القاهرة بمفردها تكبح مغامرة رفح
يُمكن الآن من دون تزيُّدٍ، القول إنَّ مصرَ وحدَها حجرُ العثرة فى طريق اجتياح رفح. الولايات المتحدة تتقلَّب بين رفضٍ ناعم وقبول مشروط؛ لكنها لا تعترضُ على الفكرة من حيث المبدأ.. وقد توصّلت على ما يبدو لاتّفاقٍ يُراعى معاييرَها الإنسانية الغامضة.
اثنتا وسبعون ساعةً جسَّدت أعلى صور الديناميكية المصرية على محور البحث عن تهدئةٍ فى غزة. بين مُقترحاتٍ طُرِحَت فى القاهرة، وردودٍ دبلوماسية قوية، ثمّ زيارة وفد أمنى لتل أبيب يضمُّ المعنيِّين بالملف الفلسطينى، بحسب ما نقلت قناة «القاهرة الإخبارية» عن مصدرٍ رفيع المستوى. ومحور المُقاربة الشَّطْب على خطّة اجتياح رفح، مع تجديد المُفاوضات بشأن تبادُل الرهائن ووَقف إطلاق النار بشكلٍ مُستدام.
وبينما يبدو الأُفق غائمًا مثلما كان طوال الشهور الخمسة التالية للهُدنة الأُولى؛ فإنّ عزيمة الوسيط المصرى بدت فى أوج قوَّتها، لا سيّما إزاء محاولات إسرائيلية للتفلُّت من استحقاقات الجولة الدبلوماسية؛ على أمل تمرير العملية العسكرية المُخطَّط لها جنوبًا، والضغط على ثلاثى الوساطة بأساليب مُتنوّعة: تفاهُماتٍ مع واشنطن، وابتزازٍ لقطر، وإعادة إنتاجٍ للشائعات القديمة والبالية عن خطِّ الحدود بين غزّة وسيناء.
حدثَ فى يناير الماضى؛ أنْ تحدَّث نتنياهو وبعضُ شركائه فى الائتلاف الحاكم عن تسليح «حماس» من ناحية رفح المصرية، وردَّت الدولةُ وقتَها بحسمٍ عبر بيانٍ لهيئة الاستعلامات. وخلال الأيّام الأخيرة عادت صحافةُ اليمين المُوالية لرئيس الوزراء إلى اجترار الأكاذيب نفسها. والأمرُ مَردودٌ عليه عبر تحقيقاتٍ داخل المؤسَّسة العسكرية، وتقارير صحفية أخرجت المسألةَ للعَلَن، فصحيفة «نيويورك تايمز» قالت قبل أسابيع إن أسلحة حماس من مُعسكرات إسرائيل وقواعدها، وضاعفتها بما اغتنمته بعد عملية طوفان الأقصى. ومسؤول الحركة فى الضفّة، زاهر جبارين، أكَّد الأمر فى حوارٍ لصحيفة الشروق قبل يومين.
وجوهرُ الكذبة أنهم يسعون للضغط على عَصب الحوار السياسى؛ لكنّ مسؤولى الملف فى القاهرة تعاملوا مع الظرف بعملانيّةٍ تكبحُ السرديّةَ المُنحرفة، ولا تتعطَّلُ أمام المُنغِّصات المقصودة. وأُدِيرَ ذلك عبر ورشةٍ شاملة، تصدَّت فى جانبٍ لتفنيد الادّعاءات المغلوطة، ثمّ إنتاج ورقةٍ بديلة لما رفضه الطرفان فى حماس وكابينت الحرب، والتحرُّك المُباشر لوَضع الرسائل فى صندوق البريد باليد، بدلاً من بطء قنوات الاتصال الاعتيادية، وما تسمحُ به لقادة الاحتلال من مُناورةٍ والتفاف.
وقد طُرِحَت المقترحات على مديرى الموساد والشاباك الأربعاء، بالتزامن مع التصدِّى لاختلاقاتٍ ردَّدتها منصّاتٌ إعلامية غربية، مثل صحيفة وول ستريت جورنال؛ فأكَّد الجانب المصرى أنه حذَّر مرارًا من اقتحام رفح، ولا يقبله، وأنه يُواصل العملَ لإنجاز هُدنةٍ ثانية، ويرفض المساسَ بحيادية الوساطة ومبادئها المُعلَنة بأخبارٍ مغلوطة أو دعايات مُصطنَعة. وبعدهما كانت الزيارة التى أحدثت أثرًا عميقًا فى داخل إسرائيل، بقدر ما دفعت الوضعَ على محاور الاشتباك نحو لغةٍ أكثر تعقُّلاً وبراجماتيّة.
الإعلامُ العِبرى تلقَّى الأمرَ باحتفاءٍ واضح، كما لم يُقصِّر فى نقل التناقضات البازغة فى أروقة الائتلاف الحاكم. قالت هيئةُ البثّ الإسرائيلية إنَّ المباحثات كانت إيجابيّةً وأظهرت رغبةً فى إقرار صفقة تبادُل، وأشادت وسائلُ أُخرى بإيقاع الوفد المصرى قائلةً إنه يُحاول فعلَ ما لا يُصدَّق لحلِّ الأزمة والتوصُّل إلى اتفاق، وإنّ الجهات المعنيّة منحت الوسطاء ضوءًا أخضر للمضىِّ فى صفقة الأسرى. وفى المُقابل؛ كثّف مُتطرّفو الحكومة انتقاداتهم، وقال وزير المالية التوراتى بتسلئيل سموتريتش إن «المبادرة خنوع إسرائيلى وانتصار كارثى لحماس»، وهدَّد كعادته بنَقض التحالف وإسقاط الأغلبية الحرجة حال تمريرها.
ومن المُفارقات أنَّ شريكَه فى الخطاب، وزير الأمن القومى بن جفير، تعرَّض لحادثِ سَيرٍ خلال تفقُّده موقع عملية طعن فى الرملة؛ كأنّه يعترضُ سلبيًّا على تقويض النزعة الصهيونية المُتطرّفة، ولو لم تنقلب سيّارتُه ما كان ليُقصِّر أو يتوانى عن التهجُّم والاعتراض بالصيغة الحارقة نفسها.
يُمكن الآن من دون تزيُّدٍ، القول إنَّ مصرَ وحدَها حجرُ العثرة فى طريق اجتياح رفح. الولايات المتحدة تتقلَّب بين رفضٍ ناعم وقبول مشروط؛ لكنها لا تعترضُ على الفكرة من حيث المبدأ.. وقد توصّلت على ما يبدو لاتّفاقٍ يُراعى معاييرَها الإنسانية الغامضة، خُلاصته تقسيم المدينة البالغة أكثر من ستين كيلو مترًا مربعًا بقليل إلى أربعة نطاقات، على أن يتدرَّج العملُ العسكرى البرِّى من أحدها للآخر، مع التقييم المُستمر للأداء والفاعلية؛ فإذا وجدت واشنطن أنَّ الهجمة تجرى بحسب مُواصفاتها يكون الانتقال، وإذا اعترضت تتوقّف عند التموضع الجديد.
والواقعُ أنّ إدارة بايدن لم تتشدَّد تجاه مسألة التوغُّل جنوبًا على الإطلاق؛ بل ربطتها بحديثٍ عُمومىّ عن مُراعاة الظروف الإنسانية، وربما تآكلت تلك المعايير جزئيًّا بعد المناوشات مع إيران، وقد استثمرتها سُلطةُ الاحتلال فى تعميم سرديّة الخطر الوجودىّ، وحاجتها العضويّة لتقليص حلقات النار التى تُطوِّقها من كلِّ جانب.
الأسابيعُ الأخيرة شهدت تصعيدًا دعائيًّا لإقصاء قطر من الوساطة. بدأ ذلك فى أروقة الكونجرس الأمريكى، واشتغلت عليه وجوهٌ من ائتلاف اليمين الإسرائيلىّ فى الكنيست. وفحوى الأحاديث كلّها أنهم يتَّهمون الدوحةَ بالانحياز لحماس، وعدم الجدِّية فى الضغط على الحركة، وبعيدًا من دقّة الاتهامات أو اختلاقها؛ فالمقصود قطعًا إفساد ورشة التفاوض الثلاثيّة الساعية لإنتاج هُدنةٍ جديدة، خصوصًا فى ظلِّ الرسائل المُتزامنة عن الحدود المصرية، مع الوعى بأنَّ واشنطن ضامنٌ للاتفاق أكثر من كونها وسيطًا، وإن كُسِرَت الدائرةُ مع شركاء الطاولة فإنها ستصير أقرب لموقف التصعيد من محاولات التهدئة.
وبينما خضع القطريِّون للابتزاز؛ فأعلنوا إعادة تقييم دورهم، وتباطأت حركتُهم بين الطرفين المُتنازعَين، تعاملت مصرُ مع الموقف بنُضجٍ عالٍ وثباتٍ انفعالىٍّ لا يهتزّ، بين تفنيد الشائعات وتوضيح ثوابت رؤيتها، وتنشيط قنواتها السياسية والأمنية، وعدم التوقُّف أمام التعقيدات التى يُثيرها المُتشدِّدون فى تل أبيب أو من جانب الفصائل الفلسطينية، وكل ذلك على مُرتكزٍ واضحٍ تتآلفُ فيه باقة الخطوط الحُمر المصرية: الأمنُ القومى أوّلاً، وإغاثة الغزِّيين المنكوبين، ثمّ تثبيت الحقوق العادلة وقَطع الطريق على تقويضها الآن أو القَضم منها مُستقبلاً.
ثمّة عاملٌ يتوجَّب النظرُ إليه. كان «هنيّة» وخالد مشعل قد زارا تركيا قبل أسبوع، ووصل وزير الخارجية سامح شكرى إلى أنقرة فى وقتٍ مُتزامن؛ وبالبديهة فإنّ غزّة كانت على الطاولة تتقدَّم أبرز المسائل المطروحة بين البلدين. ربما يعنى ذلك أنَّ الأتراك يتجهّزون للحلول بدلاً من قطر فى الرعاية السياسية لحماس، أو حلّوا بالفعل؛ وبأثر اختلاف علاقة العاصمتين مع طهران ومحور الممانعة؛ فقد يتبعُ ذلك تعديل خطاب الحماسيِّين شكلاً ومضمونًا.
وكانت البدايةُ أسرع من التوقُّعات، إذ قالت مصادرُ تركيّة وقت الزيارة إنَّ الحركة مُستعدّة لإلقاء سلاحها حال التوصُّل لهُدنةٍ طويلة تُختتَمُ بإرساء دولةٍ فلسطينيّة مُستقلّة، ثمّ جدَّد نائبُ رئيس حماس فى الداخل، خليل الحيّة، الرسائلَ نفسها فى حوار مع «أسوشييتدبرس» الأمريكية، مُعبّرًا عن جاهزيّةٍ للتهدئة خمسَ سنوات أو أكثر، والاستعداد لحلِّ الجناح المُسلَّح «كتائب القسَّام» عند التوصُّل لتسويةٍ نهائية فى الضفّة والقطاع على حدود العام 1967.
وبينما يشى الحديث بتحوُّلٍ فى الرؤية؛ فإنه يظلّ أقربَ للتمنّيات من القناعة الحقيقية؛ إذ سبق أن أعلنه الحماسيِّون فى ورقتهم الاستراتيجية قبل سبع سنوات، ولم يسيروا إليه، ويقولون دومًا إنهم جاهزون لعضوية «مُنظّمة التحرير» دون تحرُّكٍ فعلىّ جاد؛ أمَّا شرطُ الجدِّية فيبدأ من فضيلة المراجعة والاعتراف بالخطأ، ثمّ معرفة أنهم إزاء مفصلٍ تاريخىّ، وفى ضوء السوابق القديمة والحروب الخمسة التى أرهقت القطاع؛ فالواجب ألَّا يُضيِّعوا فُرصةَ استكشاف مساراتٍ مُغايرة، بعدما أودت مساراتُهم السابقة بالبلاد والعباد إلى هاويةٍ أسوأ ممَّا عانوه فى أحلك فترات الصراع.
