ملفات فلسطينية

القضاء على العملاء: مفتاح تحرير القدس والعالم الاسلامي

عشرة أشهر مرت على بداية عملية تهجير وتجويع وابادة شعبنا الغزاوي، والعالم الإسلامي مكبّل، غارق في حيواته التي رسمتها له الامبريالية الغربية الاستهلاكية مبعدة إياه عن القيم القومية والدينية وحتى الإنسانية، مراقب من طرف العملاء والخونة.

لم يكن للاحتلال الصهيوني أن يمعن في إبادة وتجويع وتهجير شعبنا بغزة الا بعد ان ضمن منذ مدة ولاء مجموعة كبيرة من العملاء والخونة والمتعاونين والمخبرين والمدجنين والمستسلمين في أرض الإسلام. ولنكن صريحين: يوجد إقليم واحد في العالم الإسلامي لا يخضع للسيطرة التامة ولمساومات أمريكا والغرب وهو إقليم غزة الصامد.

كذلك، هذا الإقليم المسلم هو الإقليم الوحيد في العالم الإسلامي الذي استطاع ان يخفض من العملاء والمخبرين الى مستوى يقارب الصفر، على عكس الدول الإسلامية التي تعرف اختراقا فاضحا من العملاء بدرجات متفاوتة من دولة إلى أخرى. دول مستقلة بقرارها غير أن العملاء يحاولون التأثير على قراراتها دون الظهور العلني، وحكومات ومملكات وامارات أخرى سلمت شعوبها ودولها علانية للكيان الصهيوني.

عشرة أشهر مرت على بداية عملية تهجير وتجويع وابادة شعبنا الغزاوي، والعالم الإسلامي مكبّل، غارق في حيواته التي رسمتها له الامبريالية الغربية الاستهلاكية مبعدة إياه عن القيم القومية والدينية وحتى الإنسانية، مراقب من طرف العملاء والخونة والمتعاونين الذين استطاعوا التغلغل إلى مستويات عدة في الدولة والحكم : تجدهم تجارا، رجال أعمال، فنانين، عسكريين، صحفيين، أساتذة، مسؤولين حكوميين، وقد يكون منهم الأئمة.

اذا، بدل التركيز على المبالغة في الاعتقاد بقوة العدو الصهيوني المحتل و عرابه الولايات المتحدة الأمريكية، فيجب التنبيه بأن اكثر نجاحاتهم ترتكز أساسا على الدور الحيوي للعملاء والخونة والمدجنين في دولنا الإسلامية من أبسط فرد إلى أكبر الموظفين والعسكريين المتعاونين، ولن تنال القدس والعالم الإسلامي استقلالهما كاملا إلا بعد القضاء على العملاء الذين يعيشون بين ضهرانينا.

ولكن السؤال: كيف يتم تجنيد العملاء في العالم الاسلامي؟ ما هي صفاتهم؟ ما هي مهامهم؟ وكيف يمكن للعالم الإسلامي التخلص منهم؟

نعتقد بأن إجابات عديدة نجدها في تجربة “الحركى” وهم مجموعة من العملاء الذين عملوا مع فرنسا الاستعمارية ضد ثورات الشعب الجزائري وضد الثورة المجيدة التي كانت ثورة نوفمبرية باديسية. سنكتشف سويا بأن الاستعمار له نفس التفكير في تجنيد العملاء والخونة غير أن الأشكال والمسميات فقط تتمايز من زمن إلى آخر.
كيف يتم تجنيد الخونة وما هي مهامهم:

لقد روى لنا آباؤنا المجاهدون بالتفصيل كيف استطاعت فرنسا الاستعمارية تجنيد مجموعة من الجزائريين كعملاء تم تسميتهم آنذاك ” الحركى”، ولقد تناولت الدراسات التاريخية بصفة دقيقة كيف استعملت فرنسا هذا السلاح القوي في محاولة تدمير عزيمة الشعب لانتزاع استقلاله. إن أول هدف للاستعمار من تجنيد الخونة والعملاء هو تخفيف القتلى من جنوده والتضحية بالخونة في الصفوف الأولى مع ضمان اطعامهم ومنحهم بعض الفرنكات.

وبالاسقاط، نرى بأن الكيان الصهيوني المحتل بمساعدة حلف الناتو الاستعماري ومنذ ستينيات القرن الماضي نجح في تجنيد دول، مملكات وامارات بجيوشهم ضد شعوب عربية إسلامية للتخفيف من الطوق المضروب على الكيان الصهيوني. لقد رأينا منذ ستينيات القرن الماضي كيف تم تصفية الملايين من الفلسطينيين اللاجئين، العراقيين، اليمنيين، السوريين، اللبنانيين، الليبيين، الأفغانيين، الباكستانيين وأخيرا السودانيين، بمساهمة الخونة والعملاء من قيادات الدول العربية وجيوشهم.

