية إيران في دمشق مطلع أبريل الماضي واغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في قلب طهران نهاية يوليو الماضي. ورد إيران في أبريل بقصف صاروخي وتكرار الرد الإيراني مطلع أكتوبر الجاري 188 صاروخا باليستي- ورد إسرائيل في 26 أكتوبر بغارات انتقامية، وبرغم محدوديتها- لكن إيران تهدد برد وتوسيع الحرب في عز موسم الانتخابات الأمريكية الحاسمة!
الحرب الثالثة: الصراع والانقسام والاستقطاب السياسي والاجتماعي الأمريكي الداخلي أخطر سمة من سمات انتخابات الرئاسة الأمريكية غدا! مدفوعاً بتحريض ترامب الذي يهدد وأنصاره بأعمال عنف وفوضى وحتى حرب أهلية في حال خسر ترامب أو رفض الاعتراف بخسارته. لدرجة يكرر الرئيس بايدن ونائبته هاريس تهديد ترامب الديمقراطية الأمريكية، ويحرض أتباعه على المواجهة والتصعيد! وتنحي بايدن عن تمثيل حزبه الديمقراطي لنائبته كامالا هاريس لتواجه ترامب في انتخابات الرئاسة الحاسمة.
وضع وودورد ترامب في ذيل قائمة الرؤساء الأمريكيين، واتهمه بالاهتمام بمصلحته فقط. سبق قاضى ترامب بوب وودورد وطالبه ودار النشر شوستر بدفع 50 مليون دولار لنشر وودورد مقابلات ترامب العشرين في سنة ترامب الأخيرة في البيت الأبيض دون موافقته وتعويضه لقاء المقابلات. فقط في أمريكا يمكن لصحافي مثل وودورد النجاح والتميز بما يوفره الدستور وثقافة حرية الصحافة وحق النشر!!
أمريكا على صفيح ساخن عشية انتخابات الرئاسة غداً-وكأن هناك أمريكيتين-منغلقة انعزالية متشددة- إقصائية ترفض الآخر يمثلها ترامب وأنصاره. وأمريكا منفتحة تعددية جامعة تمثلها هاريس وأنصارها. يحبس الجميع الأنفاس ويتساءلون لمن ستكون الغلبة وما هو مستقبل أمريكا ودورها في العالم؟!