مع حلول شهر رمضان المبارك، يعيش العالم الإسلامي، روحانيات بمختلف الطقوس الخاصة بكل دولة، ولكن الوضع في مدينة القدس يبدو مختلفاً، في ظل الحصار الإسرائيلي المفروض على الفلسطينيين، الذين يعيشون أجواء صعبة، بسبب القيود التي فرضتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، والتي تسببت في أزمات متعاقبة في مختلف مناحي الحياة للفلسطينيين.
ومن المعروف أن البلدة القديمة بمدينة القدس الشرقية، أنها قبلة للسائحين، وتشهد نشاطاً اقتصادياً، ولكن تبدلت الأجواء، وتأزمت الأوضاع بسبب ما يقوم به جيش الاحتلال من اعتداءات مستمرة على الفلسطينيين، الأمر الذي كان له تأثيراً كبيراً على الحالة الأمنية، ومن ثم عزوف السائحين خوفاً على حياتهم، وبالتأكيد حالة الحصار المفروضة على القدس كان لها تداعيات سلبية على الحركة الاقتصادية.
تفاؤل حذر
في الأسبوع الأول من شهر رمضان المبارك، انتعشت الحركة الاقتصادية في مدينة القدس الشرقية، وشهدت الحركة التجارية رواجاً في مختلف المجالات، وانعكاساً لذلك، سيطرت حالة من التفاؤل على التجار، الذين يأملون أن تستمر الأوضاع في التحسن، بعد حالة الركود التي شهدتها المدينة لفترات مختلفة، بسبب القيود والانتهاكات التي يقوم بها جيش الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي المحتلة.
بالتأكيد حالة الحصار التي تشهدها البلدة القديمة بمدينة القدس الشرقية، أدت إلى سوء الأوضاع المعيشية للمواطنين الفلسطينيين، وتعرض التجار لخسائر كبيرة، بسبب عدم القدرة على توفير البضائع والمستلزمات، ومن ثم تباطأت حركة البيع والشراء، أيضا تراجعت معدلات السياحة، كان له تأثير واضح على النشاط التجاري والاقتصادي.
قيود الاحتلال الإسرائيلي
ومع تزايد الوفود في البلدة القديمة، وتواجد آلاف المصلين بالمسجد الأقصى، تنتشر قوات الاحتلال بشكل مكثف، ووضعت حواجز حديدية عند مداخل الأحياء بمدينة القدس، الأمر الذي أدى إلى عرقلة دخول المصلين إلى المسجد الأقصى، ودفعهم إلى طرق أخرى طويلة. ومن المؤكد أن الزيارة التي قام بها وزير الأمن الإسرائيلي «بن غفير»، لمقر الشرطة الإسرائيلية، ورد فعله الغاضب من السياسة الأمنية في المدينة، والتي يرى أنها ضعيفة، وطالب بفرض قيود أمنية أكثر صرامة.
وإذا نظرنا إلى الإحصائية الصادرة، عن مركز القدس للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والتي أكدت أن قرابة 80% من سكان القدس يعيشون تحت خط الفقر، إلى جانب الضرر البالغ للقطاعين التجاري والسياحي، بسبب حالة الاضطرابات الأمنية، والأكثر من ذلك تعرض عدد كبير من “المقدسيين” للفصل من وظائفهم، بتهمة دعمهم لغزة والمقاومة. وتشير التقديرات إلى أن 78% من سكان القدس، يجدون صعوبة في تلبية احتياجاتهم المعيشية.
انهيار مؤسسي
ولا شك أن الحصار الإسرائيلي على غزة والضفة الغربية ومنطقة الـ48، كان له تأثيراً كبيراً على مدينة القدس، إلى جانب حجم المعاناة في القطاع المؤسسي، الذي يقلل من حجم المدينة، فمنذ عام 2000 كان هناك 40 فندقاً بالقدس، وبسبب الأحداث على مدار السنوات الماضية، تراجع العدد إلى 20 فندقاً، إلى جانب إغلاق 30% من المحال بالبلدة القديمة بشكل تام، وأكثر من 70% من حجم النشاط الثقافي تراجع في مدينة القدس.
ومن المؤكد أن الحفاظ على الهوية، أحد العناصر الأساسية لتعزيز السياحة، بالإضافة إلى أن الموروث الثقافي، أحد ركائز الاستثمار بالهوية، وتعرض للانهيار بشكل كبير، بسبب فرض السيطرة الإسرائيلية على مدينة القدس، وتراجعت نسب الإشغال السياحي من 75% إلى 20%.
تعرض المدينة المقدسة، عبر التخلص من عدد السكان وتقليص المؤسسات، أمر بالغ الخطورة، أيضاً ضرورة التصدي لتحويل القدس حارة ضمن “القدس الكبرى” والحفاظ على هويتها الفلسطينية والاستثمار فيها، في ظل قيام الاحتلال بتحويل المؤسسات إلى نظام وقانون إسرائيلي.
بطء الحركة الاقتصادية
وتشير التقديرات إلى أن الوضع الآن في القدس الشرقية، تحسن بعض الشيء خلال الأسبوع الأول من شهر رمضان المبارك، ويأمل التجار في استمرار حالة التحسن في الحركة الاقتصادية، خلال الفترات المُقبلة، ورغم ذلك، هناك حالة من التفاؤل الحذر تسيطر على التجار، الذي يعلمون جيداً أن الاحتلال الإسرائيلي، قد يفرض قيوداً أشد وطأة، وهو ما يؤدي إلى انعكاسات سلبية على الحركة التجارية.
ومن الواضح أن الحركة التجارية في القدس الشرقية، تشهد انتعاشة خاصة عقب صلاة الجمعة، وخروج آلاف المصلين من المسجد الأقصى المبارك، والتوجه للأسواق لشراء متطلباتهم في البلدة القديمة، تحديداً عند منطقة “باب العامود” الحيوي، الذي يشهد انتعاشة اقتصادية نوعاً ما، ولكن بالمقارنة بالسنوات الماضية، نجد أن الحركة الاقتصادية “شحيحة” نسبياً، ويرجع ذلك إلى القيود المشددة التي فرضتها قوات الاحتلال الإسرائيلي على الضفة الغربية.
ومع وجود انتعاشة في الحركة الاقتصادية، تُسيطر حالة من التفاؤل الحذر بين التجار في الأسواق بمدينة القدس، الذي يأملون في استمرار حالة النشاط التجاري، ولكن تبقى مخاوف توسيع الاستيطان، وفرض القيود وتكثيف الحصار من جانب قوات الاحتلال، قد تؤدي إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية أكثر مما كانت عليه.