لذا، أول مؤشر يؤكد توفّر صفة العمالة والخيانة يتمثل في الاقدام على تجنيد الجيوش لقتل المسلمين وهذا بغرض تخفيف الطوق الديمغرافي الاسلامي على الكيان الصهيوني الذي يرى في جموع المسلمين حوله التهديد الرئيسي، كما كان الشأن لدى الاستعمار الفرنسي الذي اعتمد الإبادة الجماعية للجزائريين كحل للاستيلاء على الجزائر، وهو نفس سلوك جيش الاحتلال الصهيوني مع شعب غزة.

ولقد استغلت فرنسا بعض الشحناء ومشاكل الزعامات لشق الصف عبر فكرة فرق تسد لتجييش قبيلة ضد قبيلة : لقد استغلت فرنسا في عدة مرات صراع قديم بين وجهاء قبيلة مع قبيلة أخرى لتجنيدها من أجل أخذ الثأر والانتقام ووعدهم بتمكينهم من السلطة، غير أنها خدعهتم لاحقا و اخضعتهم بدورهم. بالاسقاط، استغل الكيان الصهيوني وحلف الناتو الصهيوني نفس الطريقة عبر تجييش دول اسلامية كاملة بجيوشها ضد دول إسلامية أخرى فقط لتحقيق الانتقام ونيل الزعامة وهو ما يحصل منذ ثمانينيات القرن الماضي. ولنكن صريحين ودقيقين : لولا أن قيادات هذه الدول لم تكن عميلة لما حدث ما حدث، وما سوقوه آنذاك من مبررات ما هي إلا أسباب واهية اعتقدوا بأنهم سيخدعون بها الامة الإسلامية التي يعتقدون بأن أفرادها أميين يسهل خداهم.

كما أن الاستعمار منذ القدم يستعمل في تقدمه في الاستيلاء على الأقاليم بعض السكان المحليين كخونة وعملاء لمحاولة تسهيل توسعه في الإقليم بحكم معرفتهم به وبخباياه وكذلك لتسهيل التأثير على القبائل والعشائر لمحاولة عدم مقاومة الاستعمار. لقد نجحت هذه الحيلة في عدة أقاليم في الجزائر في بدايات الاستعمار الفرنسي فقط لأنه خدع القبائل آنذاك بأنه لن يبق في ترابهم وأنه سينسحب في بضعة شهور.

بنفس الطريقة، وظّف الكيان الصهيوني وحلف الناتو الاستعماري العملاء والخونة من بعض قادة العالم الإسلامي عبر تبني اتفاقيات التطبيع : التطبيع هو شكل من أشكال كسب أقاليم جديدة في العالم الإسلامي للاستيلاء عليها نهائيا لاحقا كما فعلت فرنسا الاستعمارية. وعليه، من قدّم للكيان الصهيوني موقع قدم في بلاد المسلمين عبر عمليات التطبيع فهو عميل لأنه يسهل عملية توسع الكيان الصهيون وحلف الناتو الاستعماري في بلاد الإسلام.

الإشارة الثالثة التي تسمح لنا في الوقت الراهن معرفة الخونة والعملاء من الحكام وعامة الشعب هو القيام بأهم وظيفة كلفتها بهم فرنسا الاستعمارية : التخابر وتقديم المعلومات. لقد عرف العملاء أثناء ثورة التحرير الجزائرية بمصطلحات عديدة : الحركى، القومية، والبياعة (المخبرين)، مهمتهم الرئيسية جمع المعلومات عن الثوار وكشف قياداتهم ومخططاتهم والسير مع الجيش الفرنسي لتسهيل التقدم. هؤلاء البياعة المخبرين لايلبسون لباسا عسكريا، ويخرجون مع الجيش الفرنسي مقنعين: الغريب في الوقت الحالي أن المخبرين العرب والمسلمين المعاصرين لا يرتدون قناعا ويجاهرون بالعمالة للصهاينة وكأنهم لا يخافون العقاب من طرف شعوبهم التي ستثور، اليوم أو غدا.

