سوريا

القانون “19” في سوريا.. حرية الصحافة إلى الوراء

القانون الجديد يتعارض مع نصوص دستور 2012 الذي تعمل به سوريا حاليًا، على الرغم من عيوبه ونواقصه، إذ تبدو مهمة وزارة الإعلام متعارضة مع المادة “42” التي تنص على أن “لكل مواطن الحق في أن يعرب عن رأيه بحرية وعلنية بالقول أو الكتابة أو بوسائل التعبير كافة

أصدر الرئيس بشار الأسد، في 23 من نيسان 2024، القانون “19” القاضي بإحداث وزارة الإعلام، لتحل محل الوزارة المحدثة بالمرسوم التشريعي رقم “186” عام 1961.

حسب النص، هناك أربعة أهداف للقانون تلخصت في:

إنتاج خطاب إعلامي وطني يستند إلى تاريخ وحضارة الشعب السوري وملتزم بقضايا الوطن والمواطن.

ضمان حق المواطن بالحصول على الخدمات الإعلامية بأنواعها المختلفة.

ضمان حرية العمل الإعلامي والتعبير عن الرأي في الوسائل الإعلامية الوطنية وفقًا لأحكام الدستور والقانون.

ربط الإعلام بالمجتمع، بما يعزز الهوية الوطنية والعربية، والتنوع الثقافي.

تلك الأهداف تمثل أربعة أركان للسيطرة، على عكس ما يوحي به نص القانون، إذا ما جرى تحليل معظم العبارات الواردة في مهام الوزارة، وهي “وضع ضوابط” لتنظيم قطاع الإعلام، والاستثمار وفق القوانين النافذة، والتواصل مع الإعلام الأجنبي “لإيصال سياسة الجمهورية العربية السورية إلى الرأي العام العالمي”، والتنسيق مع المنظمات الدولية لتدريب الكوادر، وتولي مهمة البحوث والدراسات واستطلاع الرأي، الإشراف على صناعة الإعلان وتوزيع المطبوعات، وتقييم محتوى الدراما وتنظيم صناعتها، واعتماد وتنظيم عمل المراسلين الخارجيين، والرقابة على المطبوعات التي تدخل سوريا، واحتكار تمثيل الدراما والإعلام السوري في الخارج، وترخيص دور النشر وشركات الخدمات الإعلامية.

وزاد القانون الجديد في أساليب السيطرة عبر المادة الثامنة التي تنص على تشكيل “اللجنة الوطنية للدراما”، والتاسعة، التي تختص بوضع سياسات إنتاج الدراما ونصوصها وتصديرها.

القانون الجديد يتعارض مع نصوص دستور 2012 الذي تعمل به سوريا حاليًا، على الرغم من عيوبه ونواقصه، إذ تبدو مهمة وزارة الإعلام متعارضة مع المادة “42” التي تنص على أن “لكل مواطن الحق في أن يعرب عن رأيه بحرية وعلنية بالقول أو الكتابة أو بوسائل التعبير كافة”، و”43” التي تنص على أن “تكفل الدولة حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام واستقلاليتها وفقًا للقانون”.

ولو أراد العاملون في قطاع الإعلام تفسير عبارة “وفقًا للقانون” الواردة في المادة “43”، فسيكتشفون المأزق الذي وضعهم فيه القانون الجديد، وهو ما تشير إليه توصيات “تقرير الحريات الصحفية” لعام 2023 الصادر عن اتحاد الصحفيين السوريين بإشراف الاتحاد الدولي للصحفيين (IFJ)، الذي يدعو إلى “ضرورة متابعة الحوار والعمل مع السلطتين التشريعية والقضائية لحل موضوع تعدد المرجعيات القانونية التي تحكم عمل الصحفيين”.

والقانون “19” يبدو بجوهره أشد قبضة أيضًا من قانون الإعلام الصادر بالمرسوم التشريعي رقم “108” لعام 2011، الذي انتقده بالأساس “تقرير الحريات الصحفية”، الذي شدد في مادته الثالثة على الحريات في إطار ما ورد في دستور عام 1973، ما يعني أن الحريات العامة والحريات الإعلامية في القانون الجديد تشهد تراجعًا ملحوظًا، وهو ما يبرر مطالبة المدافعين عن حق الإعلاميين السوريين أو ممثليهم بأن يكونوا جزءًا أساسيًا من فريق مفاوضات اللجنة الدستورية المرخصة من الأمم المتحدة، وفق القرار “2254” الصادر عن مجلس الأمن الدولي عام 2015.

تاريخيًا لم يكن لوزارة الإعلام السورية وجود حقيقي منذ صدور المرسوم التشريعي رقم (186) لعام 1961، وتشكلت أول هيكلية للوزارة وفق القرار رقم “147”، في 25 تشرين الأول عام 1986، إذ جرى تجميع موظفيها من مختلف قطاعات ووزارات الدولة، وعلى عكس ما يفترض في جميع الدول التي تحاول الالتزام بمبدأ حرية الإعلام وممارسته، لجهة إلغاء وزارات الإعلام، وحصر عملها، إن وجدت، في قضايا لا ترتبط بفرض القيود أو تقرير المحتوى أو مراقبته، اتخذت السلطة في سوريا نهجًا معاكسًا، وباتت وزارة الإعلام تتحكم بعمل الصحفيين، وتسيطر على المحتوى، وتضم لجانًا للرقابة على الصحافة الخاصة والمطبوعات التي تدخل إلى البلاد، والتضييق على الدراما، بل ولعبت دورًا اقتصاديًا في تمرير الدعم عبر مؤسسة الإعلان التابعة للوزارة لجهة توزيع المال على الإعلام الموالي الخارجي الذي يكيل بكيل السلطة في سوريا، وكانت هناك، مثلًا، حصص مالية توضع تحت باب الإعلانات وتقدم لصحف ومجلات ووسائل إعلام لبنانية على وجه الخصوص، في إطار شراء الموقف السياسي.

حرصت المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية في سوريا على تشديد القبضة، وتعميم سياسات المنع، إلى درجة تحولت معها بعض التشريعات القضائية إلى نصوص عقابية ظالمة تمثل مصلحة السلطة لا الدولة والمواطن، كما هو الحال في القانون رقم “20” لعام 2022، الذي نص على إجراءات عقابية أبرزها “النيل من هيبة الدولة” لتصبح “جناية” تستحق الحبس من ثلاث إلى خمس سنوات، دون أن تتضمن التعليمات التنفيذية تفسيرًا واضحًا لطبيعة هذه “الجناية”، وهو ما يعطي السلطة صلاحيات واسعة لممارسة العسف بحق الصحفيين والمدونين والناشرين، في بلد اتخذت فيه السلطة قرارًا باعتبار كل رأي يخالفها بمنزلة جريمة.

وتمت معاقبة المئات من الصحفيين على هذا الأساس دون معايير قانونية، وجرى مؤخرًا استدعاء عدد من المدونين والناشطين والصحفيين إلى الأفرع الأمنية والأجهزة القضائية، في مسعى لقتل أي محاولة للكشف عن الفساد أو نقد أداء المؤسسة السياسية أو الأمنية أو الاقتصادية.

القانون “19” لإحداث وزارة الإعلام، وما سبقه من قوانين وتشريعات، كلها تذهب باتجاه واحد، لا إصلاح في البلاد ولا حرية رأي وتعبير، ويبدو النضال من أجل صحافة حرة مستقلة مسارًا طويلًا وشاقًا ودونه تضحيات.. وللحديث بقية.

علي عيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى