الفلسطيني محمد حمادة.. بطل من رحم المعاناة
المآسي التي مر بها البطل «محمد حمادة»، تحتاج إلى تسليط الضوء عليها، ليرى العالم أن جرائم جيش الاحتلال الإسرائيلي، لم تمنع الكوادر الفلسطينية من تحقيق أحلامها.
«من رحم المعاناة يولد الأمل.. ومن قلب المأساة يأتي الفرج».. أقل ما يوصف عن ما قام به البطل الفلسطيني «محمد حمادة»، الذي ضرب مثلًا في القدرة والصمود في مراجعة التحديات، والتغلب عليها، لتحقيق الهدف والحلم بالوصول إلى أولمبياد باريس 2024.
من يرى ويتابع الأحداث المأساوية في قطاع غزة المكلوم، لا يمكن أن يتخيل أو يصدق، أن من بين الأنقاض، التي تغطي غزة بالكامل، يخرج بطل مثل «محمد حمادة»، يتغلب على كافة الصعاب، ويواجه الموت في كل لحظة، لكن العزيمة والإيمان المترسخ بداخله، جعله يصمد ويكافح لتحقيق حلمه، بمثيل وطنه فلسطين في أولمبياد باريس.
صناعة البطل الأولمبي أمر صعب للغاية، يتطلب قدرات وإمكانيات كبيرة، ولكنها ليست مستحيلة. هي منظومة صناعية متكاملة، لها أهدافها وأدواتها ومقوماتها وآلياتها ودراساتها وتجاربها وحوافزها وتفاصيلها المدروسة بعناية فائقة. والتجارب القريبة والبعيدة التي نجحت في صناعة الأبطال الأولمبيين، كثيرة ومعروفة، ولكننا أمام حالة استثنائية، تتطلب الوقوف أمامها، فما فعله البطل محمد حمادة، يجب أن يكون منهجًا يدرسه الطلاب في المدارس والجامعات، لتعلم كيفية التغلب على التحديات، من أجل تحقيق الحلم.
ولد البطل الفلسطيني «محمد حمادة»، في حي التفاح بمدينة غزة الفلسطينية عام 2002، وتمكن من تحقيق حلم عائلته، بأن يكون بطلاً في رياضة حمل الأثقال، حيث شارك في العديد من البطولات العالمية، وحصل على عدد كبير من الميداليات.
ومن بين البطولات التي شارك فيها، كل من بطولة آسيا واحتلّ المركز السابع في مايو عام 2021، فيما احتلّ المركز الثامن عالميًا في رفع الأثقال. كما أنه شارك في بطولة أوزبكستان العالمية، حيث رفع 141 كيلوجرامًا و 171 في النطر بمجموع 312 عن الرفعة الأولى والثانية.
وجاءت كل هذه الانتصارات، بالرغم من افتقار «محمد»، وأغلب الرياضيين في غزة، لنوادي رياضية، وأماكن مجهزة تمكنه من التدريب بالشكل الصحيح، للمنافسة على ألقاب عالمية كبرى. بالرغم من الأوضاع الصعبة التي يعيشها سكان قطاع غزة، بسبب الحرب التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ شهر أكتوبر من سنة 2023، ومستمرة حتى بعد 9 أشهر من الهجوم، إلا أن الرباع الفلسطيني محمد حمادة، كان يحلم بأن يحقق حلمه بالمشاركة في أولمبياد باريس 2024، رغم ذلك.
كان البطل الغزاوي «محمد حمادة»، هو أول رباع فلسطيني يمثل بلده في تاريخ المسابقة، وقد تمكن من أن يحقق تقدماً واضحاً، بعد أن كان الأقرب إلى الحصول إلى الميداليات، إلا أنه ومع ذلك، تمكن من تحسين رقمه في عالم بطولة حمل الأثقال، بين بقية الأبطال العالميين.
وكانت مشاركة «حمادة» في هذه البطولة بمثابة حلم، كونه وبالرغم من صغر سنه، كان قادراً على رفع علم بلده في هذه التظاهرة الرياضية العالمية، التي يتابعها الجميع من كل بقاع العالم، ويصبح الأول في تاريخ اللعبة الذي يشارك باسم فلسطين.
لمع اسم الرباع «محمد حمادة» من جديد، بعد أن حصل على ميداليتين ذهبية وبرونزية ضمن مشاركته في بطولة العالم للشباب والناشئين لرفع الأثقال والتي استضافتها اليونان سنة 2022. ولأن ظروف التدريب تعتبر صعبة جداً في قطاع غزة.
الإنجازات التي حققها البطل «محمد حمادة»، تؤكد قدرته على المشاركة في الأولمبياد، ولكن جاءت الحرب على غزة، عقب أحداث 7 أكتوبر 2023، لتعقد المشهد أمام البطل، الذي وجد نفسه محاصرًا وسط الحرب، وقريبًا من الموت، الذي كان يلازمه عن قرب كل يوم.
رغم الحرب الدامية والمعاناة القاسية، التي يشهدها قطاع غزة، والقصف المستمر من جانب جيش الاحتلال الإسرائيلي، من الشمال إلى الجنوب، ظل البطل يتدرب بقوة وعزيمة، وسط أصوات الانفجارات المدوية، التي كان من الممكن أن تنهي حياته في أي لحظة، لكنه لم يهب وأخذ يفكر في حلم المشاركة في أولمبياد باريس 2024.