بالإضافة إلى ما تقدم، و بالإضافة للمهمة الرئيسية المتمثلة في إحصاء سكان القرى والمداشر ،وضبط عدد المجاهدين وأعضاء جيش التحرير، فلقد اوكل الاستعمار مهام أخرى للعملاء والخونة تشابه ما هي عليه اليوم:
– العمل السيكولوجي مثل غسل الأدمغة، والدعاية لتغيير وجهة نظر سكان الريف والقرى اتجاه ثوار جبهة التحرير وتشويههم. لقد رأينا في حرب الإبادة الجماعية على غزة كيف أن الكيان الصهيوني وحلف الناتو الاستعماري استطاع توظيف نوعين من العملاء لتأدية هذه المهمة: قنوات تلفزيونية وكتاب صحفيين يحاولون فصل المقاومة عن حاضنته وهي شعب غزة بمحاولة إقناعه بأن المقاومة الفلسطينية هي سبب المآسي التي يعيشها. لذا، يمكن اعتبار أي قناة تلفزيونية وأي صحافي يروي سردية الكيان الصهيوني عميلا متعاونا يؤدي دور العملاء كما حدث ابان ثورة التحرير الجزائرية.

اقرأ ايضا| المسيرة الرئاسية نحو غزة

النوع الثاني هو فئة صغيرة جدا ممن يسمون أنفسهم أئمة يقومون بطعن وتشويه المقاومة الفلسطينية، وهي فئة استعان بها الاستعمار الفرنسي ضد جمعية العلماء المسلمين ولكنه فشل، وسيفشل كذلك في حالة غزة لأنه تم فضحهم وجميع المسلمين استغرب موقفهم غير المنطقي.

– المهمة الأخرى تتمثل في الاشراف على تكوين خلايا مضادة للثورة الجزائرية، فالهدف الأساسي من إنشاء هذه الفرق هو عزل شعب الريف عن جبهة التحرير، أي قطع ذلك التضامن والأخوة والوحدة التي كانت تجمع سكان الريف والجبهة، كما أصبحت هذه الفرق بمثابة عيون مفتوحة للقوات العسكرية الفرنسية، بمساهمتها في إلقاء القبض على المناضلين والمشتبه فيهم، وتسليمهم إلى السلطات المختصة في الاستنطاق. لقد رأينا كيف أن دولا إسلامية بأكملها ساندت الكيان الصهيوني وأصبحت تقدم المعلومات وتساهم في الدفاع عن جيش الكيان الصهيوني وهو ما يجعلنا نعتقد بأن الكيان الصهيوني وحلف الناتو الاستعماري استطاع تكوين خلايا مضادة للثورة التي بدأها الشعب الفلسطيني وأصبحت عيونا مفتوحة لأي هجوم خارجي مع العمل على اغلاق جميع المعابر.

هل اغلاق المعابر هو تنفيذ للمعاهدات او هو تدعيم لخطط الكيان الصهيوني.

– تشكيل مجموعات سرية تقوم بتحريض المواطنين على الاستمرار في تناول التبغ وشرب الخمور: لقد حرمت الثورة الجزائرية المباركة هاته الأشياء لأنها كانت مقتنعة بأن الاستعمار يحاول انتزاع الهوية العربية الإسلامية من الشعب الجزائري، وبذلك ينتزع النخوة والشهامة ومقاومة المستعمر.

هذه المجموعات السرية أصبحت مجموعات كبيرة في العالم الإسلامي تحارب الدين الإسلامي وتطعن في عقيدته وتعاليمه بدعوى التحضر، من أجل تحويل الشعوب الإسلامية إلى قطعان لا مبادئ لها ولم ولن تفلح. لقد رأينا كيف أن دولا عربية محترمة أوقفت المهرجانات في هذه الصائفة تضامنا مع غزة، في حين أن حكومات أخرى أرادت الهاء الناس بمهرجانات وغوغائيات ومحاولة اقناعهم بأن استشهاد عشرات الآلاف من بني جلدتنا في غزة لا يعنيهم. ان أهم العملاء المنخرطين في هذه العملية هم اليهود المندسين في العالم الإسلامي الذين يعملون لصالح الصهاينة ويعملون على تخريب الدين الإسلامي وابعاد الشعوب عن مبادئها وقيمها.
كيف للعالم الإسلامي التخلص من العملاء:

