“الكلاب الشاردة” تقسم الساحة السياسية في تركيا
إنشاء مآوٍ لرعاية الكلاب الشاردة فيها يكلف السلطات المحلية ملايين الليرات، في الوقت الذي تحتاج فيه البلاد إلى تطبيق برامج التقشف لمكافحة التضخم
تستعد الحكومة التركية لتقديم مشروع قانون إلى البرلمان لحل مشكلة الكلاب الشاردة التي باتت تهدد حياة المواطنين، على رأسهم الأطفال، في ظل انقسام حاد حول كيفية التعامل مع الأزمة. ويرى كثير من المواطنين ضرورة الحد من انتشار الكلاب الشاردة في الشوارع، ومحطات القطارات والباصات، وحتى الأسواق والمستشفيات، وحول المدارس والمساجد، ويقول آخرون إن تلك الكلاب “أصدقاء الناس”، ومن حقها أن تعيش في الشوارع بكل حرية، وأن تتلقى رعاية صحية من السلطات المحلية.
مشكلة الكلاب الشاردة بدأت بعد صدور قانون حماية الحيوانات في صيف 2004، وتفاقمت مع مرور السنين. ويقول القانون في مادته الأولى إنه يهدف إلى ضمان حياة مريحة للحيوانات والتعامل معها بشكل جيد ومناسب، وحمايتها بأفضل طرق من معاناة الآلام والأذى، بالإضافة إلى منع انتهاك حقوقها كافة.
وزير الزراعة والغابات التركي إبراهيم يومقلي، في تصريحاته حول هذه المشكلة، أشار إلى أن عدد الكلاب الشاردة في البلاد يقدر بحوالي 4 ملايين، إلا أن هناك تقديرات أخرى تقول إنه أكثر من هذا الرقم بكثير، بل يقول بعض المتابعين للموضوع إنه يتجاوز الـ20 مليونا. وذكر الوزير أن 3535 حادث مرور وقع خلال السنوات الخمس الأخيرة بسبب اصطدام المركبات بالكلاب الشاردة، وتوفي في تلك الحوادث 55 شخصا، وأصيب فيها 5147 آخرون.
ضحايا الكلاب الشاردة لا تقتصر على هؤلاء فحسب، بل إن هناك أطفالا ومسنين قتلوا أو جرحوا بسبب تلك الكلاب، مثل الطفلة التي ماتت في 2022 بمحافظة أنطاليا بعد أن صدمتها شاحنة أثناء هروبها من الكلاب الشاردة التي هاجمتها، ومثل السيدة العجوز التي قتلتها الكلاب الشاردة قبل حوالي شهر في محافظة أضنة. كما أن هناك مواشي تعرضت في القرى لهجوم تلك الكلاب التي قتلت عددا منها.
المدافعون عن الكلاب الشاردة ينطلقون من أسباب مختلفة. ويأتي على رأس هؤلاء، أصحاب المصانع التي تنتج أطعمة للكلاب. وأعلنت وزارة الزراعة والغابات أن 46 شركة طلبت رخصة لإنتاج أطعمة للكلاب والقطط في 2020، وارتفع هذا الرقم إلى 75 شركة في 2021، و90 شركة في 2022، و107 شركات في 2023، ليصل هذا العام إلى 114 شركة، ما يعني أن هناك سوقا تكبر يوما بعد يوم. وبالإضافة إلى تلك الشركات المنتجة، فإن هناك شركات أخرى تستورد أطعمة الكلاب من الخارج، ومن المؤكد أنه كلما كثر عدد الكلاب زادت أرباح تلك الشركات التي تموِّل حملات التضامن مع الكلاب الشاردة.
هناك أطباء بيطريون فتحوا عيادات في المدن لفحص الكلاب وتطعيمها وعلاجها، وهم أيضا يستفيدون من ارتفاع عدد الكلاب الشاردة التي يقوم متطوعون بجمع التبرعات لرعايتها، كما أن هؤلاء المتطوعين يستفيدون من تلك الأموال التي يجمعونها بدعوى رعاية الكلاب الشاردة. إلا أن الفئة الأكثر تطرفا في الدفاع عن الكلاب الشاردة هم الذين يرون البشر والكلاب سواسية، بل ويذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك، ليفضل الكلب على الإنسان. وقالت إحدى هؤلاء، على سبيل المثال، إنهم لن يسمحوا بجمع الكلاب الشاردة في مآوٍ خاصة بها بعيدة عن الشوارع، وهددت الحكومة بتفجير “حرب أهلية” إن أقدمت على قتل تلك الكلاب.
الساحة السياسية هي الأخرى منقسمة بين مؤيدين لإنهاء مشكلة الكلاب الشاردة عن طريق القتل الرحيم ومعارضين له، بل وتوجد آراء مختلفة داخل صفوف الأحزاب بما فيها حزب العدالة والتنمية. ويدعو رئيس حزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزل، إلى جمع الكلاب من الشوارع ورعايتها في مآوٍ خاصة بها تابعة للبلديات، فيما يقول رئيس بلدية أنقرة منصور ياواش المنتمي إلى ذات الحزب، إن الحل الأخير هو القتل الرحيم للكلاب الشاردة. كما أن هناك سياسيين يتمنون أن لا تحل الحكومة هذه المشكلة من جذورها، كي تبقى ورقة يستغلونها ضد حزب العدالة والتنمية حتى الانتخابات القادمة.
إنشاء مآوٍ لرعاية الكلاب الشاردة فيها يكلف السلطات المحلية ملايين الليرات، في الوقت الذي تحتاج فيه البلاد إلى تطبيق برامج التقشف لمكافحة التضخم. ووفقا لنتائج استطلاع الرأي الذي أجرته دائرة الاتصال التابعة لرئاسة الجمهورية، يرى أكثر من 80 في المائة من المواطنين أن الحل هو جمع الكلاب الشاردة في مآوٍ أولا، ثم قتلها بالحقنة بعد مدة، إن لم يتم تبنيها من قبل المواطنين لتربيتها في بيوتهم أو حدائقهم.
الرافضون لحل مشكلة الكلاب الشاردة سيبذلون هذه الأيام كل ما بوسعهم لمنع موافقة البرلمان على مشروع القانون، أو لتغيير صيغته لتتناسب على الأقل مع بعض مطالبهم. كما أن تمرير القانون من البرلمان لا يعني بالضرورة أن المشكلة سيتم حلها تلقائيا دون الحزم في تطبيق القانون، علما بأن الحكومة التركية سبق أن قامت بتمرير قانون من البرلمان لمكافحة حملات بث الإشاعات والأنباء الكاذبة، ولكن لم يتغير شيء في الواقع، لتستمر الحملات المضللة كما كانت قبل صدور ذاك القانون.