القانون الدولي يرتكز على فلسفة قوة القانون كآلية مركزية لتنظيم العلاقات الدولية وتحقيق التعايش بين أطراف المجتمع الدولي، انطلاقاً من مبدأي السيادة والمساواة القانونية بين الوحدات السياسية الدولية. يتم تطبيق القانون الدولي على هذا الأساس للمساهمة في بناء نظام دولي عادل ومنصف، خصوصاً في ظل التحولات التي يشهدها النظام الدولي، حيث تتوالى الصراعات والحروب التي تقوم على منطق الأحادية في صناعة القرار، التدخلات العسكرية، تهميش المؤسسات الشرعية الدولية، وتكريس منطق القوة والهيمنة. ورغم الجهود المبذولة على صعيد المؤسسات والمنظمات الدولية التي أسهمت في احتواء العديد من الأزمات، فإنها تواجه عرقلة مستمرة، خصوصاً من الدول الكبرى.
حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني، التي يمارسها الاحتلال الغاصب، تُعد شهادة دامغة على غياب احترام قانون الحرب والقانون الدولي الإنساني. في ظل هذا الواقع، تختفي الأبعاد القانونية والإنسانية للعدالة الدولية أمام توسيع دائرة الدمار والإبادة في غزة، التي سجلت مستويات غير مسبوقة من الانتهاكات في القرن الواحد والعشرين. هذه الممارسات تضع الضمير الإنساني أمام اختبار حقيقي، وتستدعي تحركاً دولياً جدياً لوقف هذه الحرب الوحشية.
اقرأ أيضا| مستقبل قطاع غزة ولجنة الاسناد المجتمعي والفيدرالية
تقارير دولية عديدة، مثل تقرير “تشريح الإبادة الجماعية” للمقررة الأممية الإيطالية فرانشيسكا ألبانيز، أكدت أن ما يحدث في غزة يرقى إلى مستوى جريمة الإبادة الجماعية. التقرير أشار إلى أن هناك أسباباً معقولة للاعتقاد بأن إسرائيل ارتكبت جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وأكدت ذلك منظمة العفو الدولية في تقريرها بعنوان “بتحس إنك مش بني آدم”، الذي وثق القتل الممنهج، الحصار، التجويع، التهجير القسري، ومنع وصول المساعدات الإنسانية، مما جعل غزة منطقة غير صالحة للعيش.
يتطلب الوضع الحالي توحيد الجهود الدولية، خاصة من الدول العربية والإسلامية، لوقف حرب الإبادة في غزة. كما يستدعي استخدام الوسائل القانونية لمحاسبة مرتكبي جرائم الإبادة، ووضع حد للدعم غير المشروط الذي تقدمه أميركا والدول الغربية لإسرائيل. هذه الجهود يجب أن تتم عبر آليات مؤسسية وأكاديمية ومدنية، مع تعزيز الاعتراف بالدولة الفلسطينية والعمل لتحقيق سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط.
في النهاية، يمثل التصدي لحرب الإبادة الجماعية ضمانة لتفعيل القانون الدولي ومحاسبة مجرمي الحرب. كما أن ضمان الحقوق الفلسطينية ضمن إطار السياسة الدولية ورعاية الأمم المتحدة هو السبيل لإبرام اتفاقيات سلام تضمن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.