لم يستسلم جيش التحرير الجزائري للعملاء، ولم يقف مكتوف الأيدي، بل تم وضع جهازا أمنيا قويا لمراقبة تحركات العدو، وترصد العملاء الخونة، فلقد تصدت الثورة للحركى والعملاء، وتمت تصفية الكثير منهم في كل مكان من الريف، والمدينة، بالأسواق والشوارع والأزقة، والثكنات وفي مختلف المناسبات، و أوكلت مهمة تصفية الخونة والعملاء إلى الفدائيين. فعندما تتم عملية التأكد من الشخص الخائن تبعث له في الأول رسالة تهديد من طرف جبهة التحرير، فإن تراجع يترك وشأنه، وان هو تمادى ولم يمتثل لأوامر الجبهة فإن جزاؤه الإعدام. وقد كان المواطنون يعثرون بين الحين والأخر على جثث العملاء ملقاة على الطرقات، وفوق الجثة ورقة مكتوب عليها ما يلي : “إن ثورة المجاهدين أيها المغرور قوية فوق ما يتوهم أسيادك، وها هي قد سحقت معك كل أمثالك من الخونة والعملاء، وهذا هو مصير ضعفاء النفوس”. ولقد كانت عملية الإعدام تتم إما شنقا، أو ذبحا بالسكين، أو رميا بالرصاص.

اليوم، وقد شهدنا جميعا كيف أن الشعوب الإسلامية حاولت أن تنتفض في البداية لمساعدة غزة لكن العديد من القيادات في حكومات هذه الدول قيّدتها وكبّلتها وأظهرت تعاطفا مع العدو الصهيوني عوض النفير لنصرة الشعب الفلسطيني: لا يمكن اعتبار هؤلاء القيادات الخائنة المتغلغلة في أنظمة الحكم الا نوع من العملاء والخونة وجب على الشعوب الإسلامية الانتفاض ضدهم والتصرف معهم كما تصرفت جبهة التحرير الجزائرية مع العملاء الحركى.

على الشعوب الإسلامية ان تقوم بعملية تطهير لأنظمة الحكم من العملاء والخونة. على الشعوب الإسلامية أن تثور ضد العملاء والخونة في بلدانها، لاسيما وقد وصل الحد بدول اسلامية أن أوكلت وزارات ورئاسة حكومات إلى يهود صهاينة يعملون لأجندة الكيان الصهيوني. كما أوكلت دول أخرى وزارات ورئاسة حكومات إلى أولاد عملاء يعملون كآبائهم لصالح الاستعمار القديم من الانجليز والفرنسيين والايطاليين، وبالنتيجة لصالح الكيان الصهيوني. ما هو موقف الشعوب وهي ترى مجموعة من العملاء في نظام حكمها تدفع للتطبيع ولإقامة علاقات طبيعية مع كيان صهيوني يقوده مجرمي حرب، نازيين، قاتلي أطفال ونساء وأطباء. هل يعقل أن تستمر الشعوب الإسلامية في قبول أنظمة حكم مخترقة من العملاء والخونة وتأمل أنها ستنجو من استيلاء الكيان الصهيوني وحلف الناتو الاستعماري لاحقا على مقدرات العالم الإسلامي، بعد الانتهاء من غزة.

لقد أظهرت غزة بأنها هي التي ستنتهي من الكيان الصهيوني المحتل، وبأنها هي البقعة الوحيدة الحرة مئة بالمئة في العالم الإسلامي، ونعتقد أن صمودها سيحرر فلسطين، وسيحرر لاحقا باقي العالم الإسلامي من الاستعمار الغربي وكل أنواع الاستعمار بانتفاض الشعوب على العملاء الخونة.

من جهة أخرى، أدعو كل أحرار العالم الاسلامي لكشف العملاء والخونة من قيادات، سياسيين، عسكريين، أفراد، مؤسسات، صحافيين، وغيرهم في الدول الإسلامية والتصرف معهم سريعا، لأن الاستعمار لم ولن يحقق بعض أهدافه إلا باستغلال خدمات الطابور الخامس. إن مجرد كشف العملاء والخونة في العالم الإسلامي سيضعف الكيان الصهيوني وحلف الناتو الاستعماري، وسيفضح أطروحاتهم ويقوي الوعي لدي الافراد بضرورة قهر “القابلية للاستعمار” واحياء الشهامة التي كان من المفروض أنها أنقذت غزة من همجية الكيان الصهيوني المحتل.

أما المصير النهائي للعملاء فهو معروف تاريخيا: التخلي عليهم من طرف المستعمر وهو ما حدث مع مجموعة الحركى بعد استقلال الجزائر، وما حدث مع العملاء الأفغان بعد طرد أمريكا من أفغانستان وصورة سقوطهم من عجلات الطائرات ستظل راسخة. يجب أن لا ينس العملاء والحركى كذلك بأنهم بشر من الدرجة الثانية في نظر الكيان الصهيوني وحلف الناتو الاستعماري وأنهم محتقرون لديهم بحكم خيانتهم لشعوبهم.
يا شعوب العالم الإسلامي: طهّروا أمتكم من العملاء والخونة والمخبرين.

المجد والخلود للشهداء الأبرار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى