القمة الفرنكوفونية : باريس في محاولة لإستعادة “مجد الفرنسية” الضائع في أفريقيا
قررت فرنسا لأول مرة منذ 51 عامًا عقد القمة الفرنكوفونية في دولة ناطقة بالإنجليزية في القارة الأفريقية، في مسعى “ناعم” للبحث عن شركاء آخرين من خارج البلدان الناطقة بالفرنسية التي بدأت تجافي باريس.
ويُحصي آخر تقرير للمنظمة العالمية للفرنكوفونية 300 مليون شخص في القارات الخمس يتحدثون “لغة موليير”، ومن بين هؤلاء 68% يوجدون في أفريقيا جنوب الصحراء، بينما يعيش 22% في شمال أفريقيا. وهناك 7% في الأمريكيتين، بينما تضم أوروبا 3% فقط من المتحدثين بالفرنسية.
شراكة بلون آخر
وتعمل باريس على تعزيز حضور هذه اللغة عبر منظمة الفرنكوفونية، فيما قررت عقد القمة الأفريقية الفرنسية المقبلة عام 2026 في نيروبي، لأول مرة في دولة غير ناطقة بالفرنسية، حسبما أعلن الرئيسان الفرنسي والكيني، إيمانويل ماكرون، ووليام روتو، على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
واستغرق انعقاد القمة الأفريقية الفرنسية في دولة ناطقة باللغة الإنجليزية 51 عاما، إذ منذ 1973 تعقد القمم بالتناوب في فرنسا، وفي دولة أفريقية ناطقة بالفرنسية.
لكن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها التخطيط لعقد قمة جديدة في دولة ناطقة باللغة الإنجليزية، وهو مؤشر يدل على اتجاه الدبلوماسية الفرنسية بشكل متزايد نحو شركاء آخرين في القارة، في حين أنها تعاني أزمة وجودية في العديد من مستعمراتها السابقة، خاصة في منطقة الساحل.
ويفسر الباحث السياسي الجزائري، سعدود معمر، محاولة ماكرون اختراق دول أفريقية بعيدة عن الفلك الفرنسي بالسعي لاستعادة صورتها المتزعزعة في أوساط المناهضين لخطابات معادية بدأت تترسخ في النخب المتعلمة في القارة.
انحسار “لغة موليير”
ولفت معمر إلى محو كل ما يتعلق بالوجود الفرنسي في دول الساحل، مثل مالي التي ألغت بموجب دستورها الجديد إقرار اللغة الفرنسية، في وقت أزالت بوركينا فاسو النقاب عن مقترح قانون لتعديل الدستور ينص على التخلي عن اعتماد اللغة الفرنسية لغة رسمية.
وفي السياق، لن تكون مالي حاضرة في القمة الفرنكوفونية المقبلة المقرر عقدها في الفترة من الرابع إلى الخامس من أكتوبر/ تشرين الأول في فرنسا، والمنعقدة تحت شعار “ابتكر وابتكر وقم بالفرنسية”.
واللغة الفرنسية الآن بهذا البلد، تعتبر “لغة عمل” فقط بعد تعليق عضوية باماكو في المنظمة الدولية للفرنكوفونية في عام 2021، في أعقاب الانقلاب العسكري.
ومع قطع علاقاتها تدريجيا مع فرنسا، المستعمر السابق لها، علقت النيجر أيضا كل تعاونها مع المنظمة الدولية للفرنكوفونية، وبحسب المجلس العسكري الحاكم في النيجر، فإن المنظمة التي تضم 88 عضوا، لطالما استخدمتها باريس كأداة للدفاع عن المصالح الفرنسية.
وبسبب الانقلاب، أوقفت المنظمة الدولية للفرانكفونية معظم تعاونها مع النيجر، لكنها قالت إنها ستواصل البرامج “التي تفيد بشكل مباشر السكان المدنيين، وأولئك الذين يساهمون في استعادة الديمقراطية”.
ولا يعني أن “لغة موليير” فقدت بريقها كليًا، إذ تبقى الفرنسية اللغة الرسمية الوحيدة في 11 دولة أفريقية، وثاني لغة في 10 دول أخرى، وهي أيضا اللغة الرئيسية أو لغة التعليم الوحيدة في مدارس كل من: بنين، جمهورية أفريقيا الوسطى، جزر القمر، جمهورية الكونغو، الكونغو الديمقراطية، ساحل العاج، الغابون، غينيا، مالي، النيجر، السنغال وتوغو.