المأزقُ الكبير على جبهة الحرب؛ إذ يتلطَّى كلُّ طرفٍ وراء وَهم القوّة، ويُفتِّش عن «الرصاصة الفضية» التى سيزرعها فى صدر غريمه ويخرجُ مُنتصرًا. والواقع أنها مواجهةٌ خاسرة للقاتل والضحية. وإلى ذلك؛ فالولايات المُتّحدة ليست بعيدةً من الأزمة؛ حتى مع انحيازها الواضح فى خطوة الفيتو ضد الدولة الفلسطينية، أو فى البيان الذى أطلقته مُؤخّرًا مع سبع عشرة دولة من أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية، ويُطالب «حماس» بتحرير الأسرى دون حديثٍ عن جرائم إسرائيل وتجاوزاتها. لكن محنتها تنشأ عن داخلٍ مُلتهب؛ إذ تُعاين وضعًا مُزعجًا فى الشارع والجامعات، والمُظاهرات تتضخّمُ بوتيرةٍ صاعدة، وقد تنفلتُ بين يومٍ وآخر إلى ما يشبه أجواء حرب فيتنام فى أواخر السيتينيات، وقد تعذَّرت مقاومتها فى وقتها واضطُرّت الإدارةُ لوَقف عدوانها، واليوم تبدو التحديات أكبر فى سياق الانتخابات الرئاسية، مع فارق أن قرار تجميد الميدان الغزِّى ليس فى قبضة البيت الأبيض حصرًا.
صحيح أنَّ له يدًا عُليا على تل أبيب؛ لكنّ الشريك مجنونٌ ويُبدى نُزوعًا إلى التمرُّد، مُتسلِّحًا باللوبى الداعم فى أمريكا ومشاعر كتلة المسيحية الصهيونية؛ لذا يترفَّق «بايدن» فى الخطاب لإرضاء الغاضبين لديه، ويُراضى نتنياهو فى الكواليس كى لا يقع الشِّقاق، وفيما بينهما يُعوِّل على الموقف المصرى فى إفساد خطوة رفح.
باختصار؛ لولا حَسم القاهرة لكَانَ جيشُ الاحتلال ينتشرُ فى جنوب القطاع الآن. لقد وفَّر التصعيدُ الإيرانى غطاءَ السياسة المطلوب، وجرى تسويقُ الانسداد فى مفاوضات الهُدنة على أنه تشدُّدٌ حماسىّ، والأمريكيون بين الأمرين يسيرون على حرفٍ من مُجاراة الصهاينة وترويضهم، فيصمتون على المجازر، ويُعوِّضون عنها ببناء رصيفٍ بحرىٍّ لتمرير المساعدات. وهكذا؛ فالعقبةُ الوحيدة الباقية تتمثَّل فى الرفض المصرى، وهو ثابتٌ لا يتزحزح حتى مع محاولات الطمأنة، ومنها بناء مُخيّم عند «خان يونس» لإجلاء المدنيين شمالاً، وتعهُّد المسؤولين الأمنيِّين بإسرائيل أنه لن يحدُث ضَغطٌ على خطِّ الحدود.
وبالنسبة للإدارة المصرية فلا ينحصرُ الأمر فى مسألة التهجير أو إزاحة لاجئى الداخل نحو سيناء؛ بل فى فكرة الانتشار الواسع، والسيطرة الأمنية من جانب الاحتلال، وأثر ذلك على اليوم التالى للحرب، وأيّة مُفاوضات بشأن الأُفق السياسى للمُستقبل والدولة المأمولة. وقد يصحُّ القول إنَّ حُكّام تل أبيب الحاليين مخابيلُ ولا عهدَ لهم، ونتنياهو يخوض صراعًا وجوديًّا لا يُريد أن ينتهى به فى السجن، أو يضع اسمَه مُفتتَحًا لكتاب العار؛ بعدما تخيَّل نفسَه مَلِكًا يهوديًّا يُعيد أمجاد التأسيس التوراتى الغابر. وإذا ترجَّح من ذلك أن يستمرّ فى مُقامرته ونزواته؛ فالثابت حتى الآن أنه مَردوعٌ بأثر الموقف الصلب من ناحية مصر، وتخوُّفه من تداعيات المساس باتفاقية السلام وملاحقها المُكمِّلة، والمعلوم بالضرورة أنَّ منطقةَ التَّمَاس حجرُ زاويةٍ فى مُعادلة التوازن الحَرج بين البلدين.
النزاعُ اليوم على تحرير القضية قبل الأرض. ثمّة طرفٌ يستلِبُ غزَّة ضمن دعايات «وحدة الساحات»، ورغبةُ الأمريكيين والصهاينة «فصل الساحات» عن بعضها قبل كلِّ شىء. وإذا كانت الأُولى تستفيدُ من بطش الاحتلال وخياراته الإلغائية؛ فلا أملَ فى الثانية من دون تقويم الأوضاع المُنحرفة، ومَنح الفلسطينيين أملاً فى الغد. والحال أنَّ وَهم الحسم بالقوَّة العارية قد انكسرَ لدى الجانبين؛ فالفصائلُ تعرفُ أنها خسِرت وأرهقت فلسطين بطوفان الأقصى، أضعاف ما كانت تنتظر من مكاسب، والصهاينةُ واثقون الآن من الإخفاق والهزيمة الاستراتيجية، مهما أنكروا، ورغم ما وصلوا إليه من مُعدّلاتٍ غير مسبوقة فى القتل والتدمير.
وإذا كانت «حماس» خُدِعت من حُلفائها؛ فلم تنفتحْ الجبهاتُ الرديفة أو تتَّسع المُواجهة التزامًا بعهود الشراكة مع المُمانعين؛ فإنَّ نتنياهو وعصابته يرصدون تآكُلَ الإسناد الغربىِّ وصُورتهم الأخلاقية المُصطنعة، وباتوا واثقين من حدود الدعم الأمريكى، وأنَّ «بايدن» لو كان عاجزًا عن المُجاهرة بالرفض؛ فسيواصل التستُّر وراء المواقف الإقليمية، ولن يتولى تفكيكها بدلاً من حليفه المأزوم.
ومن هنا يتعيَّن انخراطُ كلِّ فريقٍ فى عملية مُراجعةٍ ديناميكية، تقودُ بالضرورة إلى خياراتٍ أقلّ فَتكًا بالذات والآخر، وإلى رهانٍ عملىّ ناضجٍ على الشريك الأكثر صدقًا وموثوقية. وبالنسبة لهما معًا؛ فإن القاهرة تبدو الخيار المثالى الذى يحملُ ورقةً قابلةً للتطبيق، ولا يُخفى أجندةً خاصة تتعارضُ مع واقع الصراع ومُستقبله. كما أنها لا تُحبّ لُعبة الاستثمار فى الفوضى والميليشيات ومنطق الحياة على حدِّ السيف بشكل دائم، ولديها اتّفاقٌ قائم مع إسرائيل، وثوابتُ راسخة تجاه فلسطين.
اللحظةُ الراهنة مُواتيةٌ للهُدنة بأكثر ممّا كان فى الشهور الفائتة. ورقةُ باريس خضعت للأخذ والردِّ والتنقيح ذهابًا وإيابًا، وعقَّب السنوار ونتنياهو على الأفكار، ثم ردَّ كل منهما على ردّ الآخر. وخريطةُ التحالفات صارت مكشوفةً للجميع تقريبًا، ومصر تأخذُ بناصية الحوار إلى مرفأ يصلحُ لإيقاف فرقاطات الحرب وإطلاق سُفن السياسة والتسوية. بالنسبة للمقاومة؛ فإنَّ الداخل الإسرائيلى مشحونٌ لآخره، وتسودُه أجواء التشظِّى والانقسام، وبينما يعلو الصوت بين اليمين التوراتى، فإنَّ بقيّة الأطياف اليمينية مع اليسار والوسط باتت موقنةً من سوء خيارات الحرب، وتكاد تُجمع على خطيئة التفكير فى اجتياح رفح، وتُطالب بالتعجيل بإيقاف الدوَّامة واستعادة الأسرى.
وفى المقابل؛ فإنَّ القسّاميِّين يُفترَض أن يكونوا قد استوعبوا درس الذهاب إلى المجهول دون خريطةٍ للعودة، وعرفوا المُخلصَ للقضية بصدقٍ ممَّن يتَّخذها ورقةً للمُناورة فى ملفَّات إقليمية فوق فلسطينية، ولا مُبرِّر لتكرار الأخطاء القديمة وتفويت الفرص مهما بدت ضئيلة.. القاهرة وضعت النقاط فوق الحروف؛ إنما يتبقّى أن يُحسن الطرفان القراءة.