ظل الرباع الفلسطيني ينزح من مكان لآخر، بعد أن تعرض منزله إلى القصف، وكاد أن يفقد حياته، ولكن شاء القدر أن ينجو ليواصل مسيرته، أملًا في تحقيق الحلم المنتظر والمشاركة في أولمبياد باريس.
تجربة النزوح، التي خاضها البطل لم تكن سهلة، ولا يستطيع أحد تحملها، فكان يتنقل بين الطرقات التي تمتلئ بجثث الشهداء والجرحى، حتى تمكن من من الخروج برفقة مدربه الخاص وشقيقه حسام حمادة، بعد أن مكث 23 يومًا على الحدود.
عاد «محمد» إلى قطر، وهناك حاول مجددًا أن يعود إلى نظامه الرياضي السابق، والتشبث بحلمه الوحيد، وهو استكمال مساره الرياضي، الذي بدأه في سن صغيرة، متمنيًا تتويجه بمشاركة جديدة في أولمبياد 2024.
ونجح «محمد حمادة»، في بلوغ مسعاه ومغادرة غزة، ووصل إلى مدينة فوكيت التايلندية، التي سافر إليها، للمشاركة في بطولة كأس العالم، الجائزة الكبرى، المؤهلة لأولمبياد باريس 2024، لكنها كانت أول مشاركة بعد خروجه من غزة، رغم خسارة وزنه وفقدان المستوى، وترك التدريب لمدة ستة أشهر، لذا لم يحقق أي نتائج تذكر، وهي آخر بطولة تأهيلية لأولمبياد باريس.
اقرأ أيضا| هل سيرى السنوار ما صنعته يداه في المنطقة؟
تأثر وزن «محمد» من المجاعة التي يشهدها قطاع، بعد قيام جيش الاحتلال الإسرائيلي، بمنع دخول المساعدات الإنسانية، وفقد ما يقارب 20 كيلوجرامًا، ما أدى إلى عدم قدرته على المشاركة في أي بطولة، إضافة إلى غياب المرافق الرياضية، أو الأماكن التي يمكن أن يتم فيها التدريب من أجل الأولمبياد. وضاعت منه بطاقة التأهل، لينشر بعد ذلك خطابًا عبر حسابه على فيسبوك، يؤكد فيه أنه يستحق التأهل إلى أولمبياد لوس أنجليس 2028 والمنافسة على الميداليات الأولى.
بطل رفع الأثقال الفلسطيني، الذي سبق له المشاركة في أولمبياد طوكيو 2020، واجه ظروفاً صعبة، خلال الحرب على قطاع غزة، ونجا من الموت، ليواصل استعداداته بغية استعادة مستواه الحقيقي الذي ظهر عليه في أولمبياد طوكيو 2020، والمسابقات التي خاضها بعد تلك الفترة. وكان البطل يحلم برفع علم فلسطين والمشاركة في أولمبياد باريس هذا الصيف بدعوة من اللجنة المنظمة.
مر البطل بأوقات عصيبة مثله مثل كل أبناء الشعب الفلسطيني، الذي يتعرض للعدوان، ومع ذلك قرر استكمال المشوار، وتمكن في البداية من الخروج من مدينة غزة إلى رفح، ونجح في المغادرة إلى مصر ومنها إلى البحرين في أولى خطوات استكمال برنامج الإعداد الأولمبي.
لم يكن أمام البطل ومدربه سوى أسبوع واحد للمشاركة في بطولة العالم لرفع الأثقال المؤهلة إلى أولمبياد باريس التي أقيمت في مدينة بوكت بتايلاند، وشارك بالفعل وعاد بعدها إلى المنامة مرة ثانية لاستكمال المعسكر.
وتوجه البطل الفلسطيني بعد ذلك إلى الدوحة لاستكمال البرنامج الأولمبي، استعداداً للبطولات المقبلة ومنها أولمبياد باريس، في حال تمت الموافقة على مشاركته، باعتباره شارك في بطولة تأهيلية واحدة من أصل 3 بطولات أساسية، فلم يتمكن من المشاركة في أول بطولتين بسبب التواجد في غزة خلال الفترة.
رغم قسوة المرحلة، يسعى البطل إلى تنفيذ برنامج إعداد للمشاركة في دورة الألعاب الآسيوية المغلقة في شهر تشرين الثاني القادم، وبطولة العالم للكبار في كانون الأول من نفس العام.
المآسي التي مر بها البطل «محمد حمادة»، تحتاج إلى تسليط الضوء عليها، ليرى العالم أن جرائم جيش الاحتلال الإسرائيلي، لم تمنع الكوادر الفلسطينية من تحقيق أحلامها، وأنه مهما فعل العدوان الغاشم، لن تنال من عزيمة وإصرار شعب فلسطين من الصمود، ولن تفلح خطة التدمير النفسي والمعنوي والجسدي أيضا في محو الهوية الفلسطينية.
قوة وعزيمة البطل «محمد حمادة»، وإيمانه بالله بأن النصر سيأتي مهما طال أمد الحرب، هي إنعكاس للشعب الفلسطيني ككل، وليس أهل غزة فقط، فمسيرة البطل ونجاحه بمثابة هزيمة للاحتلال الإسرائيلي، الذي عجز عن تنفيذ مخططه بمحو الهوية الفلسطينية، والاستيلاء على الأرض.